محمد الحمامصي 

هذا عهد الإسلاميين من تنظيمات وجماعات الإسلام السياسي سواء كانوا سنة أو شيعة، لا يحفظون جميلا ولا يراعون المواقف الشجاعة والمضحية للمؤيدين والمدافعين والمتحالفين معهم وقت أزماتهم أو وقت أن يحتاج الوطن وحدة الصف في مواجهة ديكتاتورية النظام، حدث ذلك مرات عديدة في مختلف البلاد العربية والإسلامية، فقد وقف اليساريون  واللبراليون والشيوعيون وحتى الملحدين مثلا دفاعا عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر في أزماتهم مع النظام الملكي ثم النظام الجمهوري وأخيرا في ثورة 25 يناير، وفي كل تلك المواقف سرعان ما يكشفون عن خستهم متخلين عن رفاقهم، وربما الحديث الأقرب هو ما جري في ثورة 25 يناير، حيث سرعان ما ذهب الإخوان إلى أحضان نظام مبارك ليجلسوا ويتحالفوا معهم  ضد الثورة حتى إذا استولوا على الحكم بدأوا في الانقضاض على الثوار سجنا وقتلا، وهو ما حدث مع إسلامي إيران في ثورة 1979 فقد وقف المناضلون الإصلاحيون واليساريون واللبراليون والشيعويون الذين كافحوا حكم الشاه لسنوات طويلة جنبا إلى جنب الإسلاميين من أنصار الملالي وآيات الله، حتى تمت الإطاحة بالشاه ونظامه، وما أن تمكنوا من الحكم  حتى بدأوا في قتل وسجن حلفاء الأمس.

الفيلم الوثائقي "ثورتي المسروقة" للمخرجة الإيرانية ناهيد بيرسون سارفستاني الذي منحته لجنة مسابقة الأفلام الوثائقية بمهرجان أبوظبي السينمائي الدورة السابعة تنويها خاصا، يكشف حجم المأساة التي طالت هؤلاء المناضلون من الإصلاحيين واليساريين واللبراليين عقب وصول الإسلاميين للحكم والذين رفضوا تحول إيران إلى جمهورية إسلامية يحكمها آيات الله والملالي. لقد نقض الخميني وأنصاره ما عاهدوا عليه شركاؤهم وحلفائهم ي النضال من اليساريين واللبراليين ضد حكم الشاه، ليبدأ تعزيز سلطته بقمع وتطهير زعماء أطياف المعارضة اليسارية الإيرانية للسلطة الدينية.

يركز الفيلم على على تلك الفترة 1979 ـ 1980 من خلال خمس ناشطات اعتقلهم نظام الخميني ومكثن قيد الاعتقال ما بين 6- 10 سنوات في السجن. وتعرضن للتعذيب الجسدي والمعنوي، وتعرضت واحدة منهم للاغتصاب. كانت جرائمهم سياسية بسيطة مثل توزيع النشرات المناهضة لأسلمة الدولة.

مخرجة الفيلم ناهد بيرسون وإحدى بطلاته اللاتي أصابتهن كارثة الحكم الإسلامي للخميني، كانت عضوا ناشطا في الحزب الشيوعي المناهض للشاه قبل الثورة الاسلامية عام 1979، وتحولت إلى مناهضة للحكم الإسلامي فلم تكن قد بلغت العشرين عاما حين خرجت لمناهضة إسلامية الدولة، وطاردتها قوات الخميني لكنها كانت قادرة على الهروب من الإجراءات الصارمة الواقعة على المعارضين، وقامت باللجوء إلى السويد، ولكن لم يحالف الحظ شقيقها فى الهروب مثلها وألقى القبض عليه في حملة كانت تقصدها وأعدم فى السجن.

منذ عام 2009 بدأت بيرسون البحث عن الناشطات الذين ألقي القبض عليهم في مظاهرات 1979 المناهضة لإقامة دولة إسلامية وتعرضوا في سجون الخميني للاعتقال والتعذيب والاغتصاب، فكان أن وصلت بعد طول بحث ومعاناة إلى خمسة منهن توزعن على النرويج والسويد وأمريكا وألمانيا، وبريطانيا، التقتهم فرادى ثم جمعتهم معا، لتروي كل واحدة ذلك التاريخ وسط دموعها التي تتساقط من آلام تلك الفترة العصيبة في المعتقلات، ويتقاسمن الذكريات المروعة للتعذيب الجسدي والنفسي.

وقد شكلت بعضهن تلك الذكريات فنيا عبر لوحات تشكيلية أو أعمال نحت "صلصال" لنرى تلك المشاهد التي لم تصور داخل السجن، حيث تتكدس النساء في زنازين متجاورة أشبه بأقفاص حديدية في ممرات ضيقة، وقد حفظت إحداهن الحجاب والعصابة التي كانت النساء تجبرن على ارتدائها في السجن. وأشارت هذه إلى كيف أجبرت على ارتداء العصابة باستمرار حتى انها لن تكن تعرف عندما كانت على وشك أن تعرض للضرب، وأخرى استخدمت المواد التي كانت متاحة داخل السجن لرسم عمليات الضرب والتعذيب والانتهاك، وأخرى شكلت من الصلصال منحوتات مصغرة للسجن والسجناء.

على أية حال فنحن أمام فيلم يفضح ويعري الرداء الديني الذي يرتديه نظام آيات الله والملالي ويدين ما يرتكبه ولا يزال يرتكبه من جرائم لا إنسانية بحق أبناء الشعب الإيراني، كما يؤكد أن لا عهد لهؤلاء، ونظرة لما يجري الآن على الساحة العربية يؤكد ذلك فجماعات وتنظيمات الإسلام السياسي تقتل أبناء أوطانها وتسعى لتخريبها وإلا ما الذي قدمته الجمهورية الإسلامية بعد ما يزيد عن 30 عاما، إنها لم تقدم إلا السجون والاغتصاب والقتل والانتهاك والجوع والفقر والجهل والذكريات المريرة.   

المصدر: مجله حواء -مجرد رويه
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 567 مشاهدة
نشرت فى 23 نوفمبر 2013 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,800,972

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز