لم تكن ثورة 1919 اعترضا على نفي الاحتلال الإنجليز للزعيم سعد زغلول فقط بل كانت بمثابة الشرارة الأولى لحصول المرأة على حريتها والمطالبة بحقوقها، فبعد سنوات من الاختباء وراء "برقع وعباءة سوداوين" ومكوثها في المنزل وعيشها في كنف الرجل خرجت لأول مرة تشاركه المظاهرات مرددة "سعد سعد يحيا سعد"..

قرن من الزمان على الثورة، وسنوات حفلت بنضال المرأة من أجل التحرر ولا يزال الكفاح مستمرا..

كان قرار الاحتلال البريطانى بنفي أربعة من قادة الوفد المصرى الذى طالب المندوب السامى البريطانى بتحرير وطنهم بداية لاندلاع الثورة، وقد تصدرت هدى شعراوى زوجة على شعراوى باشا المظاهرات التى لم يشهد التاريخ المصرى لها مثيلا من قبل، وكانت تقود المظاهرة الأولى التى لم تقل شجاعة أو وطنية عن زوجها ورفاقه، ومضت مسيرة النساء إلى أن تصدى لها الإنجليز، لكنها لم تخف من البنادق بل ظلت تتقدم حتى واجهت جنديا إنجليزيا صوب بندقيته نحو صدرها قائلة بصوت عال لإحدى زميلاتها التى حاولت منعها من التقدم "دعينى أتقدم ليكون لمصر اليوم مس كافيل" فما كاد الجندى يسمع هذا الاسم حتى خجل ونهض متقهقرا على الفور.

وكانت مظاهرة هدى شعراوى الأولى التى سرعان ما لحقتها غيرها من مظاهرات النساء التى انتقلت من الطبقة الأرستقراطية إلى شرائح الطبقة الوسطى، ومنها إلى نساء الطبقة العاملة التى سقط من بينهن أول شهيدتين هما حميدة خليل التى قادت مظاهرة نسائية من حى الجمالية منددة بالاحتلال البريطاني مطالبة بعودة الزعيم المنفي سعد زغلول، لتتلقى رصاصة في صدرها أمام مسجد الإمام الحسين في 16 مارس.

أما شفيقة محمد، ثانى الشهيدات فقد كانت ضمن المشاركات في مظاهرة نسائية إلى مقر المعتمد البريطاني آنذاك "ملن سيتهام"، ورغم محاصرتهن من الإنجليز وإجبارهن على الابتعاد إلا أنها لم تهدأ بل اندفعت حاملة العلم المصري في إحدى يديها وبيان الاحتجاج في الأخرى، لكن سرعان ما أصيبت برصاصات في صدرها وبطنها أنهت حياتها، وبخلاف شفيقة وحميدة سقطت العديد من الشهيدات منهن فهيمة رياض، وعائشة عمر، وسيدة حسن إلى جانب أخريات مجهولات سطرن أسماءهن بأحرفن من نور في تاريخ النضال النسوى، ليتحول معهن شهر مارس إلى تاريخ يحتفل خلاله المصريون بيوم المرأة المصرية تخليدا لذكرى شهيدات الوطن.

مناضلات

إلى جانب هدى شعراوى برزت عدد من الشخصيات التى كان لهن دور كبير في نجاح الثورة وبداية مسيرة التحرر النسوى أمثال صفية زغلول التى أشعلت حماس المصريات للمشاركة في المسيرات، ولعملها الوطنى المستمر لقبت بأم المصريين، وفي وقت لاحق من الثورة حفزت النساء على المطالبة بتعليم المرأة حتى مرحلة الجامعة والسماح لها بالانخراط في العمل السياسي وتكوين الأحزاب، والإسهام في دفع عملية التنمية والإصلاح.

كما تعد سيزا نبراوي من رائدات الحركة النسائية اللائى شاركن في تنظيم وقيادة أول مظاهرة نسائية ضد سلطات الاحتلال الإنجليزي، هاتفة لثورة 1919 وحياة سعد زغلول مترحمة على أرواح الشهداء.

بداية الحركة النسائية

لم يكن مارس 1919 تاريخا لمشاركة المرأة في الثورة ضد الاحتلال فحسب بل كان بداية للحراك النسائى واقتحام المرأة معترك الحياة العامة والتمرد على نظرة المجتمع لها، حيث ظهرت الدعوات لاستكمال الفتيات تعليمهن الجامعى، ثم الانخراط في الحياة العملية، وحق المرأة في التصويت.

كما كان شهر مارس شاهدا على تأسيس الاتحاد النسائي عام1923 قبل انعقاد أول مؤتمر دولي نسائي في روما، وقد تم وضع حجر أساسه في أول أبريل سنة 1931 والذى تغير اسمه إلى جمعية هدي شعراوي عام 1966 بأمر من جمال عبد الناصر.

وفي عام 1951 خرجت مظاهرة نسائية بقيادة درية شفيق قوامها 1500 امرأة لتقتحم مقر مجلس النواب للفت النظر إلى قضايا المرأة بجدية، ونجحت هذه المظاهرة في تعديل الدستور لينص على مادة تعطى المرأة الحق في الترشح للانتخابات وهو دستور 1956 ليسجل التاريخ دخول أول امرأة البرلمان المصرى عام 1957 وهى راوية عطية.

كفاح واستحقاقات

لم ينطفئ مشعل نضال المرأة المصرية بعد رحيل الرائدات بل حمل الراية عدد من النساء استطعن استكمال ما بدأنه نساء ثورة 1919 وإضافة العديد من النجاحات لمسيرة المرأة وكان من أبرزها قانون العمل الذى ساوى بينها والرجل في الحقوق والواجبات وأقر لأول مرة إجازة الوضع ورعاية الطفل، ومع نبوغ عدد من الفتيات في التعليم اقتحمت المرأة هيئات التدريس الجامعى والحياة السياسية، وعام تلو الآخر حدث تغير جذرى في نظرة المجتمع للمرأة لتصبح شريكا فاعلا في المجتمع.

يبدو أن جينات المرأة المناضلة تنتقل من جيل لآخر وهو ما ظهر جليا في الأحداث السياسية الأخيرة التى شهدتها مصر، والتى ضربت خلالها المرأة المصرية أروع الأمثلة في حب الانتماء والمواطنة لتلفت أنظار القيادة السياسية التى آمنت بقدراتها على تحمل المسئولية لتعيش عصرها الذهبى ويسجل التاريخ حصولها على أعلى نسبة تمثيل في العمل النيابي وتوليها 8 حقائب وزارية إلى جانب تقلدها عدد من المناصب والمراكز القيادية التى ظلت لسنوات حكرا على الرجال، كحصاد لنضالها على مر التاريخ .

المصدر: كتب : محمد الشريف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1558 مشاهدة
نشرت فى 14 مارس 2019 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,833,875

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز