تحقيق:سمر عيد

قد يصاب أي شخص في هذه الحياة بكسر نتيجة لحادث أو إصابة ما فيؤلمه لأيام أو شهور،لكن ماذا عن جرح القلوب وإيذاء المشاعر؟هل يمكن مداواتها أم لا؟ لا شك أن الطلاق آفة كبرى وصدع قد لايمكن رأبه،يترك آثاره على الأبناء، ويلقى بظلالهعلى المرأة والرجل،فكيف يؤثر الطلاق وهدم البيوت على الأسرة والمجتمع؟ وهل يمكن تدارك آثاره ليعيش ضحاياه حياة طبيعة بعد حدوثه؟ وهل هناك وصفة سحرية يمكن أن تحقق التوازن النفسي والمعنوي لضحايا الطلاق؟

البداية مع مريم زهران، ربة منزل والتي تحملت مسئولية أطفالها الثلاثة بعد انفصالها عن زوجها وتهربه من الانفاق عليهم، تقول طليقيتهرب من نفقة أطفاله،ولم أجد عملا للانفاق على أولادى سوى أن أعمل عاملة نظافة في إحدى المدارس صباحا، ومربية أطفال في حضانة بعد الظهر،ورغم أن المحكمة قضت لي بسكن إلا أنني ما أزال أعاني بسبب مصروفات الأولاد وتحمل نفقات تعليمهم وكسوتهم وطعامهم،ناهيك عن أنني لم أصبح متفرغة لأبنائي لمتابعتهم دراسيا واجتماعيا.

أما ليلى أمجد، طبيبة أطفالفتعانى نظرة المجتمع السلبية للمطلقة،"أصبحت مطمعا للرجال بعد طلاقي، فالجميع يريد مصادقتي"، وما زاد من معاناتها ابتعاد صديقاتهاعنها خوفا على أزواجهم فهى على درجة كبيرة من الجمال كما أنها لم ترزق بأولاد من زيجتها الأولى ما زاد من مخاوف صديقاتها وزميلاتها بالعمل.

ويرى نور كامل،مدرس بإحدى المدارس الخاصة أن الرجل قد يتأثر بالطلاق وربما أكثر من المرأة ويقول: إذا كنت رجلا مطلقا فهذه مصيبة أما لو كنت مخلوعا فالمصيبة أعظم،فعادة لاتتزوج الفتيات من الرجل المطلق ظنا منهن أنه لايصلح للزواج،وإذا كانت زوجتك السابقة هي التي طلبت الطلاق أو قامت بخلعك فهذا يعني أن أغلبية النساء والفتيات سيرفضن الارتباط بك فيمابعد،وتتلخص قصتي أنني قد أنفقت على الزواج من فتاة كنت أحبها كل مالي تقريبا وبعد زواج استمر 3 سنوات طلبت الطلاق نظرا لأننا لم ننجب،وقد قمنا بعمل تحاليل أثبتت خلونا من أى موانع صحية لكنها أصرت على الانفصال ورفعت دعوى خلع،والآن أعانى رفض الفتيات بى بمجرد علمهن بخلع زوجتى لى.

تأخر دراسى

هذا عما يلحق بالمرأة والرجل بعد الطلاق، فماذا عن أضراره على الأبناء؟

تقول سوزان رامي، صاحبة سوبر ماركت: بعد انفصالى عن زوجى تأخر مستوى ابنتي الدراسي كثيرا ما دفعنى لاستشارة طبيب نفسي فأخبرني أن السبب هو تعلقهابأبيها الذى حرمت من رؤيته بعد الانفصال.

أما خديجة عبد الرحمن، موظفة بشركة اتصالات،فقد تسبب شجارها المستمر مع زوجها أمام ابنتها فى إصابتها بتبول لاإرادي، فيما عانى ابن سعاد إسماعيل، مدرسة بالكويت السرقة المرضية.

أسباب الطلاق

ترجع د.  منار عبد الفتاح، الخبيرة الأسرية والتربوية تزايد نسب الطلاق إلى ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدى الشباب في هذا العصر وعدم تحملهم مسئولية الحياة الزوجية واتكال كل طرف على الآخر للقيام بأعباء المنزل والأطفال إلى جانب تدخل الأهل فى المشكلات التى تنشأ بين الزوجين وعقد المقارنات مع حياة الآخرين.

وتقول: لعبت التكنولوجيا والإنترنت دورا كبيرا في تفكك الأسرة نظرا للعلاقات الكاذبة والمضللة على الشبكة العنكبوتية، كماتسببت العولمة والانفتاح التكنولوجى على العالم فى عقد مقارنات بين الحياة في أوروبا والعالم العربي،لكننىأجدأن السبب الحقيقي في فشل الكثير من العلاقات الزوجية سوء الاختيار منذ البداية، لذا أنصح بالتمسك بتقاليدنا العربية الأصيلة والترابط الأسري الشرقي الذي كان متعارفا عليه في العالم العربي منذ عقود مضت.

عدم الأمان وفقد الثقة

أما عن الآثار النفسية التى تعانيها الأسرة إثر الانفصال فتقول د. أميرة شاهين، أخصائي علم النفس الإكلينيكي وخبيرة الشئون الأسرية: تصاب الأسرة بفقدان الأمان والثقة،إلا أن درجة تأثر الأطفال والنساء من الطلاق تكون أكبر بكثير من الرجل، حيث يصاب الصغار ببعض العقد والأمراض النفسية والعضوية خاصة خلال مرحلة الطفولة حتى 13 سنة كالصداع المستمر وآلام المعدة والتبول اللاإرادي فضلا عن السرقة المرضية،ومن بين الأمراض النفسية التي تصيب الأطفال جراء الطلاق الاكتئاب والعزلة والخجل الشديد والكذب المستمر،ويتمثل علاج ذلك فىإعطاء الطفل حرية العيش مع الطرف الأقرب والأحب إليه سواء كان الأم أو الأب وعدم حرمانه من رؤية وزيارة الآخر بشكل مستمر، إلى جانب عدمتدليلهمن جانب أحد الوالدين لاجتذابهله دون الآخر.

وتتابع: أما المرأةفإن لم تكن قوية فقد تصاب بأمراض نفسية كثيرة أبرزها فقدان الثقة بالنفس وجلد الذات الذى قد يصل إلى درجة الاكتئاب والإحباط، كما تشعر عند تفضيل زوجها لامرأة أخرى بالدونية وفقد الثقة بالجنس الآخر،وعادة ماترفض المرأة الزواج مرة أخرى وتتقوقع حول نفسها أو تنشغل بتربية الأطفال غير عابئة بنفسها،وهذه النظرة السودواية للحياة قد تنعكس سلبا عليها، فيما يعد الرجل الأقل تأثرا بالانفصال نظرا لأن المجتمع لا يلزمه بمسئولية الأبناء المادية والتعليمية والاجتماعية مطلقا بعد الطلاق،كما أنه يستطيع الزواج بأخرى، إلا أن رفض بعض الفتيات الزواج بالمطلق قد يصيبه بالإحباط أحيانا لذا يلجأ إلى إخفاء الزيجة الأولى.

فاتورة الطلاق

يرى د. محمد هاني،استشاري الصحة النفسية، أن الذي يدفع فاتورة الطلاق كاملة المرأة، ويقول: تتحول المرأة بعد الطلاق إلى كائن منبوذ اجتماعيا وعاطفيا بالإضافة إلى حالة الاكتئاب والإحباط التي تصيبهاحيث يلقى المجتمع اللوم عليها ويتهمها أنها هي السبب في فشل هذه العلاقة، بل تتجنب أغلب النساء التعامل معها ظنا منهن أنها قد تستولي أو "تخطف" زوج إحداهن،فتقاطعها جميع الصديقات والقريبات والجارات المتزوجات، بالإضافة إلى أن بعض الأسر ترفض عودتها للعيش معهم خاصة إذا كان لديها أبناء ما يجعلها تتحمل وحدها الأعباء المادية للأطفال خاصة إذا امتنع والدهم عن الإنفاق عليهم بعد الطلاق، فضلا عن أنها تصبح مطمعا للكثير من الرجال الذين يرونها سهلة المنال، وأخيرا يرفض بعضالرجال الارتباط بها خاصة إذا كان لديها أبناء وهذا يعني أنها ستكمل بقية حياتها دون حب وزواج.

روشتة علاجية

تقدم د. نورا رشدي، أستاذة علم الاجتماع ووكيلة معهد الخدمة الاجتماعية السابقة روشتة علاج لضحايا الطلاق قائلة: علينا ألا نتحدث أمام الأطفال عن المشكلات التي حدثت بين الأبوين بعد الطلاق أو اصطحابهم إلى المحكمة من أجل قضية نفقة أو سكن،كما لاينبغي تدليل الأطفال لاجتذابهم لطرف دون الآخر أو حرمان الطفل من رؤية الأم أو الأب بعد الطلاق، وينبغي مصادقة أطفالنا بعد الطلاق ومشاركتهم مشاعرهم ومشاكلهم حتى يصبح الطفل سويا نفسيا واجتماعيا في المستقبل.

وتتابع: أما عن المرأةفعليها أن تقلب صفحة الماضي بعد الطلاق وألا تستسلم للضغوط الاجتماعية والنفسية التي تمارس على المطلقات اجتماعيا في مصر والعالم العربي،وعليها أن تثبت أنها امرأة ناجحة في عملها ومع أطفالها وفي أي شيء يوكل إليها،وينبغي أن تضحك وتخرج وتسافر وتمارس هوايتها كاملة وتتزين وتتجمل ولا تكترث بمن يصدر لها طاقة سلبية أيا كان، كما ينبغي أن تبحث كيف تؤمن نفسها وأطفالها ماديا،ولا مانع أن تحب وتتزوج مرة أخرى إذا وجدت الشخص المناسب فالفشل مرة لايعني أنها ستفشل في كل مرة، وأنصح الرجلألا يتخلى عن أبنائه بعد الطلاق وينساهم وإلاسيغلقون بابهم في وجهك إلى الأبد.