كتبت : سكينة السادات
قال لى الابن الدكتور عاطف (28 سنة) إننى من ينطبق عليه المثل المصرى القديم (يوضع سره فى أضعف خلقه)، فقد نلت بحمد الله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأصبح الجميع من حولى يشهدون نجاحي فى الدراسة وكان يشمل ابتكارات واحترامات وإتقانا كان يثلح صدور أسرتى، حتى أن والدى ووالدتي عاهدا الله سبحانه وتعالى على أن أتم تعليمى وأحصل على بكالوريوس الهندسة، وقد تحققت أمنيتى وأمنيتهما وصرت مهندسا محترما، هذا وعلى الرغم من أننى كنت قد أصبت وأنا فى سن الرابعة من عمرى بمرض شلل الأطفال الذى أصاب كل الناحية اليمنى من جسدى الضعيف، وتعبت أمى معى فقد كانت تهرع إلى أى طبيب يمكنه مساعدتي فى ذلك المرض اللعين الذى يكاد يختفى من بلادنا بعد الاهتمام بالتطعيم وتواجده فى مراكز التطعيم فى كل أنحاء البلاد والفضل يعود للرئيس السيسى.
***
استطرد الابن الدكتور عاطف نسيت أن أقول لك إننى من أسرة فقيرة، فوالدى ليس له مهنة معينة فقد نشأت لأجده يعمل بائعا فى محل (خردوات) مملوك لأحد أقاربه ولا يعمل أى شيء سوى التواجد فى المحل كل يوم من الساعة التاسعة صباحا حتى منتصف الليل، أما والدتى فهى تقوم بنفسها بكل الأعمال المنزلية من تنظيف وطبخ ورعاية لإخوتى الصغار فضلا عن قيامها باستذكار المحروس لهم، أمى فى المدارس حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة ورفضت أن تعمل بها، كما أنها كانت قد خطبت لعريس رفض أن تعمل زوجته خارج المنزل، وأكد أن ترعى بيتها وأولادها فقط، وأمى نشيطة وقارئة جيدة للجرائد والمجلات وأولهم مجلة حواء التى تحرص حتى الآن على قراءتها كل أسبوع، وهى التى طلبت منى أن أتصل بك، أما إخوتى فهم اثنان وهما يصغرانى بسنوات قليلة وكلنا ذكور وخريجى جامعات، وتمكنت أمى أن تحقق لنا المظهر الحسن والحياة المستورة!
***
واستطرد الدكتور عاطف.. كانت إصابتى بشلل الأطفال وأنا فى الرابعة كارثة محققة لأسرتى ولى أنا شخصيا، كانت كارثة نفسية شديدة الوطأة على طفل يريد أن يلعب مع أقرانه وكانت دموع أمى دائمة الانهمار.
وكانت دائماً تقول بيقين مستمد من وثوقها لعدالة الله سبحانه وتعالى: إن شاء الله يصبح متعلما، وسوف يحصل ابنى عاطف على دكتوراه فى الهندسة أو الطب حسب ما يختار هو بنفسه، وفعلا أتم الله سبحانه وتعالى نعمته على وبعد شهور ثلاثة سوف أحصل على شهادة الدكتوراه بإذن الله، أما نتيجة العلاج المكشف عنه هو عرج الدائم فى الرجل وضعف شديد فى اليد، وبالنسبة لى لم يكن يجرحنى إلا كلام عام مثل يقول أحد مثلا: الدكتور عاطف اللى بيعرج، وطبعا وأنا صغير السن كنا وما زلنا نذهب إلى النادى القريب من البيت، وأحيانا كان يبدأ الغرباء بمعايرتي بعرجى ويقولون يا أعرج، وكنت أتأثر كثيرا من ذلك، وعندما كبرت بعض الشيء وتفوقت فى الجامعة حمدت الله على فيض النعم التى أتمتع بها.
***
واستطرد الدكتور عاطف.. ونأتى إلى بيت القصيد أقصد حياتى الاجتماعية وعواطفى، كان (عرجى) يجعلنى ابتعد عن كل الغرباء إلا بعض أقربائى وجيرانى الذين ارتبطنا سويا منذ الطفولة، استمر الارتباط وكنا نلتقى الخميس والجمعة وفى الإجازات الرسمية كنا نقضى أوقاتا ممتعة!
وكانت مجموعة النادى تكبر يوما بعد يوم بين من التحقوا بها أبناء وبناتا من أولاد الذوات والثراء والمال ومن بينهم فتاة فى غاية الجمال والرقى فى المعاملة، ولم أحاول أن أقترب منها -كما قلت سابقا- وكانت هى التى تكلمنى وتهتم بى وتحرص على أن تجلس بجوارى، وكنت أحذر نفسى من الانفراد بها أو الدخول فى كلام عاطفى، وكان الجميع يعرفون اهتمامها بى وحرصها دائما على أن تشترك فى أى نشاط أقوم به، كنت أردد لنفسى رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، فهى بنت ذوات وأخوها محامى معروف بمجلس الشعب، فضلا عن عماتها وأعمامها، وأيضا الفارق بين الحى الذى أسكن فيه والحى الراقى الذى تعيش فيه، علاوة على أن لدى عاهة مستديمة وهى كل رجلى العرجاء وذراعى الذى لا أستطيع أن أحمل به كيلو من الفاكهة، حتى كان عيد ميلادها واشتريت بعض الزهور الجميلة وذهبت مع الشلة إلى الفيلا التى يمتلكها والدها، وكان فعلا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ كانت السماء تضيء لى مفاجأة، الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية.
ساحة النقاش