حوار : منار السيد

 

حوار : منار السيد

"ابني حبيبي نور عيني بيضربوا بيك المثل وكل العالم بيهنيني ..طبعا ما أنا أم البطل".. حقا هي أم البطل الذي عاش رجلا ومات بطلا، هي الأم التي رأت فلذة كبدها دمائه مختلطة بتراب الوطن الذي صمد ودافع عنه ببسالة، فهي من زرعت بداخله حب الوطن، وهي من علمته أن الأرض عرض يجب الدفاع عنها لآخر قطرة دماء في حياته، وهذا هو ما فعله البطل الشهيد الرائد هشام شتا حينما لم يترك مكانه للدفاع عن مكان خدمته وأهله، فهو شهيد قسم كرداسة الذي واجه الإرهاب الغاشم ببسالة ووقع شهيدا ليسطر بدمائه حكاية بطل..وفي ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو كان يجب أن نحيي ذكرى أبطالنا الشهداء وكان لنا هذا الحوار مع السيدة إكرام حمدي والدة الشهيد البطل الرائد هشام شتا شهيد قسم كرداسة أثناء فض اعتصامي الرابعة والنهضة...

حدثينا عن رغبة الشهيد البطل الرائد هشام شتا بالالتحاق بكلية الشرطة؟

بعد إنهائه للمرحلة الثانوية وقبل ظهور النتيجة تحدث معنا عن رغبته في الالتحاق بكلية الشرطة وأنه بحاجة للتأهيل البدني والعسكري لضمان اجتيازه الاختبارات، وبالفعل وافقنا أنا ووالده، وعلى الفور التحق بإحدى أكاديميات التأهيل العسكري وقدم أوراقه في كليتي الشرطة والحربية وفي الوقت ذاته التحق بكلية الحقوق، حتى بدأت الاختبارات واجتازها بنجاح وتفوق وتميز بالثقة العالية بالنفس، وكان لديه حماس أثناء فترة الاختبارات لدرجة أنه كان يواصل الليل بالنهار ليذهب مع آذان الفجر لأداء الاختبارات خوفا من التأخير على الحضور، واجتاز كل الاختبارات وتم قبوله بكلية الشرطة حلمه الذي سهر الليالي ليتأهل ويتدرب ليلتحق بها.

الانضباط والأخلاق

هل كان لديك مخاوف لالتحاقه بكلية الشرطة؟

الشهيد كان لديه حماس وإصرار على الالتحاق بكلية الشرطة وكان يريد خوض التجربة ببسالة وفي الحقيقة ساعدناه أنا ووالده على تحقيق حلمه وشجعناه، فكان لديه حب كبير للوطن ورغبة للدفاع عنها من خلال دوره كضابط شرطة يخدم ويستشهد في سبيل وطنه.

وماذا عن أول زيارة لكم للشهيد البطل في كلية الشرطة؟

أول زيارة كانت في ال45 يوما الأولى من التحاقه بالكلية والتي لاحظت التغيير الكامل لشخصية هشام والذي ظهرت في حديثه معنا الذي كان يملأه الحماس والثقة بالنفس وحرصه على الالتزام والانضباط بكل قواعد العسكرية، وهذا ما التزم به خلال ال4 سنوات، فقد تميز بحسن سلوكه وتميزه وتفوقه وانضباط أخلاقه والتزامه منذأول يوم بكلية الشرطة حتى التخرج.

وهل كانت "كرداسة" هي أول مكان يلتحق به الشهيد لأداء الخدمة؟

كانت أول خدمة له في قسم "أبو النمرس" لمدة عام وبعد إثبات جدارته تم نقله للمباحث في قسم أكتوبر لينتقل بعدها كمعاون مباحث في قسم كرداسة بعد 25 يناير 2011 واستمر هناك حتى استشهاده في 2013.

الزيارة الأخيرة

حدثينا عن تفاصيل زيارة الشهيد الأخيرة لكم قبل استشهاده؟

قبل استشهاده ب58 يوما قام بأداء العمرة وهو أمام الكعبة قال "دعيت لمصر وأن أنال الشهادة"، وفي الحقيقة شعرت بقبضة في صدري في ذلك اليوم وقبل عودتنا من العمرة كان يريد شراء جلباب مغربي وحينما قلت له إنه لا يوجد متسع من الوقت وأن الأتوبيسات ستتحرك ويمكن أن يؤجل شرائها للعام المقبل، رد قائلا "قد لا أستطيع أن أحضر هنا  العام القادم"، وبالفعل شعرت بوخزة أخري في قلبي حينما أبدي تصميمه على الذهاب لشراء هذا الجلباب وأثار قلقي أكثر حينما أتي به لونه أسود، وكان هذا أول عام يقضي معنا أول ثلاثة أيام في العيد ليرتدي هذا الجلباب الأسود الذي عاتبته على لونه ولكنه قال لي "مرتاح فيه يا أمي"، وبعد الانتهاء من إجازته وجدته يدخل ويخرج من غرفته وكأنه يودعها وشعرت بالقلق لدرجة أنني لأول مرة أقف عند الباب لأودعه حتى يركب المصعد، وقبل أن يضغط على زر الهبوط خرج لي مرة أخرى من المصعد وقال "ادخلي يا أمي"، وخرجت مسرعة للشرفة وجدته يركب السيارة ثم ينطلق بها ويقف فجأة ويخرج ليلوح لي ولوالده بالوداع ليذهب ويعود لي شهيدا.

الاستشهاد

كيف عرفت بحادث الاستشهاد؟

كان يوم عمل روتيني ذهبت صباحا إلى عملي وكان آخر أيام الصيام في شهر شوال، وأبلغني هشام أنه سيأتي ليفطر معنا وطلب مني إعداد الطعام الذي يحبه، ولكنه اتصل بوالده وأخبره بعملية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة،والضغوط التي سيعملون فيها، وطلب منه الدعاء بالتوفيق، وعدم إخباري بشيء لأنه كان لا يريد أن أشعر بخوف وقلق تجاهه، وبالفعل كان يوما صعبا للغاية وكانت الطرق مزدحمة وطوارئ في كل الشوارع  أثناء عملية الفض، وعندما ذهبت إلى المنزل كنت أشعر بالقلق وعندما سألت والده أخبرني أنه تحدث معه في الواحدة ظهرا وطلب منه الدعاء له ولزملائه، ولم تمر سوى دقائق وتفاجأنا باتصال من عمه وأخبرنا أن قنوات التليفزيون تذيع خبر استشهاد هشام، لم نصدق ولم نستوعب الخبر حتى وجدنا أصدقائه والجيران يأتون إلى المنزل بعد أن عرفوا خبر الاستشهاد، وتوجه والده ومعه الأصدقاء والجيران لمكان الحادث للتأكد من الخبر وحينما وصلوا إلى هناك لم يجدوا جثمان الشهيد واستمر البحث طوال اليوم لنفاجأ أن بعض الأهالي حاولوا حماية هشام هو وأمين الشرطة الذي كان يلازمه ولكنه واجه الإرهاب الغاشم ببسالة خوفا على الأهالي حتى نال الشهادة ليذهب إليه الأهالي ليحاولوا الاحتفاظ بجثمانه حتى تأتي سيارات الإسعاف حتى لا يقوم الإرهابيون بالتمثيل بجثمانه، لذلك عندما ذهب والده وأصدقائه للبحث عن جثمانه لم يجدوا سوى سيارة هشام ووجدت أحد أصدقائه يأتي بها إلى المنزل وعندما سألته "أين صاحب السيارة" رد "إنشاء الله يكون بخير"، واستمر البحث على جثمانه حتى استطاعت سيارات الإسعاف الدخول لكرداسة وتم نقله إلى المشفى، وعندما ذهبت للقائه الأخير قال لي والده "احتسبيه شهيدا هندخل معاه الجنة".

الملاك النائم

بعد 5 سنوات من استشهاد البطل.. لماذا قررتم نقل جثمانه لمدفن آخر؟

كنت أحلم دائما بيوم زواج هشام، وكنت أنوى إعداد شقته ولكنه كان دائما يقول أنه لا يريد أي ارتباط يشغله عن رسالته في الدفاع عن الوطن، وبعد استشهاده فكرت أنا ووالده أننا إذا لم نحظ بتجهيز شقته للزواج فيها، لذلك كان يجب أن نجهز له مدفنا جديدا يكون هو أول من ينزل فيه، وبالفعل سعى والده لشراء مدفن جهزه بالرخام وعلى أعلى مستوى وقام بشراء "كفن" جديد وغالي له وذهب لإدارة العلاقات الإنسانية بوزارة الداخلية لتقديم طلب لنقلل الجثمان وبالفعل كان هناك تعاون كبير بالوزارة وحضر معنا مجموعة من قيادات وزارة الداخلية، وكانت المفاجأة عندما تم فتح القبر وجدوا جثمان هشام كأنه "نائم أمس" وليس متوفي منذ سنوات ورائحة القبر كله مسك لدرجة أعجزت لسان جميع الحاضرين، وكانت هذه رسالة اطمئنان لنا ولكل أهالي الشهداء أن الأرض لا تأكل جثمان شهيد وجسد الشهداء لا يتحلل، ونقلنا جثمانه لمدفنه الجديد، وقلت له "مبروك عليك بيتك الجديد يا هشام".

بماذا وعدك سيادة الرئيس أثناء تكريمه لك؟

الرئيس السيسي وعدني وأوفى، فحينما كرمني سيادته بكيت وقلت له "حق هشام يا ريس"، رد قائلا "حق هشام وإخواته جاي"، وبالفعل أوفى وعده بالقصاص العادل، ودائما أشعر بالفخر والاعتزاز حينما أجد الإنجازات والاستقرار والتقدم في مصر وأشعر أن دم ابني وزملائه الأبطال والشهداء لم يذهب هباء، فمصر لا تسامح في حق أبنائها.

الاختيار

وماذا كان شعورك أثناء عرض حلقة فض اعتصام رابعة وهجوم قسم كرداسة في مسلسل "الاختيار 2"؟

كانت حلقة صعبة وفي مشهد القسم هتفت "ابني هشام" وبكيت مع سرد الأحداث، وبالرغم من الألم والوجع الذي يشعر به أهالي الشهداء ولكن مثل هذه الأعمال الوطنية نحتاج إلى الإكثار منها فهي رسالة مهمة للمجتمع من خلال تسليط الضوء على حياة الشهداء الخاصة والمصاعب التي واجهوها في محاربة الإرهاب الغاشم.

 

"هشام شتا" الصغير هل سيكون امتدادا لسيرة عمه البطل الشهيد؟

كان الشهيد هشام هو أصغر أبنائي وأقربهم لي حتى أنني في 2011 أجريت عملية مسامير وشرائح في ظهري، وظل بجواري 13 يوما في المشفى لا يفارقني باستثناء ذهابه إلى العمل ليعود لي سريعا، وأرى دائما أن "هشام شتا الصغير" ابن أخيه هو العوض الذي يبلغ من العمر 4 سنوات ولا يفارقني ودائما يقف يتحدث لعمه من خلال صورته الكبيرة، وأتمنى أن يكون العوض فيه وفي أحفادي الآخرين وأبنائي فابني الأكبر هو مهندس إلكترونيات يعيش في أستراليا برفقة زوجته وأبنائه، ووالد هشام الصغير كيميائي، ونحن جميعا نحيا على سيرة الشهيد العطرة وهشام شتا الصغير لا يسمع سوى سيرة البطل ويحلم أن يكبر ليكمل مسيرته.

المصدر: حوار : منار السيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 430 مشاهدة
نشرت فى 1 يوليو 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,850,229

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز