الاختلاف بينى وبينك

كتب :محمد الحمامصي

ليست القضية أنك على خطأ وأنا على صواب أو العكس، لكن القضية هي ما تسند إليه من مرجعية ترتبط بالجذور التكوينية للنشأة التي شكلتك، وجعلت بينك وبيني فارق مذهلا في التفكير والتفاعل والتواصل والتقييم والقدرة على الرؤية.

الخطأ وارد والاختلاف وارد والمعارضة واردة، لكن الذي يحكم طبيعة هذا الخطأ وهذا الاختلاف وهذه المعارضة ويحدد ما إذا كانت صادرة عن قصور في الرؤية وانغلاق في التفكير، هو طبيعة التكوين الثقافي والإنساني لك ولي، وأيضا البيئة والمحيط اللذان نشأت فيهما أنت ونشأت فيهما أنا، فلا يمكن أن يتساوى من نشأ وتربى وكبر وتكوّن عقله وقلبه على أفكار بغض الآخر والانغلاق والتشدد والعنف والكراهية والحقد، وأحيط بتحريم الموسيقى والفن والآداب والجمال، مع من نشأ وتربى وكبر وتكوّن عقله وقلبه على أفكار الحرية والعطاء والجمال والحب والإبداع وتقبل الآخر وترقرقت ذائقته بسماع الموسيقى وتذوق الفن بمختلف أشكاله وتفتح وجدانه على قراءة الآداب شعرا وقصة ورواية ومسرحية.

حتما لن نجتمع على رأي، ولن نتوافق على قضية، ذلك أن ما تربيت عليه من انغلاق لن يسمح لك بتقبل الرأي الآخر أو التوافق معه، كما أنك خطواتك تفتح على الماضي وخطواتي تفتح على المستقبل.

هذا هو الفارق الذي يخلخل مصر الآن، ويدعوها للانقسام والتشرذم، ويدفع بها إلى حافة الحرب الأهلية، فريق يتطلع للمستقبل بأفق مفتوح ووعي ناضج بحثا عن أدوات وآليات الرقي والنهضة والتنمية والتقدم، وفريق يتطلع إلى الماضي بحثا عن مقامع من حديد وقيود يكبل بها نفسه وغيره، ولا لقاء بين الفريقين كون الفريق الثاني لم يعتد على الحرية والانطلاق.

وربما يذكر أغلبنا فيلم »سوق المتعة« بطولة محمود عبد العزيز وإلهام شاهين والذي يكشف إذلال النفس البشرية لنفسها ووصولها إلى انتهاك إنسانيتها، حيث تدور قصته حول خروج أحمد من السجن عقب انتهاء فترة عقوبته التي قضاها ظلما لجرم لم يفعله، يخرج من السجن ليحصل عما يعوضه عن تلك الفترة والتي حرم فيها من حريته إلا أنه أحب سجنه وسجانيه والعذاب الذي لاقه خلف قضبان السجن، لقد اعتاد أن يكون مذلولا مهانا، ولم تنفعه الحرية وكل الأموال التي يملكها في الخروج من تلك الحالة التي سيطرت عليه فقام بشراء مكان منعزل ليجعله كالسجن وقام بجمع زملائه المساجين وطلب من مأمور السجن الذي أحيل على المعاش أن يتولى إدارة ذلك المكان المنعزل الذي قرر أن يعيش فيه ليؤكد أن المريض بداء الذل والمهانة والظلمة وكرهية الحرية يصعب عليه أن يعيش حرا كريما، إنه يستلذ العبودية والعذاب والإهانة والمذلة.

أن تنمو في الضوء خير من أن تنمو في الظلام، في الضوء تتشكل ملامحك وفي الظلام تنمحي، لذا نحن بحاجة ماسة إلى ثورة تعليمية تطيح بكل ما من شأنه النظر للخلف واستدعائه لتكبيل وتقييد وإطفاء أنوار المستقبل، في حاجة ماسة إلى ثورة في الخطاب الديني يطيح بخطابات التكفير وإحلال الدم والتشدد والتطرف والعنف والعنصرية، في حاجة إلى ثورة إعلامية تطيح بآليات النفاق والرياء وتنتصر للحق والعدل وتعلي قيم الحرية والرقي والعلم والتسامح والجمال والحب.

إن الهوية الحضارية والثقافية للمصريين لم تبن إلا على التنوير والاستنارة ولم تكن يوما على مدار تاريخها تقوم على التظليم والظلمة، وإلا لما قدمت للإنسانية جمعاء أعظم ما قدمته حضارة وثقافة إنسانية منذ فجر التاريخ

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 558 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,704,243

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز