طالعت كثيرا ما تفاجئنا به الإحصائيات والدراسات التى تصدر ما بين الحين والآخر عن المراكز البحثية المتخصصة وغيرها من الجهات المعنية حول معدلات الطلاق بمصر، وبخاصة ما يتعلق منها بارتفاع هذه المعدلات بصورة لافتة للنظر، بل وتدل بما لا يقبل أدنى شك أننا نعيش أزمة حقيقية خلال السنوات الأخيرة فيما يتعلق بهذه المشكلة التى أراها مشكلة حقيقية بل وجديدة على المجتمع المصرى، فصحيح أننا عايشنا على مدى عدة سنوات ماضية ما كانت المرأة المصرية والأسرة ككل تعانيه من جراء قوانين الأحوال الشخصية، والتى بذلت العديد من الجهات الحكومية والأهلية جهدا ملحوظا فى إطار إعادة النظر فيها حتى الآن، ولكن المشكلة قد باتت مختلفة حيث أصبحت مشكلة تهدد كيان المجتمع ككل، فقد أصبح مجتمع ترتفع فيه معدلات التمزق والفرقة والألم من جراء الطلاق أكثر من معدلات الاستقرار المنشودة والتى نتطلع إليها جميعا حتى نجد غدا الأجيال التى تشارك فى بناء مستقبل الوطن بل وتكمل ما بدأ فعليا فى هذه المرحلة من البناء والتشييد للعديد من المشروعات القومية العملاقة التى تحتاج إلى أيد تبنى وتتحمل المسئولية، فى حين أن الطلاق لا يجعلنا نجد سوى أيد مهزومة تحتاج إلى من يساعدها، أيد آلمتها وأوجعتها المشكلات وآلام الفرقة بين أب وأم لم يفكرا فى حمايتها ودعمها بقدر ما دفعتهما ظروف ما إلى الانفصال دون النظر لعواقب هذا فيما بعد سواء بالنسبة لهما أو لأبنائهما! ودعونا نحلل منذ البداية لماذا ارتفعت معدلات الطلاق؟ ولماذا باتت هذه المشكلة قنبلة موقوتة تهدد المجتمع ككل؟ الأمر فى رأيى يعود للبداية وقبل الزواج نفسه، فلاشك أن البعض منا يتزوج لأسباب قد تكون سببا للطلاق دون أن يدرك، فبعضنا يتزوج حتى يفر من نظرة المجتمع له إذا ظل وحيدا، والبعض الآخر وبخاصة الفتيات يخشين من حمل لقب العنوسة الذى لا أساس له من الصحة، والبعض يسارع بدافع أن الجميع يفعل ذلك أو برغبة فى الإنجاب أو تحت ضغط متزايد من الأسرة، هؤلاء جميعا يتزوجون فقط ولاشك أن بعضا منهم ينفصلون بنفس سرعة الزواج، فعلينا ونحن نخطو أولى خطوات حياتنا أن نضع الاختيار للطرف الآخر نصب عينينا، علينا أن نختار من يكملنا، من يضفى السعادة على حياتنا، من نشعر أننا لا نستطيع الحياة بدونه، نختار من يتناسب معنا اجتماعيا وثقافيا وعلميا وأيضا اقتصاديا، علينا ألا نتسرع ونتزوج من أجل الزواج فى حد ذاته، فصحيح أن هذا هدف نبيل، ولكن النوايا الطيبة لا تكفي، وعلينا ونحن نختار أن ندرك - وهذا هو دور الأم والتنشئة الاجتماعية التى لابد وأن ننشئ عليها أبناءنا - أن الزواج ليس فقط مظهرا اجتماعيا أو خطوة قررنا أن نخطوها أسوة بالآخرين، الزواج تضحية وتحمل ومشاركة ودعم فهو ليس فقط بسعادة دائمة ولا تعاسة وعذاب دائم، هو ببساطة مسئولية مشتركة ورغبة فى الاستمرار والنجاح من أجل حياة مستقرة وآمنة لنا ولأبنائنا وللمجتمع ككل، وإذا كانت بداية الاختيار والفهم الصحيح لمفهوم الزواج تأتى من التنشئة الاجتماعية والإعداد الجيد لأبنائنا، فهناك أدوار أخرى لابد وأن نلعبها جميعا كأفراد ومؤسسات حتى نواجه هذا الشبح، وهذه القنبلة الموقوتة، فهناك المناهج التعليمية وما يجب أن تتضمنه من شرح واف لهذا بل وتقديم إيجابى لصورة الزواج وأهميته بل والتأثيرات السلبية العديدة للطلاق، وهناك الإعلام والدراما وما يقدم على الشاشات المختلفة فى هذا الإطار والذى ينبغى وأن يحمل للأجيال الجديدة نفس المعنى والمفهوم، وهناك دورنا نحن كأفراد وجهات فيما يتعلق بتقديم وتوعية الأجيال الجديدة بهذه المفاهيم فعلينا أن نهتم بالدورات التوعوية للشباب والمقبلين على الزواج، والتى تعنى بنقل مفهوم الزواج والاختيار الصحيح ودورنا فى استمرار هذه المنظومة، وما علينا من واجبات قبل الحقوق لنجاحها، بهذا نكون قد نجحنا جميعا فى مواجهة شبح الطلاق قبل أن يدمر حياتنا.. ودعونا نبدأ من الآن ويقوم كل منا بدوره حفاظا على أنفسنا وأولادنا بل ومصلحة وطننا.
ساحة النقاش