إشراف : منار السيد - أميرة إسماعيل سماح موسى هايدى زكى هدى إسماعيل أمانى ربيع
تحتفل مصر يوم 27 سبتمبر الجاري بمرور 200 عام على نشأة علم المصريات، الذي بدأ بفك رموز الكتابة المصرية القديمة على حجر رشيد على يد العالم الفرنسي شامبليون، لذا تستعرض "حواء" تاريخ علم المصريات ومراحل تطوره، وتسلط الضوء على بعض المتاحف المغمورة، وتستكشف أحدث التطورات في المتاحف المصرية المختلفة.
فى البداية يوضح كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار د. مجدي شاكر أنه حتى عام 1799 لم يكن أحديعرف أي شيء عن الحضارة المصرية القديمة، حتى قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 التي يعتبر دخولها البلاد تمهيدًا لنشأة هذا العلم، فبجانب الطابع الاستعماري للحملة، كان هناك طابعًا ثقافيًا،حيث جلبت معها نحو 160 عالم في كل المجالات، وساهمت اكتشاف الحضارة المصرية القديمة في نهضة أوروبا في القرن التاسع عشر.
ويقول شاكر: في عام 1799 عثرفي البحيرة المجاورة لقلعة رشيد على حجر محفور عليه بكتابة لم يفهمها أحد، أخذ مينو قائد الحملة الحجر للمجمع العلمي في بيت السناري بمنطقة السيدة زينب، وبعد هزيمة الفرنسيين عام 1801 طلبت بريطانيا كل ما أخذه الفرنسيون من مصر، وانتهى المطاف بالحجر في المتحف البريطاني بلندن، لكن الفرنسيون كانوا قد أخذوا نسخة من الحجر وقعت في يد شامبليون الذي استخدم مهارته في اللغة القبطية التي تعلمها على يد راهب مصري يدعى حنا في فك رموز الحجر المكتوب بثلاث لغات مختلفة هي الهيروغليفية والهيراطيقية واليونانية.
4 نسخ بالمتحف المصري
كان الحجر أشبه بمنشور يشكر خلاله المصريون الملك بطليموس الخامس على تخفيضه للضرائب ويعود إلى عام 196 قبل الميلاد، وكان موجودا في معبد منف، وكتبت منه أكثر من نسخة، منها 4 نسخ موجودة بالمتحف المصري، بحسب كبير الأثريين، وفي عام 1822 توصل شامبليون لفك رموز الحجر بعدما لاحظ أن أسماء الملوك توضع في شكل خرطوش وبدأ في مقارنة الأحرف حتى فهم المكتوب، ثم ذهب بالحجر إلى الأكاديمية الفرنسية، وجاء إلى مصر وأهداه محمد علي مسلة الكونكورد الشهيرة.
فتح هذا الاكتشاف الباب لنشأة علم المصريات، وبدأت البعثات تتوافد بغزارة على مصر من أوروبا لاستكشاف الآثار المصرية وسرقتها وتهريبها، وفي عام 1832 بدأت جامعة السوربون الفرنسية في تدريس علم المصريات لأول مرة.
ويوضح د. شاكر، أنه قبل شامبليون كانت هناك عدة محاولات لفك رموز اللغة المصرية القديمة على يد البريطاني توماس يونج ورجل عراقي يدعى ابن وحشية، وأنشأ الخديوي إسماعيل مدرسة اللسان المصري عام 1869 لدراسة الآثار والمصريات، لكن البريطانيون أوقفوا المدرسة التي لم يتخرج منها سوى دفعة واحدة كان أبرز طلابها أحمد كمال باشارائد المدرسة المصرية في الدراسات الأثرية، وظلت دراسة علم المصريات قاصرة على الفرنسيين والبريطانيين، وكان رئيس لجنة الآثار دومًا إنجليزي، بينما مدير المتحف المصري فرنسي، لكن تغير الوضع بعد قيام ثورة يوليو عام 1952، وفي عام 1957 أصبحمصطفى عامر أول مدير مصري لمصلحة الآثار.
تمصير البعثات الأثرية
خلال حقبة الخمسينيات، بدأت دفعة جديدة من المصريين في دراسة علم المصريات، منهم سليم حسن وأحمد فخري وكمال مختار، ولم توجد كلية آثار في مصر حتى منتصف السبعينيات، لكن ظل للأجانب السيطرة على الدراسات الأثرية والبعثات واكتشاف الحفريات وهو ما تغير تدريجيا وأصبحت هناك أسماء مصرية شهيرة مثل الدكتور زاهي حواس.
ويتابع شاكر: مع اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بإعادة تقديم تاريخ الحضارة المصرية القديمة بالشكل اللائق، وشروعه في تمصير البعثات الاستكشافية بالكامل مثل بعثتي سقارة والأقصر اللتين توصلتا لكشوفات مهمة، توجد اليوم العديد من المراجع بأسماء مصريين مثل لبيب حبشي وكمال الملاخ صاحب كشف مراكب الشمس.
متاحف مغمورة
خلفت الحضارة المصرية عبر عصورها المختلفة العديد من الكنوز التي تؤرخ لمحطاتها المهمة وتنوعها الفريد من الحضارة المصرية القديمة إلى الحضارة اليونانية والرومانية ثم القبطية والإسلامية، وتزخر المتاحف المصرية بآلاف المقتنيات النادرة الشاهدة على هذه الحضارة، لكن ظل المتحف المصري لعقود متصدرًا المشهد الأثري والسياحي، وبعده المتحف القومي للحضارة الذي افتتح العام الماضي، لكن بخلافهما يوجد العديد من متاحف الفنون والشخصيات العامة وغيرها من المتاحف المغمورة التي لا يسلط عليها الضوء كثيرًا رغم مقتنياتها المهمة، ونسلط الضوء على خمسة منها:
متحف الشمع
افتتح متحف الشمع عام 1937، وصنع الفنان المصري جورج عبدالملكتماثيله التي توثق لحقب ومراحل مهمة في التاريخ المصري، بخلاف رسمه لوحات تصور لحظات تاريخية شهيرة، وتروي هذه التماثيل التي تصل إلى 116 تمثالًا، واللوحات التي تصل إلى 26 لوحة، التاريخ المصري بتنوعه من عهد الفراعنة إلى عصر صلاح الدين الأيوبي، والدولة الفاطمية، وحتى قيام ثورة يوليو، بخلاف توثيق الفنون الشعبية المصرية المختلفة.
المتحف الجيولوجي
يضم المتحف الجيولوجي الذي فتح أبوابه لأول مرة عام 1904، آلاف العينات النادرة التي تؤرخ لطبيعة مصر الجيولوجية على مدار قرون، ويحتل مكانة عالمية مرموقة نظرا لمقتنياته النادرة التي تصل لأكثر من 50 ألف قطعة حفريات وصخور ومعادن وأحجار كريمة، كما يضم كتاب "اكتشاف منابع النيل" الذي يعود إلى عام 1790 وكتاب وصف مصر، وبه 3 قاعات عرض تضم حفريات لحيوانات انقرضت قبل ملايين السنين، بالإضافة إلى عينات من النيازك التي عثر عليها بقنا والبحيرة، وأقدم خريطة لمنجم ذهب رسمها المصريون القدماء.
متحف سكك حديد مصر
من المتاحف المغمورة أيضًا متحف سكك حديد مصر الذي افتتح عام 1933، ويوثق لتاريخ القطارات في مصر على مدار أكثر من 160 عامًا، حيث تعتبر سكك حديد مصر التي تأسست عام 1854، ثاني أقدم محطات سكك الحديد في العالم بعد بريطانيا والأولى في أفريقيا والشرق الأوسط، ويضم المتحف مقتنيات نادرة تصل لـ 700 نموذج من مراكب وقطارات ومخطوطات ووثائق وخرائط.
ومن مقتنياته النادرة، مركب منقرع الذي يرجع تاريخه لنحو 2000 سنة قبل الميلاد، وأول قطار دخل مصر عام 1855، والمخطوط الأصلي لعقد إنشاء أول خط سكة حديد بين القاهرة والإسكندرية، والقطار الذي أهدته فرنسا في عام 1862 إلى الخديوي سعيد.
متحف الفن الإسلامي
افتتح المتحف الذي يوجد بمنطقة باب الخلق في القاهرة في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1903 بهدف تجميع الوثائق والمخطوطات والمقتنيات التي تجسد الفنون الإسلامية في العصور المختلفة ومن عدة دول مثل مصر والشام والهند والصين وإيران وغيرها، ويصل عدد مقتنياته لأكثر من 4 آلاف تحفة، متنوعة بين أسلحة ومخطوطات وأحجار كريمة وغيرها.
متحف الجمعية الجغرافية المصرية
تأسس متحف الجمعية الجغرافي المصرية عام 1875 للتشجيع على استكشاف أقاليم مصر وأفريقيا، ويضم خرائط ومقتنيات تعود للقرن الثامن عشر وحتى بدايات القرن العشرين، تستعرض بعضها التقاليد المصرية القديمة وأساليب تدخين المصريين، والألعاب الشعبية التي مارسوها في الشوارع قديما، وعادت الزواج ونموذج لهودج العروس ليلة الزفاف وعدة الحلاقين المتجولين، وتوثيق لملابس المصريين في الأقاليم المختلفة منذ بدايات القرن 18، بخلاف قاعة لتوثيق تاريخ قناة السويس ومراحل العمل فيها تضم خرائط ومجسمات، ونسخ نادرة من كتب مصرية قديمة بعضها يعود للقرن السادس عشر، بخلاف إحصائيات لتعداد السكان في مصر في عصور مختلفة وخرائط بخط اليد.
تطوير المتاحف
يوضح مؤمن عثمان،مدير قطاع المتاحف بوزارة السياحة والآثار أن المتاحف المصرية تشهد تطورًا كبيرًا في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأن المتاحف التي يراها البعض مهمشة أو مغمورة، غير تابعة لوزارة السياحة والآثار وإنما لوزارات أخرى، لافتا إلى أن قطاع المتاحف يشرف على نحو 40 متحفا منها المتحف المصري الكبير والحضارة، وتوجد العديدمن المتاحف قيد التطوير مثل المتحف اليوناني الرومانيالمغلق منذ عام 2005 والمقرر افتتاحهفي نهاية 2022، وهو مخطط على مستوى عالمي من ناحية أساليب العرض، والخدمات والأنشطة المقدمة للمجتمع المدني المحيط به.
أكبر متاحف الصعيد
تشهد المتاحف الإقليمية بالمحافظات تقدمًا ملحوظًا،حيث انتهى إنشاء المتحف الآتوني أو "إخناتون" في المنيا على مساحة ضخمة والذي سيصبح أهم متاحف الصعيد، ومتحف كوم أوشيم في الفيوم الذي سيصبح متحف الفيوم القومي، وسيتم تطوير المنطقة الأثرية المحيطة به وبيت القنصل البريطاني ليصبح مجمعًا كبيرًا ومزارًا مهما.
ويشير عثمان إلى أن المتاحف في الماضي كانت مجرد مكان لحفظ كنوز الأجداد لكن اليوم تغير ذلك، فبخلاف زيارات السياح والمواطنينأصبحت المتاحف منارة ثقافية توجد بها أنشطة تعليمية وتوعوية خاصة للأطفال لما تقدمه لهم من تاريخ بصورة مبسطة عبر مادة فيلمية متخصصة، منها المعد لأصحاب الهمم وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما سيتم تعميمه على جميع المتاحف.
<!--كوادر شابة
يقول مدير قطاع المتاحف أنهم يعملون على ربط المتاحف بالمجتمع المحيط مثلًا متحف سوهاج تواصل مع الأديرة المسيحية والكنائس واستعار منها أيقونات لإقامة معرض مؤقت، وفي إطار الاحتفاء بمسار العائلة المقدسة أقيم معرض أيضًا في متحف تل بسطة بالزقازيق، كما سلط متحف الإسكندرية القومي الضوء على الآثار الغارقة وأهميتها في حديقة المتحف، وكل ذلك بجهود شباب وكوادر، حيث يحرص القطاع على إعداد كوادر شابة، ونحو 70% من مديري المتاحف اليوم من الشباب.
ساحة النقاش