بقلم : إقبال بركة
لقد حلت أسواق البراغيث عدة مشاكل وأراحت السكان من أشياء تزحم بيوتهم ولم يعودوا فى حاجة إليها
فى زيارتى الأولى للندن منذ سنوات بعيدة دعتنى صديقتى الإنجليزية يوم الأحد إلى سوق البراغيث، ولما سألتها عما تعنى أجابت: سوف ترين بنفسك. كانت مفاجأة مدهشة فالمكان رغم اتساعه يعج بالزائرين والأرصفة على الجانبين تكدست بالبضائع من كل نوع من الموبيليا إلى أدوات المطبخ والملابس والمجوهرات والإكسسوارات إلى التحف والخمور المعتقة، وإنتاج الفنانين والحرفيين، وأعشاب الطب البديل والبيع يخضع للفصال، فالبائعون هم أصحاب البضائع والبضائع مستعملة ولكنها بحالة جيدة وتفرش فوق صناديق وعلى شماعات، وقبل عرضها تعرض على رابطة تجار السوق لفرز الفاسد والمعطل وغير الصالح للبيع.. وهم يعلمون أنهم لو خدعوا الزبائن فلن يعودوا لزيارتهم بل قد يحذروا معارفهم من زيارة السوق. لذلك ازدهر السوق واتسع وتمدد فى الشوارع المحيطة بساحته، والسوق يجذب كل الفئات من كل الطبقات ولكنه أكثر إغراء للشباب المولعين بالمختلف والعريق والمميز، وكل سوق له مكان واحد وساعات محددة ليومين فقط بحيث يمكن للمشترى أن يتنقل بينهم طول الأسبوع، لاقت الفكرة نجاحا كبيرا فانتشرت أسواق أخرى فى لندن نفسها وأصبح لديهم أكثر من سوق براغيث فى أحياء متعددة، ثم أسواق براغيث فى عدة مدن أخرى وأشهرها الذى يقام يومى » ممر كامدن « وأرقاها سوق الأربعاء والسبت فى الصباح الباكر من السابعة إلى الثانية بعد الظهر، ويتخصص في الأصناف الراقية مثل التحف الزخرفية والفيكتورية وتباع فى حالة جودة استثنائية وحيث يخاطبك البائعون بقولهم “سيدي” أو “سيدتي” أمضينا يوما ممتعا نتجول فى سوق البراغيث وعدت من الجولة محملة بالهدايا الطريفة لأصدقائى وقد أغرانى سعر شال من الفراء الطبيعى وظرف وأدب البائعة الشابة فاشتريته وعدت به إلى مصر وأنا لا أصدق نفسى ولم ارتده سوى مرة واحدة من يومها.
سوق البراغيث ينتشر فى كل العواصم الأوروبية ولذلك أحرص على زيارته فى كل بلد أوروبى أمر به، وقيل إن البداية فى لندن كانت كشكا مرخصا من قبل شرطة سكوتلاند يارد لبيع البضائع المسروقة والتحف والمجوهرات، أما فى باريس فقد بدأ عام 1890 عندما منعت قوانين الصرف الصحي الباعة من بيع المواد المحتمل أن تحتوي على الحشرات داخل حدود المدينة واضطر الباعة إلى نقل نشاطهم إلى ضواحي المدينة واحتلوا مكانا كان نائيا فى البداية ولكنه أصبح مكتظا بالزبائن بعد أن ارتاح له أهل المدينة وتأكدوا من فوائده والفرق الكبير بين أسعار البيع فيه وفى خارجه ومازال سوق سيس سانت أوين يعمل إلى اليوم. لقد حلت أسواق البراغيث عدة مشاكل وأمدت الشباب المقبل على حياة جديدة ببضائع أسعارها فى متناول أيديهم والأهم من كل ذلك فتحت مجالا رائعا للسياحة والتريض، فى العصر الحالى أصبحت كل المجتمعات الحديثة متشابهة إلى حد بعيد وتواجه نفس المشاكل لذا يمكننا أن نطبق جميعا مثل هذه الأفكار فى مجتمعاتنا.
ساحة النقاش