تحقيق : سمر عيد
"زواج البنت سترة" مثل شعبى كان دافعا لتزويج محمد لابنته الكبرى قبل بلوغها السن القانونى، بينما كان الزواج العرفى ورقة ضغط فى يد هناء لموافقة أهلها على ارتباطها بزميلها فى الجامعة، فيما مثل لقب "عانس" شبحا لإبراهيم والد الأربع فتيات لتزويجهن بمجرد بلوغهن الثامنة عشر، وعلى الرغم من اختلاف الدوافع وراء الزيجات الثلاث إلا أن الطلاق المبكر والخلافات المستمرة كان العامل المشترك بينها لتمثل كل منها عربة فى قطار يتجه نحو محطة الفشل..
البداية مع يسرا مهند، مدرسة علوم بإحدى المدارس الخاصة وتقول: ارتبطت خلال دراستى بالمرحلة الثانوية بابن الجيران وأصررت على الزواج منه رغم معارضة أهلي، وبعد إلحاح شديد وافق أهلي على زواجى بشرط استكمال دراستى، ومع الأسف عشت حياة شاقة بعد ذلك، فقد حملت بطفلي الأول وأنا في الجامعة، بينما كانت قريناتي ينعمن بحياة الشباب والرحلات ويخططن لحياتهن العملية وأنا أحمل عبء الأسرة والمنزل وأستعد لاستقبال طفلي الأول، ولو عاد بي الزمان مرة أخرى لكنت تمهلت في الزواج والإنجاب.
أما محمد سيد، صاحب محل سوبر ماركت فيرى أن تعجل الشباب في الارتباط يترتب عليه عواقب وخيمة في المستقبل ويقول: تعرفت على زوجتي وأنا في سن التاسعة عشر وتزوجت فى سن الحادي والعشرين بينما هى فى سن الثامنة عشر، وعلى الرغم من حبي الشديد لزوجتي إلا أنني كنت أشعر أنني أتعامل مع طفلة مدللة، فعندما تزوجنا لم تكن تجيد الطهي ولا القيام بشئون المنزل، بل إنها لم تكن تعرف شيئا عن الحياة الزوجية واضطررت أن نعتمد على والدتي ووالدتها في بداية حياتنا الزوجية حتى تتعلم كيف تصبح ربة منزل ناجحة.
وتقول عبير عبد المجيد، محاسبة بأحد البنوك: إذا أتى لك الأمر سهلا فمن السهل أن تفرط فيه بسرعة، وهذا ما حدث لي بالفعل حيث أصررت على الارتباط بزميلي في الجامعة بعد تخرجنا مباشرة، ولأنه كان ينتمى لأسرة غنية تولى والداه أمور الزواج وتكاليفه، وبعد الزواج كانت حماتي تنفق علينا ما أفقدنى أن يكون لى أى قرار أو رأى فى المنزل فمن لا يملك قوته لا يملك قراره، ما دفع والدي إلى التفكير فى تشغيلى بأحد البنوك الأمر الذى مكننى من الإنفاق على نفسى وهو ما أغضب حماتي لأنه أتاح لى الفرصى كى أخرج عن سيطرتها فأمرت زوجي أن يطلقني.
ثقافة العار
تعلق د. اعتماد علام، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس على زواج الصغار وآثاره السلبية على الأسرة والمجتمع قائلة: لا تزال هناك بعض الموروثات الثقافية القديمة التي تسيطر على عقول الكثيرين كاستعجال بعض الأسر في تزويج الفتيات نظرا لأن البعض وخاصة في الريف يرون أن تزويج الفتيات ستر لهن، وحفاظا على سمعة الأسرة التي تخشى أن تقيم أية فتاة من فتياتها علاقة غير شرعية مع أي شاب وتجلب لهن العار على حد تعبير بعض الأسر الريفية، والحقيقة أن الاستعجال وتزويج الفتاة لشخص غير مناسب وغير مستقر ماديا أو ناضج اجتماعيا بالشكل الذي يؤهله أن يصبح رب أسرة يترتب عليه الطلاق لا محالة، كذلك خوف العديد من الفتيات من شبح العنوسة وأن يتقدم بهن السن دون زواج يدفع الكثير من الفتيات إلى الموافقة على أول عريس يطرق بابهن دون أن يكن قد تأهلن للحياة الزوجية، ودون التأكد من استقرار العريس ماديا ونضجه فكريا واجتماعيا، كما أن الجانب الأصعب في هذا الموضوع ليس إصرار بعض الأسر على تزويج الشباب والفتيات في سن مبكرة حفاظا على الأرض أو الميراث أو لستر البنات على حد تعبير البعض لكن الأخطر هو اندفاع الشاب والفتاة والإلحاح على الأهل للزواج في سن مبكرة أو عقب التخرج من الجامعة مباشرة بدافع الحب، وهذا الحب عادة ما يكون وهميا ولا عجب أن يعاني من ارتبط في العشرينات من الملل الزوجي والخرس الزوجي والإهمال أو حتى الخيانة في سن الثلاثين أو الأربعين لأن شخصية الإنسان سواء كان رجلا أم امرأة تتغير وفقا للمرحلة العمرية.
أطفال ينجبون أطفالا
تقو د. منار عبد الفتاح، خبيرة العلاقات الأسرية: الحب بين الشباب قد يمثل عامل ضغط على الأهل خاصة أن الشاب والفتاة قد يهددون الأهل ويضغطان عليهم إذا لم يوافقوا على الزواج الرسمي فإنهما سيتزوجان عرفيا وهذه كارثة قد رصدت مؤخرا بين بعض شباب وفتيات الجامعات، وهنا يخشى الأهل من انحراف أبنائهم وبناتهم والوقوع في فخ الزواج العرفي الذي لا تحمد عقباه فيما بعد فيوافقوا على الزواج الرسمي دون أن تكون الفتاة والشاب مؤهلان للزواج وبناء الأسرة، لذا لا تلبث هذه الزيجات أن تفشل سريعا حيث يعتمد الزوجان على أسرتيهما في تحمل أعباء الحياة المادية والاجتماعية ويعتمدان أيضا في تربية الأطفال على أم الزوج أو أم الزوجة حيث تكون أغلب الفتيات لا يعرفن كيفية العناية بالطفل لتصدق المقولة التي نرددها في مصر "أطفال ينجبون أطفالا"، ومن هنا تنشأ الخلافات الزوجية التي قد تؤدي للطلاق فيما بعد، ومن ناحية أخرى لابد أن يعيش الإنسان فترة لا بأس بها بعد التخرج والالتحاق بالعمل دون زواج حتى ينضج فكريا وعاطفيا.
لا تراجع ولا استسلام
توضح د. نورا رشدي، أستاذة علم الاجتماع ووكيلة معهد الخدمة الاجتماعية السابقة أن الأهل عادة هم المسئولون عن الزيجات السريعة وتقول: يندفع شباب كثر وفتيات كثر للارتباط في الجامعة ويتممون الزواج بعد التخرج مباشرة وهذه كارثة مسئول عنها الأهل فذو الفتاة يخشون أن تنقضي فترة الجامعة دون أن ترتبط أو تتم خطبتها خوفا من شبح العنوسة الذي أصبح يطارد الكثير من الفتيات، فلدينا نسبة كبيرة من الفتيات قد تخطين عمر الثلاثينات ولم يتزوجن، وبالنسبة للشباب فإن أسرة الشاب تود تزويجه أيضا سريعا حتى لا يتعرف على أكثر من فتاة بعد دخول معترك العمل والحياة ويستقل بذاته ومن ثم يرفض الارتباط أو تحيط به فتيات لا يصلحن للحياة الزوجية، والحقيقة أن من تدفع فاتورة الارتباط السريع هي الفتاة،حتى إذا تزوجت من هذا الشاب لذا على الوالدين أن يوضحا للفتاة والشاب اللذين يصران على الزواج المبكر السريع أن الزواج رباط مقدس وأنه لا تراجع ولا استسلام إذا ما تزوجا بالفعل.
ساحة النقاش