كتبت : سكينة السادات

حكيت لك الأسبوع الماضى طرفا فيما رواه لى المهندس أحمد ) 44 سنة(، الذى قال لى إنه من أسرة ميسورة، فقد كان والده مهندسا وجده مهندسا للرى أوفدته الحكومة إلى السودان عندما كانت مصر والسودان مملكة واحدة، وقال أحمد إنه وأخته نشآ فى بيت هادئ محترم، فقد تزوج والده من أمه التى كانت قد تخرجت فى كلية المعلمات وعملت مدرسة بمدرسة خاصة.

كانت له نعم الزوجة التى كانت تقوم بأعباء عملها وتدير بيتها بل تقدم بكل شئونه بتفوق وإتقان، حتى أنها كانت تطهى ألذ الأطعمة وترسل بها إلى بيت جده وجدته لأبيه، وكان حماها يقول عنها إنها أعز من أولاده الذين أنجبهم، والكلام بالطبع عن والدة المهندس أحمد التى تفانت فى رعاية ابنها وابنتها حتى تخرجا فى الجامعات وتزوجا وصار لكل منهما بيته المستقل، إلا أن أخته تسكن فى مدينة جديدة بعيدة عن بيت والديها، أما المهندس أحمد فقد اختار شقة قريبة من بيت والديه حتى يتيسر له أن يزورهما بدون مشقة، وقال أحمد إن والده استمر يعمل حتى خرج على المعاش وأصابته ذبحة صدرية وبعدها أصيب بالفشل الكلوى، فما كان من والدته إلا أن تستقيل من عملها حتى تستطيع أن ترعى زوجها بنفسها، وفعلا استمرت أمه تقوم بكل شيء لوالده، فقد كانت تهيئ له طعامه بيديها حتى حمامه اليومى كانت تقوم به بنفسها، وباختصار كان والده هو كل حياتها واهتمامها خاصة بعد أن تزوج أحمد وأخته وغادرا البيت، وكانت المفاجأة الأليمة للكل هى وفاة الوالد فجأة بعد إصابته بنوبة قلبية مفاجئة وبعدها توالت الأحداث!

***

واستطرد المهندس أحمد بعد وفاة أبى يا سيدتى وتدهور صحة أمى التى أصبحت تعانى من الوحشة والوحدة والاكتئاب بعد وفاة والدى المفاجئة، وكما قلت لك كان هو كل حياتها واهتمامها بعد زواجى أنا وأختى وإقامتنا بعيدا عن بيت العائلة، وأحكى لك يا سيدتى عن زواجى الذى تم بإشراف والدتى نفسها فهى التى كانت قد اختارت لى ثلاث فتيات من قريباتنا كلهن حقيقة محترمات، لكننى اخترت واحدة، فهى بعد أن تحدثت معها ووجدت منها قبولا وسماحة وذكاء وتسامحا! قلت لها قبل الخطبة بأيام وكان والدى ما زال على قيد الحياة:

 - يا رشا أريد أن أعرفك بأننى أدين بالفضل لهذين الوالدين، الوالد والوالدة اللذان لم يبخلا علي أنا وأختى بحياتهما ومالهما لنا، فإن أمى وأبى عندى أهم شيء فى الحياة! يومها ابتسمت وقالت بالحرف الواحد يا احمد اللى مالوش خير فى أمه وأبوه يبقى مالوش خير فى أى انشرحت وفرحت بها وتم زواجنا ورزقنا بالولد والبنت، ،» حد ثم مات أبى فجأة وأصبحت أمى سيدة عجوز عندها أمراض مزمنة كثيرة وحيدة مكتئبة لا تريد أن تعيش ولا أن تأكل ولا تشرب تكاد لا تغادر فراشها إلا للذهاب فقط إلى دورة المياه!

وكان لزاما علي يا سيدتى أن أعيش مع أمى لكى أطعمها وأسيقها ذلك لأن أختى لديها ثلاثة أطفال صغار وهى مقيمة كما قلت لك فى مدينة جديدة ولا تستطيع والدتى أن تحتمل صخب الأطفال الصغار، كما لا تستطيع أختى أن تتركهم مع أى غريب، فكانت أختى تتحمل المشوار وتودع أولادها الصغار الحضانة ثم تأتى إلى أمى وتحاول أن تطعمها وتعود سريعا إلى الحضانة لكى تأخذ أولادها وتعود بهم إلى منزلها.

***

واستطرد المهندس أحمد.. وكان لزاما علي أن أترك بيتى وأولادى فى رعاية زوجتى وأعيش مع أمي حتى تسترد صحتها، وكانت أمى قد رفضت أن تترك بيتها وتعيش معى ومع زوجتى وأيضاً مع أختى، وصار هذا هو الخلاف الكبير بينى وبين زوجتى! إنها تستنكر أن أعيش مع أمى فى فترة كفاية تزورها ساعة، فى أولادك « : مرضها واكتئابها وتقول وأضطررت أن أرد عليها قائلا: آسف لأن أمى ، » أولى بك أهم عندى منك ومن أولادى! وقالت كلاما كثيراً إننى ابن أمى، قلت لها إن ذلك يشرفنى، أفكر يا سيدتى أن أطلقها لأنها بلا قلب ولا إنسانية ولكن أولادى صعبانين علي.. ماذا أفعل؟

***

إلى زوجة أحمد.. يا بنتى حرام عليك إنها أمه التى أنجبته لك ولأولادك، وكيف يتركها وهى لا تأكل ولا تشرب بنفسها؟ كنت أتوقع أن تقومى أنت بهذا العمل لولا أن أحمد قال لى أن أمه لا تتحمل صخب الأولاد. أرجوك أن تساعديه على رعاية أمه فقد أوصى الله بالوالدين إحسانا ولا تنغصى عليه حياته ولك الأجر والثواب.

المصدر: كتبت : سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 329 مشاهدة
نشرت فى 4 ديسمبر 2020 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,818,126

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز