شاهدت فى التليفزيون مسرحية الايطالى (البروتومورافيا) و المسرحية من نوع جديد، فنحن نرى رجلا يوجه لنفسه سؤالا و يحاول عبثا أن يجيب عنه. أما السؤال فهو؛ لم هجرته زوجته؟ و يحاول أن يسترجع أحداث اليوم الذى هجرته فيه زوجته،و يستعرض حياته معها ليجد تفسيرا لسلوكها الذى لا يستطيع أن يفهمه..
و من خلال استرجاع هذه الذكريات، و استعراض حياتهما المشتركة، نفهم نحن،ولا يفهم هو، لم هجرته زوجته. و الواقع أن مأساة الزوج لا تكمن فى هجر زوجته له بل فى عدم أستطاعته أن يفهم لم هجرته زوجته.. و ما أكثر أمثاله من الازواج فى مجتمعنا! و ما أكثر من لا يستطيعون أن يفهموا ايضا!
و المشكلة التى تعرض لها القصة، مشكلة دقيقة رقيقة للغاية. فنحن تجاه أسلوب للحياة لاتطيقة المرأة، أسلوب قد تحتمله على مرارة لانها لا تستطيع أن تحدد شكواها،و أن تضع هذه الشكوى بصورة يفهمها الجميع و يتفق عليها الجميع. فاذا شكت المرأة مثلا من أن زوجها يخونها، أو يسئ معاملتها، أو يمتنع عن الانفاق عليها، فهم الجميع شكواها،و اتفقوا على أنها لا تستطيع الاستمرار مع مثل هذا الرجل. أما أذا شكت من زوج يبدو من لا يعاشره زوجا مثاليا، فلن يفهم أحد شكواها،و لذلك فهى عادة لا تشكو، تكتم شكواها حتى تنفر و تهجر بيت الزوجية فجاة هكذا بلا انذار.
و الزوج يبدو لنفسه فى هذه القصة مثاليا،و هو لا يستطيع أن يفهم شكوى زوجته لانها شكوى من ذلك النوع الذى لا يدركه سوى انسان رقيق الحس،و هو قطعا غير رقيق الحس.
فالزوج هنا كقطار السكة الحديد، لابد أن يسير على شريط،و هو يسير على هذا الشريط فى روتينية تقتل كل العواطف الانسانية،و هو فى أقصى حالات حبه أو غضبة أو انفعاله، ينظر فيرى مفرش السفرة معوجا فيتلاشى حبه أو غضبه أو أنفعاله، و تصبح الحقيقة الوحيدة و الرغبة الوحيدة فى حياته هى أن يعدل من وضع المفرش.
و هو كامثاله فى الحياة دائم التأنيب لزوجته على مفرش مموج أو صورة منحرفة بعض الشئ أو مقعد أسقط عليه ضيف قطرة ماء.. و هو مثل ذلك الزوج المجنون بالنظام الذى ظل يعبر زوجته لانها لاتستطيع أن تنسق الزهور مثلما تفعل أمه، و ظل ينتقد كل تصرف من تصرفاتها فى المطبخ و فى ترتيب شئون البيت حتى انفصلت عنه.
و الزوج الذى يبدو لنفسه مثاليا فى القصة، لا يدرك كما لا يدرك الكثير من أمثاله فى الحياة أن الزوجة تريد من زوجها أن يمنحها بعض الوقت لا كل الوقت، و أنها تسعى الى رفقته و لكنها تفضل الانفراد بنفسها أحيانا،و انها تحب أن يصحبه فى زياراتها، و لكنها تفضل أن تزور أمها أحيانا بمفردها،و هى تفرح اذا ما اشترى لها زوجها شيئا، و لكنها أحيانا ترغب فى أن تشترى حاجتها بنفسها، و أن تختار لون الاحمر الذى تصبغ به شفتيها.
و هذا الزوج و أمثاله لا يدركون الكثير، و مأساتهم، و مأساة من يعيش معهم، فى أنهم لا يدركون.
المصدر: د.لطيفة الزيات - مجلة حواء
نشرت فى 27 نوفمبر 2010
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,903,350
الصور المختارة
مقالات مختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش