كتب : عادل دياب

 

يعشن معنا بأفكارهن وأعمالهن العظيمة، فلا ننسى أن المصرية كانت قديما ملكة متوجة بينما العالم يعيش في الكهوف، وظلت حديثا في المقدمة تسبق غيرها بخطوات. إنهن نساء رائدات نتذكرهن ونفخر بهن.

[email protected]

 

هذه سيدة تحتل مكانة رفيعة في مجالها، إنها إحدى الرائدات المؤثرات في الثقافة المصرية والعربية الحديثة، تحديدا فيما يتعلق بالطعام وفنون الطهي، ولا يمكن لنا أن نتصور قيمة السيدة نظيرة نيقولا الشهيرة باسم “أبلة نظيرة” إلا إذا نسينا للحظات العصر الحالي الذي نعيش فيه، وعدنا بالزمن إلى عام 1941 عندما نشرت لأول مرة كتابها الموسوعي “أصول الطهي؛ النظري والعملي” والذي تم إعداده بالأساس ليكون دليلا إرشاديا لمدرسي مادة التدبير المنزلي المستقبليين بمشاركة سيدة أخرى جليلة اسمها بهية عثمان، لم تحظ للأسف بنفس شهرة نظيرة نيقولا.

في ذلك الوقت المبكر لم يكن متاحا للمصريات وللمرأة العربية بالتالي كل تلك البرامج المتخصصة في الطهي، التي نراها اليوم على مختلف الشاشات، ولم يكن متاحا كل تلك الوصفات في عالم المطبخ التي تنشرها متخصصات وغير متخصصات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كانت النساء لا تزال أغلبهن من ربات البيوت، ولم يكن متوفرا من وسائل الاتصال إلا الإذاعة، التي لم تكن تهتم بالمطبخ وثقافة الطعام كثيرا في ذلك الزمن، كان المصدر الوحيد للمعرفة في هذا العالم هو وصفات الجدات التي تنقلها الأمهات للبنات، وبعض المعارف التي تتحصل عليها القلائل من النساء بنات البيوت الكبيرة، حين يتاح لإحداهن السفر للدراسة في إحدى مدارس إنجلترا أو فرنسا المتخصصة في التدبير المنزلي.

ثم ظهرت أبلة نظيرة، فجعلت ثقافة المطبخ والطعام ثقافة عامة، وأصبح كتابها أصول الطهي، الذي اشتهر باسم كتاب أبلة نظيرة، وطبع أكثر من 12 طبعة فيما يقرب من ألف صفحة للنسخة، هدية قيمة لكل عروس ذات شأن، تقتنيها مع جهاز البيت، وتعتمد عليها بشكل كبير.

ساعدها على هذا الانتشار وهذه الشهرة برنامج إلى ربات البيوت في الإذاعة المصرية، ومجلة “حواء” التي أطلت عبر صفحاتها بوصفات ونصائح في فنون الطهي والمطبخ والطعام، تطورت مع الوقت من الأكلات العالمية الممصرة والأكلات الشعبية والتراثية إلى الوصفات العملية التي تناسب المرأة العاملة، التي أصبحت مع زيادة أعداد النساء في حقول العمل المختلفة، في حاجة ماسة لوصفات سريعة تلبي احتياجاتها وتناسب إيقاع العصر.

بدأت حكاية أبلة نظيرة، المولودة في 1902، مع الطهي عام 1926 حين قررت وزارة المعارف المصرية إرسال بعثات في كافة التخصصات لاستكمال الدراسة العلمية، كان من بين هذه التخصصات التدبير المنزلي، حينها كانت نظيرة نيقولا الشغوفة بفنون الطهي وثقافة الطعام تدرس التدبير المنزلي، وتم اختيارها من بين 14 فتاة للدراسة في جامعة جلوستربإنجلترا لمدة ثلاث سنوات، كانت الدراسة تتعلق بفنون الطهي وشغل الإبرة من بين علوم التدبير المنزلي، لتعود نظيرة من البعثة وتعمل مدرسة لمادة الثقافة النسوية، أو ما نعرفه بالتدبير المنزلي في مدرسة السنية للبنات، ولأنها كانت شغوفة بهذا الفن، فقد شجعت طالباتها على حب المطبخ بكل ما يتعلق به من فنون خاصة بالطعام وطرق التعامل معه وفنون تزيين المائدة. لقد اصبحت فنانة في مجالها، فاكتسبت حب تلميذاتها وزميلاتها، وتدرجت حتى أصبحت مفتشة عامة في وزارة التربية والتعليم في تخصصها.

كان من بين زميلات أبلة نظيرة سيدة جليلة أخرى اسمها بهية عثمان درست نفس التخصص لكن في كلية بريدج هاوس في العاصمة البريطانية، وشغلت وظيفة المفتشة العامة بوزارة المعارف، الصداقة بين السيدتين كانت سببا في أن تقررا الاشتراك معا في تأليف كتاب في الطهي، أعلنت وزارة المعارف مسابقة لتأليفه ليتم اعتماده منهجا دراسيا للفتيات الدارسات لعلم التدبير المنزلي، أو الثقافة النسوية. وكان كتاب “أصول الطهي” في 800 صفحة، والذي ظل يتطور مع كل طبعة جديدة، ليقدم في لغة عربية سلسة وبسيطة فنون المطبخ المصري والمطبخ الأوروبي والمطبخ العالمي حتى وصل إلى ما يقارب الألف صفحة.

خلال الفترة الممتدة ما بين 1941 و 1952 كتبت نظيرة نيقولا مالا يقل عن ستة كتب دراسية في فن الطبخ أو فنون الطعام، في موضوعات مختلفة، وفي عام 1973 كرمتها الدولة بميدالية تذكارية بمناسبة مرور مائة عام على بداية تعلم الفتيات في أول مدرسة حكومية افتتحت في مصر عام 1873، ولم تكن كتب أبلة نظيرة تكتفى بالوصفات فقط، لكنها قدمت النصائح “ففي كل طعام مطبوخ لابد أن تكون نكهة المادة الأساسية ظاهرة، ومهما كانت إمكانياتك فلابد أن تكون ألوان الطعام على المائدة متباينة، ومتعة العين جزء من متعة الطعام، ومهارة ربة البيت لا تتجلى فقط في الطهي ولكن في مهارات إعادة طهي ما تبقى من طهي سابق، وأدوات المرأة الأساسية إناء ونار، تخلي عن التعقيد في أدوات الطبخ، وإن كان ثمة شيء أهم من الإناء والنار في المطبخ فهو ساعة الحائط”.

وقد رحلت أبلة نظيرة عن عالمنا عام 1992 بعد أن تركت وراءها تراثا ضخما وفلسفة مميزة فيما يتعلق بثقافة الطعام وفنونه، ليس في مصر وحدها لكن في العالم العربي كله، حيث لاتزال موسوعتها وكتبها وأفكارها مرجعا مهما لكل دارس للمطبخ أو مهتم به.

المصدر: كتب : عادل دياب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 533 مشاهدة
نشرت فى 4 نوفمبر 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,919,224

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز