تحقيق: سمر عيد
أثناء رحلة تربية الأبناء تواجه الأم عقبات ومشكلات كثيرة خاصة عند التحاقهم بالمدرسة، وتختلف هذه المشكلات تبعا للمرحلة العمرية لدى كل طفل، وباختلاف البيئة والمكان والمدرسة التي يلتحق بها الطفل، فكيف يمكن مواجهة تلك المشكلات وحلها بشكل يحافظ على شخصية الابن ونفسيته؟
فى السطور التالية نستعرض أهم المشكلات التي يمكن أن تواجه طفلك بالمدرسة وكيفية التصدي لها.
البداية مع سلمى مصطفى، أخصائية اجتماعية بإحدى المدارس التجريبية والتي حدثتنا قائلة: عانت ابنتي التنمر بالمدرسة منذ صغرها؛ فهي قصيرة القامة، وضعيفة البنية، وهذا أدى إلى تعرضها للضرب والاستهزاء من زميلاتها بالمدرسة منذ صغرها، وقد تعاملت مع هذه المشكلة بتشجيعها على التفوق الدراسي، وأكدت لها أنه سيجعل كل الناس تحترمها بغض النظر عن بنيتها الجسدية، وبالفعل نجحت في استعادة ثقتها بنفسها.
"من قال إن الثعابين والعقارب السامة هي التي تتسبب في تسميم وقتل الشخص وحدها، الحقيقة أن هناك أشخاصا أشد خطورة من تلك الكائنات على أبنائنا" هكذا بدأت سارة محمد، ربة منزل حديثها معنا، واستطردت: رغم تربيتى لابنى على الأخلاق وتعاليم الدين إلا أنه تعرف على أصدقاء غير أسوياء أفسدوا أخلاقه وجعلوه أكثر عنفا، وفي أحد الأيام ضرب أحد زملائه فتم طرده من المدرسة لكني قمت بإشراكه في رياضة "الجودو" حتى يخرج طاقته العنيفة وقدمت له في مدرسة أخرى بعيدا عن رفاق السوء.
وتقول رانيا أمجد، معلمة لغة عربية بإحدى المدارس الخاصة: التقليد الأعمى والتفاخر يسبب مشكلات نفسية لدى الاطفال والمراهقين، فقد أصبحت مدارسنا مع الأسف بيئة خصبة للتفاخر بالطعام والشراب وأنواع المحمول الفخمة وسماعات الأذن، وهذا كله يؤدي إلى مقارنة الطفل نفسه بالآخرين بل وشعور البعض بالنقص، لذا من المهم جدا أن تتوخى إدارة كل مدرسة الحذر من تباهي المراهقين وتقليدهم الأعمى لبعضهم البعض، والتأكيد على عدم اصطحاب المحمول والالتزام بالزي المدرسي حتى لا يشعر أي طفل أو مراهق أنه أقل من الآخرين، وحتى لا يهلك الطفل أهله بطلبات غير مهمة كي يحاكي أقرانه.
روشتة علاج
تقدم د. ريهام عبدالرحمن، استشاري نفسي وأسري روشتة علاج لحل أغلب المشكلات التى يعانيها الطلاب بالمدارس قائلة: التنمر بالمدرسة علاجه أن أحيط الطفل بمجموعة من الأصدقاء، وألا يظل وحيدا، ومن المهم ألا تتنمر الأم أو الأب عليه أو يقارنان مستوى نجاحه واستيعابه بمن حوله، وعلى كل الأمهات أن تعلم أبناءها التصدي للمتنمرين إما بشكواهم لإدارة المدرسة أو بالرد عليهم دون عنف، مع ضرورة تعزيز ثقته بنفسه من خلال ممارسة الأنشطة البدنية والفنية وحفظ القران الكريم والمدح الإيجابي له من الأسرة، وتعليمه منذ صغره حدوده الشخصية وعدم السماح للآخرين بالتعدي على جسده أو ممتلكاته أو كرامته، كما أن تعنيف الطالب أو ضربه أو إهانته بالمدرسة سواء من قبل تلميذ مثله قد يصيبه بعقدة نفسية من التعليم وكراهيته للذهاب إلى المدرسة، لذا لابد من عمل جسر تواصل مع المدرسة واختيار مدرسة مناسبة لبيئة الطفل الأسرية.
وتتابع: أما عن مشكلة الغيرة فأعتقد أن الأسرة هي المسئولة عن شعور الطفل بالنقص بين أقرانه لأنني عندما أقول لطفلي زميلك أفضل منك أولد لديه الغيرة والتى قد يعبر عنها بالضرب أو الصراخ أو مقاطعة الأخ أو الأخت الأفضل منه، ومن ناحية مشكلة الحب والإعجاب بين الطلاب والطالبات فعلى كل الآباء والأمهات إدراك فترة المراهقة لدى كل من الأبناء، وملء المساحة الفارغة لدى كل منهما؛ فبدلا من سماع كلمات المدح والإطراء من أشخاص آخرين بالمدرسة لابد أن يسمعها كل من الولد والبنت في المنزل، ومن الضروري توعية المراهق أن هذه المشاعر غير ثابتة، وأنها ستتغير وأنها مرحلة مؤقتة، وأنصح الأمهات بالتحدث بحرية مع الفتيات في مثل هذه السن لتعطي كل أم ابنتها النصيحة الجيدة بدلا من أن تبحث عنها من إحدى زميلاتها التى تفتقر إلى الخبرة والحكمة.
علاج المجتمع
ترى د. عزة فتحي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن المجتمع بحد ذاته الآن بحاجة إلى روشتة علاج، وتقول: نحن أصبحنا مجتمعا استهلاكيا بالدرجة الأولى، ويميل للاستعراض، وهذا بدأ منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وانتشرت أفلام المقاولات التي ركزت على إظهار مظاهر الثراء الفاحش، وروجت لزواج المصالح، ولم توجه سلوك أبنائنا إلى الحفاظ على القيم والمبادئ، ولم تقدم الدراما إلا صورة البطل الغني أو البطل البلطجي فتفاعل الأطفال مع هذه النماذج وأصبحوا يرون ألا قيمة لأي شخص إلا بما يمتلكه من مال ومظاهر بهرجة كاذبة، وتولد لديهم أيضا أن الشخص البلطجي هو من يكسب في النهاية ويخشاه الجميع، والحقيقة أنا أرى أن العلاج الأمثل هو الاهتمام بمؤسسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة يليها المدرسة، وعلى الأسرة والمدرسة متابعة سلوك الطفل أولا بأول، وملاحظة ما يطرأ على نفسيته من حزن وفرح وغضب وسعادة، أيضا أنصح بعدم إلقاء اللوم على الطفل وحده أو على الآخرين وحدهم، وأدعو برامج المرأة بالتلفاز المصري وبالصحافة والإذاعة بالاهتمام بمثل هذه المشكلات وتقديم النصائح من خلال متخصصين في علم نفس الطفل ومن خلال استشاريين أسريين وتربويين لعلاج أي سلوك غير سوي قبل أن يتفاقم ويصبح كارثة فيما بعد.
فروق فردية
يوضح د. محمد فتح الله، أستاذ القياس والتقويم التربوي أن تدريب المعلمين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين على التصدي لسلوكيات غريبة كالتنمر يفيد جدا في القضاء عليها، وسيكون دور المعلم والأخصائي الاجتماعي هو عمل أنشطة طلابية تكسر الحواجز والفروق بين الطلاب، ويرى أن الأهل أحيانا يتسببون في كثير من المشكلات النفسية لدى الطالب بمقارنته بالآخرين، لذا يجب معرفة أن كل إنسان حالة فردية تختلف عن غيرها، مع ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب، حتى لا يصاب الطالب بالإحباط ويفشل حتى في المواد التي نجح وتفوق فيها.
ويقول د. فتح الله: الملل من المذاكرة من المشاكل الشائعة بين الطلاب ويمكن حل هذه المشكلة بتنظيم الوقت ووضع خطة لإدارته، وألا نجعل كل الوقت للاستذكار فمن حق الطالب أن يتنزه وأن يرفه عن نفسه وأن يحصل على الراحة والنوم، كذلك من المهم غرس بوصلة داخل كل الطلاب حتى ينتقي الطالب ما ينفعه ويترك ما يضره دون تعنيف أو تهديد من الأهل أو تخويف أو مراقبة طيلة الوقت، مع أهمية تعليم أطفالنا الترشيد الحقيقي في كل شيء، وتشجيعه على المشاركة فى الأنشطة المدرسية والتى من شأنها أن تحببه في المدرسة والمدرسين.
ساحة النقاش