كتبت -امل مبروك
المتحضرون يعرفون أنهم يمكن أن يختلفوا على بعض الأمور وأن يتفقوا على أمور أخرى، وأن هذه الحياة التى نعيشها لا تعرف القطعية ولا التعميم، وإنما تعرف أن كل شىء نسبى.. وبالتالى يتعلمون كيفية التحاور البناء عندما يختلفون معا، ماذا عنا نحن فى مصر ؟ الإجابة ليست غامضة ولا صعبة لأننا أبعد مانكون عن ثقافة الحوار .. فنحن طوال الوقت نتشاجر ونتقاذف الاتهامات ونتطاول على بعضنا البعض دونما أى اعتبار لفروق عمرية أو ثقافية أو حياتية أو شخصية.. ودونما مراعاة لاحترام حرية التفكير والتعبير عن الرأى .
ولكى نعرف ثقافة الحوار يجب أن نتعلم أولا كيف نستمع لبعضنا البعض، لأن الكل حاليا يريد أن يتكلم فى نفس الوقت ولا أحد يستمع.. لابد أن نجيد فن الاستماع واستيعاب ما نستمع إليه، ثم نبدأ فى الرد عليه، على افتراض أننا نجلس فى مجموعة لها لدينا قدر من الاحترام الحوار، هنا سيكون الحوار مجدياً، وسنصل منه إلى نتائج معينة، قد نتقبل بعضها وقد نرفض بعضها الآخر، ولكننا فى الحالين نبنى رأينا على أساس من الفهم والإقناع.
يعنى إيه كلمة حوار؟
ثقافة الحوار بهذا المعنى هى من الأمور الجوهرية، التى تتعلمها الشعوب فى مدرسة الديمقراطية، وإذا كانت كلمة "حوار" تتردد كثيراً على مسامعنا هذه الأيام حتى كادت عبارات مثل "ضرورة الحوار"، "تفعيل الحوار"، أن تتحول إلى كليشيهات جامدة، فهذا لأننا لا نتوقف عند هذه الكلمة لنفهمها حق فهمها، مما قد يترتب عليه إساءة فهم هذا المصطلح، وإساءة فهم المصطلح قد تكون أسوأ من الجهل به، حيث يعتقد البعض أن الحوار يقتصر على الجلوس مع الآخر، أو تبادل الآراء معه من أجل إقناعه بوجهة نظره فقط، وفرضها عليه بأي شكل.. ويكون الهدف في هذه الحالة هو قتل الحوار بضم رأي الآخر لنا كصوت أحادي لا نسمع إلا هو، ولا نفكر في غيره، وكأنما هو حقيقة مطلقة ضل طريقها الآخرون، وبالتالى عندما يتقابل أصحاب الآراء المسبقة والحقائق المطلقة يكون الحوار أشبه بحوار الديكة أو حوار الطرشان. وقد قدمت لنا بعض قنواتنا الفضائية أمثلة حية على هذا النوع من الحوار فيما يسمى تجاوزاً بالبرامج الحوارية بينما هي في الحقيقة برامج أقرب للشجار منها للحوار.
أما المعنى الآخر للحوار، وهو الأسوأ لهذه الكلمة، فهو أن يمنح الفرد رأيا ما أوفكرة بعينها منزلة العقيدة المقدسة المطلقة أو السنة الكونية، مع استثناء عقيدتنا الدينية التي نعبد بها الله ونوحده.
الاختلاف هو الأساس
الحوار الحقيقي يتطلب أن يترك الفرد مساحة لو ضئيلة في تفكيره لإمكانية أن يكون رأيه غير صحيح، ورأي الآخر هو الصحيح، ويحدث أحيانا أن يمتلك كل طرف من أطراف الحوار جزءا من الحقيقة يكملها الآخر، أو تكون هناك فجوات في الفهم يساعد الحوار في ملئها والتغلب عليها، هذه المساحة تشكل في عقل المحاور نافذة صغيرة يطل منها على آراء الآخرين ليحترمها ويحترم اختلافها معه.
الحوار يتطلب إدراك أن الاختلاف هو الأساس وأن البشر شعوباً وقبائل مختلفون ليس فقط في أعراقهم وإنما في تفكيرهم ومعتقداتهم، وأنه بدون الاختلاف لا نستطيع إدراك ماهية الأشياء، فاللون الأسود يدرك فقط بوجود الأبيض، والحوار هو أيضاً أساس وعي الفرد بذاته، فأهم حدثين في حياة الفرد: ولادته وموته، يشاهده فيهما الآخرون فقط أما هو فلا يراهما ولا يعيهما، والفرد يقيم ذاته من نظرة الآخرين حوله له، لأنه في نهاية المطاف لا يرى نفسه، وإنما يرى انعكاسها في وجوه الآخرين.
ورغم أننا نعيش في مجتمعات واحدة إلا أن تجاربنا مختلفة، فالاختلاف هو الأساس والحوار لا يفترض تجاوز الاختلاف، كما يعتقد البعض، وإنما يفترض إدراك هذا الاختلاف والتسليم به، لأن الاختلاف مع الحوار قوة، أما الاختلاف مع الغوغائية فهو انقسام وضعف، وحروب وويلات، ولذلك فالمجتمعات الغربية التي عانت من ويلات الحروب تشجع التعددية وتصر عليها في كل شيء: في التعليم، في الأنظمة، في الحقوق لأنهم لا يريدون أن تتحول علاقاتهم إلي حروب، ولا يريدون أن تستغل مساحات الحرية التي تكفلها دساتيرهم إلى مساحات للعنف.. في هذه المجتمعات الحوارية يترك مجال للاختلاف ليطفو على السطح ولا يتحول لاحتقان من أي نوع.
أما في عالمنا العربي والإسلامي فنحن نسير في اتجاه واحد ونحاول أن نجعل الناس ينظرون للحياة بعين واحدة فقط فيتسلط القوي على الضعيف، ويبقى العنف والاحتقان من سمات حياتنا البارزة.
وهكذا فإن المتحضرين يعرفون كيف يختلفون ولكن المختلفين يعرفون كيف يتشاجرون.. فإلى متى نظل نتشاجر ؟!
ساحة النقاش