المسحراتى والفانوس ومدفع الإفطار وموائد الرحمن كلها مكونات ارتبطت فى أذهان المصريين بشهر رمضان، فالأكلات التى تحرص الأمهات على إعدادها والمشروبات التى لا تكتمل مائدة الإفطار إلا بها، والفوانيس فى أيادى الأطفال تضيء الشوارع، وموائد الرحمن وما تحمله من معانى التكافل والتراحم بينهم، والياميش الذى ينذر ظهوره أمام محال العطارة والبقالين بقرب قدوم هذا الضيف العزيز، وغيرها من الطقوس التى يحرص الشعب المصرى على التمسك بها والتى تضفى روحانيات على أيام هذا الشهر ولياليه، كلها لها ذكرى وقصة، لذا دعونا نتعرف على حكاية كل منها عبر صفحات هذا الباب على مدار شهر رمضان..

بذر البذور

تعنى كلمة كحك في اللغة الخبز المصنوع من الدقيق والسكر والسمن، وتعود أصل الكلمة إلى “عك” ومعناها يعجن، وترجع صناعة الكعك إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد، ففي مقبرة "طيبة" وُجدت رسومات هيروغليفية تدل على صناعة الفراعنة لأشكال عديدة منه احتفالًا بيوم تعامد الشمس في مقبرة خوفو.

وارتبط الكحك بموسم بذر البذور عند القدماء المصريين، إذ كان يصنع من الدقيق والسمن مع وضع كميات من العسل على شكل قرص وفي الوسط علامة حتب، وكان بعض القدماء يشكلون الكحك على هيئة أشكال هندسية أو زهور، وكانوا يحشونه بالتمر المجفف "عجوة".

ولم يقتصر الأمر في إعداد قدماء المصريين للكحك على الأعياد فقط، بل كان هناك نوع مخصص لزيارة المقابر ويطلق عليه حاليًا "الرحمة أو الفتوت"، وقد اعتادت زوجات الملوك تقديمه للكهنة القائمة على حراسة هرم خوفو، وتفنن الخبازون في تصنيعه بأشكال متنوعة مثل المخروطي واللولبي والمستطيل والمستدير، وكان الكحك فى تلك الفترة يسمى بالقرص، حيث كان يشكل الكعك على هيئة أقراص تميمة الإلهة "ست" كما وردت فى أسطورة إيزيس وأوزوريس، وهى من التمائم السحرية التى تفتح للميت أبواب الجنة.

دار الفطرة

استمرت هذه الثقافة بعد دخول الإسلام مصر، وصار طبق كحك العيد جزءا ﻻ يتجزأ من مراسم وطقوس اﻻحتفال بهذه المناسبة السعيدة التي تبدأ عادة بصلاة العيد ثم كعك العيد، ففي عهد الدولة الطولونية صنع في قوالب خاصة مكتوب عليها "كل واشكر”، وأصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر خلال تلك الفترة، وفى عهد الدولة الإخشيدية صنع أبو بكر محمد بن علي المادراني، وزير الدولة آنذاك، صنع كحكا فى أحد الأعياد ووضع داخله دنانير ذهبية وأطلق عليه "كحكة أنطونلة"، أما في عهد الدولة الفاطمية فقد اهتموا بالأعياد الإسلامية وشهر رمضان وخصص ميزانية سنوية لصناعة الكحك وصلت إلى 22 ألف دينار، كما أنشأ الخليفة المعز لدين الله الفاطمي أول دار لصناعة الكحك وكانت تسمى "دار الفطرة "،ويبدأ العمل فيها منذ منتصف شهر رجب إلى نهاية شهر رمضان، وكان الخليفة المعز لدين الله الفاطمى يقوم بنفسه بتوزيعه على رجاله وأفراد الشعب في سرادق كبير يقام بقصر الخليفة، وفى عهد الدولة الأيوبية حاول القائد صلاح الدين الأيوبي القضاء على عادة صناعة كعك العيد في محاولة منه للقضاء على جميع العادات الفاطمية، لكنه فشل في ذلك وظلت صناعة الكعك أبرز سمات الأعياد في مصر.

"البيتى فور" حرارة الفرن

أحد أطباق الحلوى التى اشتهر تقديمها فى الأعياد والمناسبات السعيدة خاصة فى عيد الفطر لتجاور أطباق الكحك فى البيوت المصرية، وهو فى الأصل  حلوى فرنسية صنعت لأول مرة بطريقة تقليدية بالقرن الثامن عشر أثناء عملية تبريد الأفران المصنوعة من الطوب بعد استخدامها، وبعد أن تناوله المعدون له وجدوا مذاقه طيبا رغم أنه مجرد بواقى عجين وضعت فى الفرن حتى لا تهدر حرارته.

الغريبة

هى نوع من البسكويت يصنع من عدة أصناف من اللوز والفستق وجوز الهند، ولها عدة أشكال في المطابخ العالمية وكانت تقدم في أعياد الميلاد، وقد انتشرت في السنوات الأخيرة في العديد من الدول العربية خاصة في الأعياد.

العيدية و"الطبلية"

تعد "العيدية" واحدة من أهم طقوس وعادات الاحتفال بالعيد فى مصر وأكثرها انتشارا ورسوخا، ومن عادات وتقاليد العيدية أنها تختلف فى القيمة حسب السن، وكثيرا ما يحصل الصغار على العيدية من الأبوين والجدين والأعمام والعمّات والأخوال والخالات، ومن المعتاد أن تكون نقود العيدية جديدة وزاهية.

أما عن "الطبلية" أو مائدة الطعام فتحرص الكثير من البيوت على تجهيز مائدة تختلف كثيرًا عن موائد الأيام العادية، يكون ضيفها الأساسي هو سمك البوري المملح “الفسيخ”، وأيضا الرنجة المدخنة، والسردين المملح والبصل.