السيدة عزة فتحي والدة الشهيد البطل الرائد محمد على زين الدين، هي ليست فقط "أم الشهيد" لكنها "أم الأبطال" حيث وهبت أبناءها الثلاثة للدفاع عن مصرنا الغالية والتي تستكمل مسيرة الحب والعطاء مع أبناء الشهيد "علي وزينة" اللذين لم ينعما برؤية والدهما الشهيد ويعيشا على قصص بطولاته، وبعد 10 سنوات من استشهاد البطل تروي لنا والدته عن حلم ابنها منذ الطفولة الذي تحقق وأصبح البطل الشهيد.
بداية هل كانت كلية الشرطة رغبة الشهيد البطل منذ الصغر؟
كان حلمه الذي سعى لتحقيقه منذ الصغر، حتى بعد التحاقه بكلية هندسة الطيران واجتيازه العام الأول للدراسة صمم أن يلتحق بكلية الشرطة وهو في بداية الفرقة الثانية بكلية الهندسة، وبالفعل تقدم بأوراقه للكلية وكانت رغبة ملحة بداخله وأقنعني أنا ووالده بأن هذه رغبته وطلب مني ألا أحزن لأنه سيترك هندسة الطيران، وقال إنه لا يريد سوى أن يكون ضابط شرطة يحمي وطنه ويدافع عن أرضه، واجتاز الاختبارات بنجاح كبير وكان يوم قبوله بالكلية بمثابة فرحة كبيرة بأنه استطاع تحقيق حلمه.
وكيف كان يتعامل الشهيد مع زملائه وجيرانه ومعارفه؟
كان إنسانا راقيا في تعامله مع الآخرين، وكان لديه وافر من الاحترام للصغير قبل الكبير، وهذا ما عرفناه بعد وفاته من حكايات من كانوا يعملون معه عن حسن تعامله مع الآخرين واحترامه لمن هو أكبر منه، فهو كان يعتبر كل امرأة كبيرة أمه ويعاملها بالحسنى، وكان دائما مهموم بمشاكل من حوله ويسعى لجلب الحقوق فهو كان يتميز بالشهامة والتضحية وحب الخير للناس، حتى استشهاده كان نموذجا للشهامة وبطولته في الدفاع عن الحقوق.
هل الشهيد كان أقرب لك أم لوالده الراحل؟
كان حبيب العائلة كلها بأخلاقه الطيبة ومرح، ولكنه كان لي الصديق والحبيب وكنت أنتظر عودته من عمله كي ينام على رجلي ويطلب مني قراءة القرآن له، ويحكي لي عن يومه وعن المواقف التي يتعرض لها في عمله وكيف عليه أن يكون حازما وفي الوقت ذاته يتحلى بروح الإنسانية، وكان قريبا جدا لوالده أيضا وصديقا له لدرجة أن والده لم يتحمل فراقه ولحق به ليكون جواره فهو لم يستطع الحياة بدونه.
كيف حدثت واقعة الاستشهاد؟
كان يؤدي عمله بقسم شرطة قصر النيل عقب ثورة 25 يناير، وتلقى بلاغا يوم 9 يوليو 2011 بسرقة إحدى سيارات التاكسي، وتم تكليفه بمأمورية للقبض على الجناة وخلال المطاردة تم إطلاق العديد من الأعيرة النارية ما أدى إلى إصابته ونقله إلى المشفى ليلفظ أنفاسه الأخيرة ويستشهد في الحال.
هل كان يشعر الشهيد بأنه على وشك الرحيل قبل استشهاده؟
قبل استشهاده مباشرة كنا نشاهد صور بعض الشهداء على إحدى القنوات، ووجدناه يقول "يا رب أكون زيهم"، وعندما انزعجت من حديثه ترجاني أنا ووالده أن ندعوا له بالشهادة وقال لي: "لو نلت الشهادة افرحي لي يا أمي ولا تحزني"، وبالفعل نال بعدها الشهادة وكأنه كان يوصينا بعدم الحزن عليه.
كيف علمتم بإصابة الشهيد في المأمورية؟
لم تكن إصابة الشهيد الأولى فقد أصيب بإحدى المأموريات بسكين في الكتف، وعندما فزعت من إصابته طمأني وطلب مني ألا أخاف مرة أخرى وأن هذا عمله وواجبه ومن الوارد أن تحدث إصابات أثناء تأدية عمله، ويوم الاستشهاد بعد إصابته تم نقله على الفور للمشفى، وكان والده قبلها قد أجرى عملية في القلب وكان يخاف عليه بشدة، وقبل دخول محمد غرفة العمليات طلب منهم عدم إخبار والده بالإصابة خوفا على صحة قلبه وقال لهم أن يقولوا إنها مجرد إصابة في القدم، وذهبنا إلى المشفى لكننا وجدنا ازدحاما وحالة من الحزن وأخبرونا أنه تم إدخاله للعناية المركزة، وطلبوا من والده الدخول له وبعدما خرج وجدته في حالة حزن شديدة، ثم طلب مني الطبيب الدخول إليه وعندما دخلت كان يودع حياته وبالفعل عندما خرجت قال لي الطبيب "روحه كانت متعلقة بوجودك" وكان هذا لقائي الأخير مع ابني الشهيد.
ولماذا لقبت بأم الأبطال؟
بشكر الله وبحمده دائما على أبنائي الذين تربوا ونشأوا على حب الوطن وتولوا على عاتقهم رسالة ومسئولية الدفاع عن أرضهم، فالشهيد البطل أدى رسالته من خلال دوره كضابط شرطة ليستكمل أخيه أسامة على عبد العزيز زين الدين المسيرة، فهو ضابط بالشرطة المصرية، كما أن أخو الشهيد الثالث هو عمرو علي عبد العزيز زين الدين ضابط دفاع جوي بالقوات المسلحة، وأشعر بالفخر بأبنائي وزملائهم الأبطال فهم يضحون بأرواحهم ليهبوا لنا جميعا الأمن والأمان.
على وزينة عوض الله لنا
تعزى السيدة عزة فتحى نفسها وتقول: الحمد لله.. تزوج الشهيد محمد عام 2009 ولديه علي 10 سنوات وزينة 9 سنوات، وقد نال الشهادة وعلي كان يبلغ من العمر وقتها 7 شهور فقط، وكانت زوجته حامل في زينة وقت استشهاده واستشهد دون أن يراها، ونتذكر يوم ولادة علي كان سعيدا جدا ولم نكن نعلم أنه ينوى تسميته على اسم والده، لكنه فاجأنا جميعا يوم الولادة بذلك، وحاليا نحاول أن نكمل مسيرة الشهيد مع أبنائه وأدعو من الله أن يقدرنا على إتمام رسالة الشهيد مع أبنائه الذين لا يفارقون حضني، والذين اعتبرهما عوض الله لنا على فراق ابنى لنا.
وما الرسائل التي تريدين أن ترسليها كأم شهيد؟
رسالتي الأولى لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي "نحن معك في كل قراراتك فأنت من تحمل على عاتقك مسئولية حماية الوطن، فمصر كبيرة وعظيمة ونشكر الله على استردادك لكرامتنا وحفاظك على الأمن والأمان والاستقرار ، وما تفعله الآن ستشعر به الأجيال القادمة حينما يشاهدوا عظمة مصر ومكانتها بين الدول وما تحقق من إنجازات رغم ما واجهناه من صعاب، فالتضحية غالية ولكن مصر تستحق كل ما هو غالي لبقائها.
ورسالتي الثانية لكل أمهات الشهداء أقول لهن: أنتن خط الدفاع الثالث عن الوطن بعد الجيش والشرطة وقد ميزنا الله بالصبر والقوة على التضحية.
وأريد أيضا أن أوجه رسالة لكل من يحاول الاعتداء على وطننا وأقول لهم: لا نريد مزيدا من إراقة الدماء فكلهم أبناؤنا لكن من يقوم بمثل هذه العمليات التفجيرية لا يجد ما يستر جسده سوى تراب مصرنا الغالية لذلك أتمنى أن يفيقوا قبل فوات الأوان.
ساحة النقاش