كتبت : سكينة السادات
يا بنت بلدي قالت لى: أنا واحدة من الجيش الأبيض الذى يفتدى بلاده بالعرق والدم وأحيانا بالحياة ذاتها!
أنا الطبيبة إيمان -27 سنة- التى قررت ألا تعود إلى بيتها إلا بعد شفاء آخر مريض كورونا فى مصرنا الحبيبة, ولست أنا وحدى التى قررت ذلك، فإن كل أفراد دفعتى قرروا البقاء فى المستشفيات إلى جوار المرضى 24 ساعة حتى يتماثلوا للشفاء وهذا هو أضعف الإيمان وأقل القليل الذى أقدمه لبلدى الحبيبة مصر عن طيب خاطر, ولكن هل يعلم أحد أن فيروس كورونا تسبب لى أنا شخصيا فى إرباك حياتى وقلبها رأسا على عقب؟ وهذا هو ما جعلنى أطلب نصيحتك!
>
قالت الدكتورة إيمان سوف أحكى لك عن ظروفى إلى أن تسبب الوباء اللعين فى إرباكها بل وأعتقد أنه تم تدميرها تماما وأنا راضية بقضاء الله وقدره وأومن بأنه (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) صدق الله العظيم, والأمر لا يدخل فيه احتمال المرض والإصابة بالوباء فقد آلينا على أنفسنا نحن فئة الأطباء والممرضين والممرضات أن نفترض العدوى والموت قبل أن نبدأ دراسة الطب والتمريض الأمر يتعلق يا سيدتى بحياتى الشخصية وسوف أحكى لك كل الظروف والملابسات !
فأنا ابنة طبيب كبير يعمل فى الجيش ووالدتى طبيبة أيضا, فأنا من أسرة كلها أطباء حتى أخى الوحيد الذى يكبرنى بخمسة أعوام, فقد تخرج طبيبا متخصصا مثل والدى فى أمراض العظام وقد التحق أيضا بالجيش المصرى العظيم, وهو يعمل فى مستشفى الحلمية العسكرى وله سمعة طيبة, وقد تزوج أخى أحمد منذ عامين من زوجة تعمل طبيبة أيضا متخصصة فى طب الأطفال وناجحة فى عملها ولها عيادة صغيرة فى إحدى شقق العمارة التى بها شقة الزوجية وقد أكرمهما الله بإنجاب طفل جميل هو قرة عين والديه وجده وجدته وعمته التى هى أنا!
>
واستطردت الدكتورة إيمان.. وأرجو أن تعرفى بأن أحدا لم يضطرنى لدخول كلية الطب, فإن الطب ودراسته وممارسته عشق لأسرتنا الأب والأم والأخ والكل وحتى قبل أن أدخل كلية الطب كنت أذهب فى أوقات فراغى لمعاونة أبى فى عيادته, أما والدتى فقد كانت تكتفى بعملها الصباحى فى مستشفى الولادة التى تخصصت فيها والعودة للمنزل نظرا لإصابتها بالسكر وضغط الدم وإشرافها على كل صغيرة وكبيرة فى البيت ورعاية والدى والحرص على راحته بعد عودته من عمله فى مستشفى كوبرى القبة العسكرى ثم ذهابه لعيادته الخاصة كل يوم التى يعالج فيها المرضى الفقراء بالمجان الذين يقتضى علاجهم مبالغ طائلة لا يستطيعون تحملها !
وأعود إلى حياتى الشخصية فقد ارتبطت عاطفيا بزميل بالكلية كان فى نفس السنة الدراسية التى أدرس بها ثم اكتشفت تباين طباعنا وتباين نظام الحياة التى تعودها كل منا فى بيته بدون أية آلام ذاتية أو مشاكل انفصلنا وقررت أن أتفوق فى دراستى وألا أرتبط بأحد وأركز فى علوم الطب ولكن هذه الأمور قدرها بيد الله سبحانه وتعالى وحده, فقد قابلت بمحض الصدفة طبيبا شابا أكبر منى بحوالى ست سنوات ويعمل فى أحد المستشفيات وفوجئت بأن والده طبيب أيضا وأسرته تقارب أسرتى فى الحياة والطبقة الاجتماعية, وبدأت حكايتنا بأحاديث فى العمل والطب والأوراق الجديدة والاكتشافات العلمية الحديثة ثم اعتدنا الحديث والسؤال عن الأحوال ثم وجدنا أنفسنا فى حالة تعلق وحب وكان ذلك فى العام الماضى, وطلب منى أدهم أن يتقدم لخطبتى قبل أن يسافر فى بعثة دراسية إلى لندن لنيل الزمالة الطبية وفعلا جاء والده ووالدته لزيارتنا وتم الاتفاق على الخطبة وعقد القران فى يوم واحد خلال شهر فبراير, وسافر الدكتور أدهم إلى لندن ثم كانت المفاجأة الأليمة! الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية.
ساحة النقاش