كتبت : إيمان عبد الرحمن
على مر التاريخ كانت المرأة داعمة لوطنها ليس فقط لكونها من تنشئ وتربي الأبناء والأجيال على حبه وتقدمهن فداء له، أو لأنها الزوجة التي تحمل الراية وتستكمل المسيرة بعد استشهاد الزوج، بل أيضا لكونها الشهيدة التي لا تتوانى عن تقديم حياتها من أجل رفعة البلد والحفاظ على أمنه وأمانه.
نماذج من التضحيات وقصص من البطولات سطرتها المرأة المصرية، فتحية إعزاز وتقدير إلى شهيدات الوطن اللائي نكرمهن في السطور القادمة ونسترجع قصص بطولاتهن وتضحياتهن ليكبر أبناؤنا على هذه النماذج المشرفة ويكن قدوة لهم.
قصة من التضحية والفداء كان بطلتها العريفة أمنية رشدي ذات الـ25 عاما والتي استشهدت في تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية حيث أظهرتها كاميرات المراقبة تقف بجوار الإرهابى عندما قام بتفجير نفسه، كانت العريفة الشهيدة تستعد لزفافها والذى كان مقرر له موعد بعد الحادث بشهر واحد فقط، لكن القدر لم يمهلها بناء حياة جديدة ليكتب لها الجنة لتزف عروسا إلى السماء.
التحقت أمينة بالعمل الشرطى وبمعهد أمناء الشرطة عن قناعة تامة وحبا للوطن، وكانت تأمل الحصول على رتبة ملازم بعد الحصول على درجة ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية حيث كان لها آمال وطموحات عديدة، وكانت الشهيدة مثالا للأخلاق الكريمة والطيبة، مخلصة لعملها كما وصفتها صديقاتها، والتي جاءت كلماتهن حزينة غير مصدقات لما حدث لها، فصرحت العريفة صفاء إبراهيم صديقتها عريف شرطة سجن الحضرة أنها صدمت عندما تلقت الخبر هي وزميلاتها بمقر الخدمة التي كانت تخدم بها وعزائهن الوحيد أنها في الجنة، ولفتت إلى أنها كانت تشعر بأنها على موعد قريب مع الموت فقد كتبت على صفحتها الشخصية قبل استشهادها بأيام قليلة "أكرموا من تحبون بكلمات جميلة، وأفعال أجمل، أرواحنا خلقت لفترة من الزمن وسترحل، ابتسموا وتناسوا أوجاعكم، فهي دنيا وليست جنة"، وكان يتوارد إلى ذهنها الشهادة باستمرار وكانت تشعر أنها ستكون شهدية فداء للوطن على الرغم أنها تخدم في قطاع السجون.
قصة أخرى من البطولة والفدائية سطرتها الشهيدة العريفة أسماء إبراهيم صاحبة الوجه البشوش والابتسامة الدائمة كما كانت تلقبها صديقاتها، وهي أم لطفلتين منهما طفلة رضيعة غيبها الإرهاب الغاشم عن طفلتيها وأسرتها وأحبائها وعملها، نجحت في التوفيق بين عملها ورعاية أسرتها والاعتناء بصغيرتيها، وكانت مثالا للاجتهاد، كانت أيضا تقف على بعد خطوات قليلة من الإرهابي أمام الباب الرئيسي للكنيسة المرقسية لحظة التفجير، ولم تكن تعي أنها بعد لحظات ستودع الدنيا وطفلتيها وكل حياتها.
لم تنته القصص عند ذلك فقد سطرت العميد نجوى عبد العليم الحجار بدمائها قصة أخرى لتسجل اسمها ضمن قائمة شرف الشهداء لتكون أول شهيدة من الشرطة النسائية بوزارة الداخلية المصرية حيث استشهدت أثناء تأمينها بوابة الكنيسة المرقسية بمحطة الرمل، كانت الشهيدة مدير بإدارة تصاريح العمل بالإسكندرية، اعترضت الانتحاري الذي حاول دخول الكنيسة وتفادي التفتيش الأمني ما أجبره على تفجير نفسه على البوابة لتلحق بابنها الشهيد مهاب معز والذي استشهد في أحداث رابعة لتترك ضابطا آخر وهو النقيب محمود معز، معاون مباحث مينا البصل، ليستكمل مسيرة والدته وأخيه في حماية الوطن.
ولدت العميد نجوي الحجار عام 1963، وتخرجت من كلية الشرطة عام 1987، وشغلت العديد من المناصب بوزارة الداخلية وتقلدت العديد منه حتى وصلت إلى رتبة عميد، وكانت الشهيدة من ضمن قوة مكتب تصاريح العمل، وقبل يوم من الحادث جرى إخطارها بتعيينها فى خدمات الشرطة المسئولة عن تأمين الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وكانت ممن استقبلوا اللواء مصطفى النمر، مدير أمن الإسكندرية الأسبق أثناء مروره لتفقد الأوضاع الأمنية والتأكد من يقظة القوات ومدى جاهزيتها، وفجأة وصل الانتحاري وفجّر نفسه أمام الكنيسة، مما أسفر عن استشهاد اللواء نجوى و7 آخرين من الشرطة، و8 مواطنين.
دور عظيم
دور كبير وداعم للوطن قدمته المرأة وخاصة الشرطية على مدار تاريخ المرأة في الشرطة المصرية، ولم يقتصر دورها فقط في الشرطة المصرية يؤكد على هذا الدور ويثمنه اللواء محمود الرشيدي، مساعد وزير الداخلية الأسبق لأمن المعلومات حيث يؤكد على الدور العظيم الذي تقوم به ضابطات الشرطة من تضحية وفداء، والمرأة عموما، ويقول: هي نصف المجتمع وتربي النصف الآخر خاصة الدور الذي تقوم به الأم، فكم من أم شهيد ربت وعلمت أبناءها على حب الوطن وتضحياته وقدمت أبناءها حماة للوطن ليقدموا أرواحهم فداء له، وهي الشهيدة التي لا تتوانى لحظة على تقديم حياتها فداء للوطن وخاصة وقت الأزمات.
ويشير اللواء الرشيدي إلى أن دور المرأة لا يمكن تجاهله وخاصة في تنشئتها للأبناء على حب الوطن وهي أكبر قيمة إيجابية يمكن تقديمها وخاصة في الوقت الراهن، بجانب أمهات وزوجات الشهداء، فهي الأم والزوجة المضحية أيضا والتي دائما ما يقوم سيادة الرئيس بتكريمها والاحتفاء بها ومقابلتها تدعيما لدورها الكبير في تقديم أبنائهن فداء للوطن وشهداء من الجيش والشرطة، وهي الشهيدة التي قدمت نماذجا يحتذي بها في التضحية والفداء.
مدعاة للفخر
يتفق مع هذا الرأي اللواء تادرس قلدس، النائب البرلماني السابق عن أسيوط، ويقول: إن شهيدات الشرطة اللائي قدمن حياتهن فداء للوطن مدعاة للفخر ومحلا للتقدير، فهن الأم والأخت والزوجة التي تكمل الرسالة، حيث تقدم الأم ابنها شهيدا وهي مفتخرة بذلك رغم آلام الفقد، والزوجة تكمل مسيرة الزوج الشهيد لتحمل الراية من بعده في تربية الأبناء وتكمل المسيرة الطويلة لتقدم نماذجا محبة للوطن، لذا نقدم لها تعظيم سلام فهي صمام الأمان، لأن عندها العقيدة والثقة والإيمان في أن الابن أو الزوج أو الأخ في مكان أفضل وقام بتضحية ذات قيمة، لذا أتمنى المزيد من تكريم المرأة وتقديم هذه النماذج المشرفة في الأعمال الدرامية وإلقاء الدور على دورها العظيم في حياتنا وهذه الأمة، وأدعو الأدباء الذين يكتبون عن القصص العسكرية والفدائية أن يلقوا الضوء على دور المرأة كأم للشهيد وزوجة له أو شهيدة ويضعونها في المكانة التي تستحقها.
ساحة النقاش