أنت والقانون

كتب :صلاح طه

عزيزتى القارئة هذا الباب من أجلك للرد على أى تساؤلات أو استفسارات قد تواجهك أو تطرأ على حياتك تتعلق بأسرتك أو مالك أو وظيفتك أو أى مجال من مجالات الحقوق والواجبات القانونية والتشريعية. ارسلى إلينا أسئلتك وسوف يجيب عليها صفوة من رجال القضاء ...

الحصانة البرلمانية والحق فى حرية التعبيرl تسأل هدى إبراهيم - مصر الجديدة - عن الموقف القانونى للحصانة المقررة للنائب فى البرلمان، وهل تبرر له الإساءة إلى الآخرين بدعوى الحق فى حرية الرأى والتعبير والخروج علي لغة الخطاب ، خاصة أمام الفضائيات أو وسائل الإعلام الأخرى استنادا إلى ما يملكه من حصانة برلمانية فيه؟ وما حدود العلاقة بين الحق فـى حرية التعبير وبين الحق فى الحصانة البرلمانية ؟

يجيب د. إبراهيم محمد العنانى - أستاذ القانون الدولى بكلية الحقوق جامعة عين شمس :

- التعبير هو الإظهار الخارجى للفكر أو للرأى ويستخدم لذلك العديد من الوسائل والآليات منها الذاتى وهو الكلام أو الإيماءات أو الإشارات ، ومنها الخارجى والذى تتمثل أبرز مظاهره فى استخدام وسائل الإعلام المقروء ، والمسموع والمرئى .

وقد أكدت مختلف الوثائق القانونية على حق الإنسان فى حرية التعبير ، بل إن الشريعة الإسلامية قد سبقت تلك الوثائق فى التأكيد على حرية الإنسان فى التعبير والاعتقاد ، وأن سبل التعبير عن الرأى لايجب أن تتوقف عند حدود الإعلام والتبليغ والنقل ، وإنما يجب أن تشمل سماع آراء الآخرين ومحاورتهم والتشاور معهم . وهنا يجب اتباع الوسائل السليمة فى التعبير التى قوامها الحكمة والموضوعية والصلاح والتى لاتنطوى علي السخرية من الآخرين أو الإضرار والمساس بمشاعرهم ومعتقداتهم وكرامتهم وسمعتهم ، وشرفهم واعتبارهم .

ومن المستقر عليه فى كافة النظم القانونية أن الممارسة المطلقة للحرية أيا كان نوعها ، من الأمور المرفوضة ، إذ أن ممارسة الإنسان لحريته مرهونة بعدم التعدى على حريات الآخرين أو على النظام العام بأبعاده المختلفة ، أو مخالفة منظومة الأخلاق والقيم والمثل العليا التي جاءت بها جميع الرسالات السماوية ، والقول بغير ذلك مفاده أن تتحول الحرية إلى عامل للفوضى والهدم وليس أداة للاستقرار والرقى ، وتعزيز القيم الإيجابية فى المجتمع .

وقد نصت الفقرة الثانية للمادة 12 من الإعلان الدستورى على أن «حرية الرأى» مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون ، والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى والاجتماعى.

كما تقضى المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى أصدرته الأمم المتحدة فى العاشر من ديسمبر 1948، بأن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأى والتعبير ويشمل ذلك حريته فى اعتناق الآراء دون مضايقة ومن حقه التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودون اعتبار للحدود . وتقضى المادة 29 من ذات الإعلان بأنه «لايخضع أى فرد فى ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التى يقررها القانون بهدف ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها ، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام فى مجتمع متحضر ديمقراطى، ولايجوز فى أى حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها» وبإنزال حكم هذا النص على ممارسة الحق فى حرية التعبير ، يتضح أن تلك الحرية غير مطلقة من أى قيد وإنما يتعين وبصفة أساسية عند ممارستها مراعاة حقوق الآخرين واحترامها.

ثالثا تقضى المادة 19 والمادة 20 من التعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة عام 1966 «بأن لكل إنسان حق فى حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته فى التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون اعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب أو مسطبوع أو قى قالب فنى أو بأية وسيلة أخرى يختارها»، وتستتبع ممارسة الحق فى التعبير واجبات ومسئوليات خاصة يجوز إخضاعها لبعض القيود ، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم ، ولحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الآداب العامة والصحة .

يتضح مما سبق أن الحق فى حرية التعبير هو من الحقوق الأساسية التى كفلتها الوثائق القانونية ، غير أنه من الواضح أن ممارسة ذلك الحق غير مطلقة من القيود وإنما مثلها فى ذلك مثل غيرها من الحقوق والحريات الإنسانية - مقيدة باحترام حقوق وحريات الآخرين.

وعلى ذلك تكون الألفاظ المسيئة والأوصاف المهينة التى قد تصدر من شخص ضد آخر أو آخرين ، تمثل خروجاً على الإطار القانونى للحق فى حرية التعبير وأن التستر وراء حرية التعبير أخذ بمفهوم مطلق للحرية ، الأمر الذى يتعارض مع صراحة المبادىء القانونية التى استقرت عليها كافة النظم القانونية بما فيها النظام الدولى ، من أن الحق والحرية مقيدان بحقوق وحريات الآخرين وبما تتطلبه المصلحة والنظام العام .

أما بخصوص الحصانة البرلمانية فهى نوع من الحماية القانونية التى يعطيها الدستور لنواب الشعب فى البرلمان حتى يستطيع النائب أن يؤدى وظيفته الدستورية كاملة بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية سواء بالترغيب أو الترهيب لأعضاء البرلمان، وأساس الحصانة البرلمانية لعضو البرلمان تعد من مقتضيات الوظيفة البرلمانية وأساسها التشريع والرقابة .

خلاصة القول: إنه إذا كان الشخص العادى مقيدا فى ممارسته للحق فى حرية التعبير باحترام القانون ومراعاة حقوق الآخرين وعدم المساس بهم أو إهانتهم ، فإن على النائب عضو البرلمان - من باب أولى - أن يلتزم فى ممارساته البرلمانية وحقه فى حرية الرأى والتعبير خلال أدائه لدوره الرقابى والتشريعى بحدود هذه الممارسة، حتى يكون له حق التمتع بغطاء الحصانة البرلمانية ، وأن يعى جيدا أن هذه الحصانة هى استثناء على الأصل العام ، القائم على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين فى المجتمع .

المصدر: مجلة حواء- صلاح طه
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 614 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,732,613

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز