كتبت: شيماء أبو النصر
تمثل قضايا النفقة أحد أكثر المشكلات القانونية والحياتية التى تواجه المطلقات فى مصر خاصة عندما تنتهى الحياة الزوجية بالرغبة فى الانتقام وإشعال الحرب بين الرجل والمرأة، والتى تشهد تعدد المعارك حول الرؤية والحق فى الحضانة والنفقة ليكون الأبناء الخاسر الأكبر فيها، ووفقاً لإحصائية أعلنها المجلس القومى للمرأة فإن نسبة دعاوى النفقة تزيد على 70% من إجمالى الدعاوى المقدمة أمام محاكم الأسرة على مستوى الجمهورية.
"500 جنية نفقة لولادى الاتنين ومرتب طليقى 8 آلاف جنيه"، هكذا بدأت علا إبراهيم حديثها عن مشكلتها مع النفقة، قائلة: قضت المحكمة لأولادى بمبلغ بسيط كنفقة لا يكفى متطلبات الحياة رغم أن مرتب زوجى كبير لأنه استطاع تقديم ما يفيد إنفاقه على والدته وأخته رغم أنهما من عائلة ميسورة الحال، ولم يتوقف الحال على ذلك ولكنه قدم استئنافا على الحكم لتخفيض المبلغ وذلك رغم قضائي شهور طويلة فى المحاكم حتى حصلت على حكم النفقة.
وعن تجربتها مع الطلاق والنفقة تقول منى أحمد: رغم اتفاقى مع طليقى على دفع مصروفات المدارس وتحديد مبلغ 2000 جنيه شهريا لإنفاقها على أولادنا الثلاثة، ورؤيتهم والخروج معهم خلال أيام الإجازات الأسبوعية إلا أنه بعد مرور 4 أشهر على الطلاق بدأ التهرب من دفع المبلغ الشهري وطالبنى بنقل الأبناء إلى مدارس أقل فى المصروفات بدعوى أنه لا يستطيع الوفاء بهذه الالتزامات، ولم يعد أمامى إلا محاولات الاستعانة بأقاربه لإقناعه بتحمل نفقات أبنائه أو طرق أبواب محكمة الأسرة للحصول على حكم نفقة ولكننى أخشى طول فترة التقاضى وضآلة المبلغ الذى سيحكم لى به فى النهاية.
ومن أمام محكمة الأسرة وقفت "منال.أ" تحكى تجربتها المريرة مع النفقة قائلة عشت مع زوجى السابق عامين ذقت فيهما كافة أنواع الإهانة منه وأسرته لأننا تزوجنا فى بيت عائلة، وحاولت التحمل كثيرا على أمل أن تتغير معاملته خاصة بعد حملى إلا أن الإهانات زادت وتكررت مع إنجاب ابنتى حتى فكرت فى الطلاق وهو الآن يرفض الانفاق على طفلته الوحيدة، كما امتنع عن سداد نفقة المتعة التى قضت بها المحكمة، وأنا الآن أعيش فى بيت أهلى الذين يتحملون نفقة ابنتى حتى صدور حكم المحكمة.
«محتاجين نفقات عادلة للأولاد تزيد بنسبة 10% سنويا" هكذا تطالب جيهان .م والتى ترى أن المطلقة تحتاج بعد الحكم لها بالنفقة أن ترفع قضية أخرى كل سنة لزيادة مبلغ النفقة خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة، مشيرة إلى أن مأساة بند النفقة لا تتوقف عند حدود النفقة الشهرية شاملة مصاريف المدارس وبدل الكسوة والعلاج، قائلة: "ليه أنا أفضل أدور على الأب عشان فى الآخر أحجز على غسالة وتلاجة أو أثاث مستعمل".
تحايل وتهرب
"بيصرف على أبوه المسن وأمه المريضة"، هذا هو السبب الذى قدمه طليق ميرفت . م للتهرب من دفع نفقة عادلة لبناته الثلاث، رغم أن أبويه لديهما معاش ولم يقم بتقديم أى مساعدة مادية لهما خلال سنوات زواجها منه والتى وصلت لـ "7 سنوات" تحملت خلالهم معاملته السيئة لها وللبنات حتى قررت الفرار من تلك الحياة إلا أنه يرفض الانفاق على بناته عقابا لها على طلب الطلاق.
تقول مروة مصطفى: تعبت من مصاريف القضايا وأتعاب المحامين وفى النهاية اتحكم لى بنفقة 250 جنيها فقط رغم أننى صرفت على القضايا آلاف الجنيهات، خاصة بعد أن قدم طليقى ما يفيد أنه لا يعمل رغم امتلاكه محل بقالة وشقة تمليك وحتى بعد الحكم امتنع عن سداد النفقة، إلا أننى أصرفها شهريا من بنك ناصر مع استئناف الحكم مرة أخرى للحصول على نفقة عادلة للانفاق على ابنتى ذات الـ 5 سنوات.
أما منال حجازى فمازالت تنتظر بعض الإنصاف قائلة: "للأسف فيه خلل كبير فى تنفيذ النفقات، خاصة فيما يتعلق بمصروفات التعليم، كل سنة نرفع دعوى جديدة رغم أن الطفل فى نفس المدرسة والأب فى نفس العمل، ليه البهدلة دى مع آباء ضربوا بمستقبل أبنائهم عرض الحائط وكل ما يهمهم هو الانتقام من الأم فقط بإذلالها بالفلوس".
وتروى أمينة محمود قصتها فى رحلة البحث عن النفقة، بأنها لم تكن تعلم أن القدر يخفى لها كل هذا القدر من الألم، حيث تزوجت برجل لم يجد فيها سوى ماكينة لسحب الأموال كل شهر، فهى تتقاضى راتبا جيدا، والأمر كان فى البداية مساعدة منها فى الانفاق على البيت خاصة بعد إنجابها ولدين توأم، لكن وصل الأمر إلى أنها أصبحت هى المصدر الرئيسى للانفاق على المنزل، حيث تقاعس زوجها عن العمل واكتفى بالجلوس فى المنزل بينما هى عليها العمل والانفاق على البيت والأولاد وعليه هو شخصيا، فانفصلا، مما دفعها إلى الدخول فى دوامة محاكم الأسرة للحصول على نفقة الصغار.
عقبات فى طريق النفقة
تعلق المحامية أشجان البخارى، على معاناة المطلقات من قضايا النفقة قائلة: وفقا لمكاتب تسوية المنازعات فإن 80 % من المطلقات تعانين مشكلات فى الحصول على حكم بالنفقة أو تحصيلها، وأبزر العقبات التى تواجه المطلقات فى رحلة الحصول على النفقة هى صعوبة إثبات دخل الزوج وعدم دقة التحريات خاصة فى حالة عمله فى القطاع الخاص بسبب تحايلهم وتقديمهم مفردات مرتبات مزيفة أو استقالة وهمية، أو فشل التحريات فى إثبات ملكيته لعقارات أو أنشطة عمل خاصة وذلك لحرمان المطلقة من حقها القانونى فى الحصول على نفقة عادلة، وكذلك فبعض الأزواج يقدم ما يثبت إنفاقه على والديه أو إقامة دعاوى صورية بذلك، ولذلك فمعظم قضايا النفقة يحكم بها بمبالغ زهيدة لا تتعدى 500 جنيه وفى أحسن الحالات لا تتجاوز الألف جنيه وهو ما لا يتناسب مع المستوى الاجتماعى والاقتصادى للمطلقة.
وتضيف: طول فترة التقاضى يضاف إلى قائمة طويلة من معاناة المطلقات فى قضايا النفقة ما يجعل عبء الإنفاق على الأبناء يقع على أسرتها أو تضطر إلى الاستدانة حتى يحكم لها، وحتى بعد صدوره يتهرب الكثير من سداد النفقة وهو ما عالجه بنك ناصر الذى يتولى دفع مبالغ النفقة وتحصيلها من الممتنع عن السداد، لافتة إلى ضرورة إصدار قانون جديد أكثر اتساقا مع مشكلات الواقع خاصة ما يتعلق بجانب النفقة التى تنقسم إلى نفقة الزوجة والمحددة بـ 3 شهور والمتعة التى تستمر لعامين، فضلا عن نفقة الصغار التى يلزم بها الزوج حتى إنهاء الأولاد تعليمهم والفتيات حتى تزويجهن أو العمل أيهما أقرب، وتتضمن نفقة الصغار الطعام والمسكن والملبس وأجر الحضانة والمدارس والعلاج، ورغم تعدد بنود الإنفاق إلا أن النفقة فى مجملها لا تغطى الاحتياجات والمتطلبات الرئيسية خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
وطالبت البخارى بأن يتم تحديد النفقة بنسبة ثابتة من دخل الزوج وألا تقل عن 20% من إجمالى الدخل الشهرى للأب فى حالة عدم إنفاقه على أحد والديه أو كليهما، مع ضمان دقة التحريات وغلق باب التلاعب بها، وتشديد عقوبة التهرب من دفع النفقة وسرعة وضع حكم النفقة، وبيان التهرب منها على البوابة الإلكترونية للحكومة لمنع حصول الممتنع عن سدادها من إنجاز أى خدمة حكومية، أو أن يصدر حكم النفقة مشمولا بشرط الحبس فى حالة عدم السداد والمنع من السفر لعلاج تهرب أصحاب الأعمال الحرة من الدفع.
عقوبة رادعة
أما فيما يتعلق بتغليظ عقوبة المتهربين من سداد النفقة فقد وافق مجلس النواب على بعض تعديلات قانون الأحوال الشخصية، وإرساله لمجلس الدولة لأخذ رأيه، وبحسب التعديلات الجديدة فإنه سيتم تغليظ العقوبة على الأزواج الممتنعين من دفع النفقة فتم رفع الغرامة من 500 جنيه إلى 5 آلاف جنيه، بينما أصبحت عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن سنة.
وعن هذا تقول النائبة سوزى ناشد: لا بد من إجراء التعديلات على قانون الأحوال الشخصية لحل أزمة تقاعس الأزواج السابقين عن دفع النفقة لأبنائهم، مع منعهم من التمتع بالخدمات الحكومية بعد أن تحولت النفقة إلى وسيلة عقاب وإذلال للمطلقة والأبناء الذين لا ذنب لهم فى فشل الحياة الزوجية بين الوالدين، ولتنهى هذه التعديلات مأساة مئات الآلاف من المطلقات الباحثات عن حقهن وحق أبنائهن فى الأموال اللازمة لتلبية متطلبات الحياة، والمطالبة بسرعة إجراءات التقاضى فى هذا الموضوع، ووضع آلية لمعرفة دخل الزوج بدقة خاصة فى حالة اشتغال الأب فى عمل حر، وفى الوقت نفسه لتفعيل صندوق تأمين الأسرة القائم على توفير أموال النفقات لتحقيق عدم الإضرار بالأبناء فى حالات تعثر الآباء، مشيرة إلى دور بنك ناصر ووزارة التضامن الاجتماعى فى توفير مبالغ النفقة لحين صدور أحكام نهائية بالنفقة.
ساحة النقاش