كتب : عادل دياب
منذ اللحظات الأولى لبعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كان للمرأة دور مهم في نشر رسالة النور والمحبة والسلام، ألم يكن أول من سانده وناصره وآمن به السيدة خديجة رضي الله عنها، وعلى مدار التاريخ الإسلامي وإلى اليوم برزت الكثيرات من النساء عبرن عن سماحة الإسلام ووسطيته.
لم تكن لتشعر إلا بأنك في حضرة أم متدفقة بالحب والحنان والعطف والإشفاق، صوتها الوقور وتعبيراتها المتسامحة تنقلك بسهولة إلى آفاق من الهدوء والسكينة، تستمع إليها فيتملكك الشعور بأن الدين ليس إلا بابا إلى رحمة الله ومحبته، لقد كانت الداعية الدكتورة عبلة الكحلاوي نسيجا وحدها ونموذجا إنسانيا متفردا يندر أن يتكرر، جمعت التفكير العميق المتزن إلى الخطاب المعتدل والنظرة المحبة المتسامحة التي تقتدي قول رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"، وتتمثل قوله تعالى في سورة البقرة "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وتردد قول سيدتنا عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاري "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط، إلا يختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، "ولدت عبلة محمد الكحلاوي في الخامس عشر من ديسمبر عام 1948، والدها هو محمد الكحلاوي الذي ترك الغناء واتجه للإنشاد الديني، وكان من أشهر ما أنشد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أنشودته "حب الرسول" التي صورها التليفزيون المصري وظلت لسنوات تذاع بكثافة كبيرة، كان حلم محمد الكحلاوي أن تلتحق ابنته بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، وهو الحلم الذي حققته الابنة البارة لأبيها، حيث تخصصت في الشريعة الإسلامية وحصلت على الماجستير عام 1974 في الفقه المقارن، ثم على شهادة الدكتوراه في التخصص نفسه عام 1978 ، عملت الدكتورة عبلة في كلية البنات جامعة الأزهر إلى أن طلبتها كلية التربية للبنات في مكة المكرمة لترأس قسم الشريعة فيها عام 1979، وكان أمرا طيبا بالنسبة لها أن تجاور بيت الله الحرام، وتكون قريبة من مدينة رسول الله المنورة، وهي التي نشأت وتربت على حب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وآل بيته وصحابته الكرام، فأخذت عملها بكل جد وتركت أثرا طيبا في نفوس طالباتها اللاتي كن بمثابة بناتها، فأخذتهن بسلاسة إلى طريق التفقه في الدين ووضعت عيونهن على أمهات الكتب، وكانت تردد على أسماعهن دائما قوله تعالى في سورة يونس "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، منذ عام 1987 بدأت الدكتورة عبلة في إلقاء دروس دينية للنساء بجوار الكعبة المشرفة بعد صلاة المغرب من كل يوم، كانت هذه الدروس تستقبل المسلمات من سائر أنحاء العالم من المعتمرات والزائرات لبيت الله الحرام، وكان أسلوب الدكتورة السهل السلس المنفتح المتسامح سبيلا إلى القلوب والعقول جامعا وموحدا لمشاعر الحاضرات على اختلاف بلادهن وثقافاتهن، ظلت الدكتورة تلقي هذه الدروس بعد عودتها إلى القاهرة عام 1989، لكن انتقل مكانها إلى مسجد الكحلاوي في منطقة البساتين بالقاهرة، وركزت في دروسها على الجانب الحضاري والصورة السمحة للإسلام، بجانب المسائل الفقهية التي كانت ترد إليها التساؤلات عنها، كذلك كان لها دروس في الجامع الأزهر الشريف، ومسجد الحصري بأكتوبر، ودرس أسبوعي في مسجد الحمد بالمقطم، إضافة إلى البرامج الدينية عبر شاشات تليفزيونية مختلفة من أشهرها برنامج "في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم"، وكانت في برامجها بعيدة كل البعد عن الجدل، تركز على الجانب الأخلاقي والروحي للرسالة، ولم تقتصر حياتها على العلم والدعوة فقط، بل اهتمت كثيرا بالعمل الخيري، وأسست جمعية الباقيات الصالحات، إحدى أهم الجمعيات الخيرية في مصر، وهي الجمعية التي أوصت قبل وفاتها بأن تظل مفتوحة تقدم الخير للناس، وقد توفيت رحمها الله في 14 يناير 2021 عن عمر يناهز 72 عاما، بعد أن سخرت حياتها لخدمة ومساعدة الناس.
ساحة النقاش