لكى نلمس التقدم الضخم الذى احرزته حواء عام1964، لابد من عودة الى الوراء.. فى أوائل القرن الحالى كان خروج الفتاة من دارها أمرا مكروها،و زعم الرجعيون أنه مخالف لاحكام الشريعة.. و فتنة يحب محاربتها، حتى لا تتردى المرأة المصرية فى الضلال).و عندما حصلت نبوية موسى على الابتدائية، منذ نصف قرن، كانت أعجوبة عصرها.. و أغلقت فى وجهها بعد ذلك أبواب (مدرسة الحقوق).. (لان و قوف المرأة أمام المحكمة فضيحة لايقرها الشرع.

    و بقية معالم الصورة ترسم خطوطها الدكتورة حكمت أبو زيد، وزيرة الشئون الاجتماعية، فتقول: (منذ حلول العقد الثالث من القرن العشرين، بدأت المرأة الحضرية تعيش معركة التحدى و الصراع من أجل تحطيم أغلالها..و فترة التحدى و الصراع استغرقت كفاح المرأة من عهد قاسم أمين، حتى ما بعد ثورة سنة 1919، حتى كانت ثورة 1952، التى قدمت للمرأة المصرية ثمار تحديها و صراعها مع الرواسب و التقاليد التى زيفها المستعمر على مجتمعنا الذى مارس التعاون المثمر بين الرجل و المرأة على مر العصور)

    و اليك هذه الصورة البسيطة من صور الصراع.. فى أواخر سنة 1950 شهد مجلس الدولة أول قضية من نوعها، رفعتها الأستاذة عائشة راتب – المعيدة بكلية الحقوق حينئذ – ضد المجلس، تطالبه فيها بحقها فى أن تعين فى مناصبه.. أسوة بزملائها من الرجال.و كانت عائشة راتب قد تقدمت لوظائف المجلس الخالية، فأختبرت ضمن 30رجلا، فعاد المجلس و عدل فى اختياره على أساس ترتيب أولوية الخريجين و مرة أخرى كان طلب عائشة راتب ضالطلبات المقبولة ودعيت عائشة لاداء الامتحان، فأدته بتفوق.. و مع ذلك أستبعدها المجلس،و أفهمها أن تعيينها (مستحيل) لانه لا يتفق مع السياسة العامة.

    و دخل (الاتحاد النسائى) طرفا فى الدعوى ليعرف الرأى العام الخارجى و الداخلى، أن النساء المصريات يقمن بأعمال إيجابية للحصول على حقوقهن،و أنهن خرجن من دائرة الشكوى و الاحتجاج، الى ميدان العمل...
    و دفع محامى عائشة راتب بأن رفض التعيين تصف فى استعمال السلطة،و مع ذلك أجلت القضية.. و نامت!

    و فى سنة 1964 رفعت الاستاذة كريمة على حسين دعوى مماثلة ضد وزارة العدل، بعد رفض طلبها الالتحاق بسلك القضاء... و فى هذه المرة لم يكن الامر مستحيلا، بل قال وزير العدل: (أن دخول المرأة سلك القضاء أصبح ضرورة يحتمها التطور الطبيعى و التاريخى لوضع المرأة فى المجتمع، فقد دخلت المرأة كل مجالات العمل،و أثبتت كفاءة تدعو الى الاعجاب لماذا لم يعد الامر مستحيلا؟

   لان الميثاق الوطنى، الذى يمد بحق وثيقة تحرير المرأة، قال بالنص: (أن المرأة لا بد أن تتساوى مع الرجل،ولا بد أن تسقط بقايا الاغلال التى تعوق حركتها الحرة، حتى تستطيع أن تشارك بعمق و إيجابية فى صنع الحياة،

    و الدستور صريح.. المادة8 تقول: (تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المصريين)
    و المادة24 تقول: (المصريون لدى القانون سواء. و هم متساوون فى الحقوق و الواجبات العامة.. لا تمييو بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة)

مرحلة الانطلاق:
    لقد دخلت المرأة العربية سنة 1964 مرحلة الانطلاق العظيم،و استطاعت أن تحقق الكثير من الانتصارات فى مختلف الميادين!
•    فى انتخابات مجلس الامة التى أجريت فى 10مارس الماضى، فازت ثمانى نائيات.. منهن وكيلة المجلس السيدة مفيدة عبد الرحمن.
•    فى الاتحاد الاشتراكى العربى نصف مليون أمرأة.
•    فى قائمة الاوائل لسنة 1964 أول دبلوماسية،و أول عاملة بناء سفن،و أول واعظة،و أول رائدة ريفية،و أول رئيسة جمعية تعاونية،و أول ممثلة فى لجان الامم المتحدة،و أول عضو مجلس محافظة،و أول رئيسة نيابة.
•    فى جامعاتنا عميدتان،و أستاذة و 12أستاذة مساعدة،و 94معيدة،و 61مدرسة.. و تخرج فيها 561طبيبة و صيدلية،و 414اخصائية علوم،و 33 اخصائية زراعةو 19مهندسة،و 209حقوقية،و 818 خريجة تجارة،و 5980ممرضة،و 1500حكيمة.
•    آخر احصاء يقول أن فى الجمهورية 668و212موظفة و عاملة... فضلا عن ستة ملايين عاملة زراعية، أى حوالى 40%من القوى العاملة

    و رغم أن المرأة تشترك فى تشكيلات الحرس الوطنى،و تتلقى التربية العسكرية فى المدارس و تلتحق بمدرسة الخدمات الطبية فى الجيش و تصبح عضوا عاملا فى القوات المسلحة برتية ملازم.. فان الدكتورة حكمت أبو زيد، فى مؤتمر صحفى عقدته فى 6ديسمبر الماضى، اقترحت تطبيق الخدمة العسكرية على المرأة (مايطبق على الرجال فى مجال الخدمة العامة يجب أن يطبق على النساء، ليصبح اعتمادنا على جميع أفراد الشعب)

و كان هذا آخر معقل للرجال تقتحمه النساء.

مشاكل الانطلاق:
    و قد تميز عام الانطلاق العظيم بمشاكل هذه المرحلة التى عبرت عنها السيدة أمينة السميد بقولها: (أن المرأة التى تمارس حريتها تعانى مشاكل مرحلة التطور.. ولا بد أن تلاقى بعض الصعوبات).

    و لمواجهة هذه المرحلة تقول وزيرة الشئون: (يجب أن تعرف كل امرأة أن المساواة لاتمنح دائما تؤخذ و تمارس. فالمساواة ليست مجرد فكرة نتغنى بها.. و فى رأيى أن المرأة مازالت فى حاجة الى مزيد من التحدى المثمر فى سبيل تقدمها.. حقيقة أن الابواب مفتوحة على مصاريعها للمرأة. و لكن مايزال أمامها أن تقاوم الرواسب الاجتماعية القديمة، فان مجتمعنا لم يصل بعد الى النضوج الاجتماعى الذى يطبق مبدأ المساواة بسهولة .. أن المرأة يجب ألا تكف عن الالحاح، حتى تصل الى أعلى المستويات فى ميادين العمل المختلفة و حتى تكون جديرة بحق المساواة)

    فى مرحلة التطبيق برزت مشاكل تطل برأسها فى عناد و تحد، مشاكل معقدة صعبة تلح فى طلب الحلول،و يمكن تلخيص هذه المشاكل فى مجموعتين!
•    مشاكل العاملة الام.
•    التحاليل على مبدأ تكافؤ الفرص بالمظهرية و التشكلية و سياسة (الفترينات)

مشاكل الأم العاملة :
    و تتبلور مجموعة المشاكل الاولى فى سؤال واحد: (من يرعى الاطفال؟.. ان علماء النفس يقولون أنه لا غنى عن حنان الام و عنايتها لتكوين مجتمع سليم عقليا و بدئيا،و الام العاملة تغادر صغارها فى الصباح لتعود اليهم عند الظهر مرهقة متعبة، تخلع ملابس العمل، لترتدى ملابس العمل الجديد؛ البيت و الزوج و الاولاد... و فى حين يعود الرجل من عمله ليتناول طعامه و يستريح، تعود الزوجة من عمل لتبدأ عملا آخر)

    و فى استفتاء أجرته الشئون الاجتماعية قبل انعقاد مؤتمر المرأة العاملة، بين النساء العاملات و رجال الاعمال، ظهر أن أسباب هبوط مستوى عمل المرأة عن عما الرجل إنما يرجع الى:
    رعاية الاطفال فى 15مؤسـسة
    رعاية الاطفال و العمل المنزلى فى 11مؤسـسة
    رعاية الزوج و الاطفال و العمل المنزلى فى 16مؤسـسة

    و هكذا فان العبء الذى يلقى على كاهل المرأة العاملة بعد الزواج هو الذى يهبط بمستواها. أن القوانين تلزم كل مؤسـسة بأنشاء دار حضانة اذا تجاوز عدد عاملاتهما مائة عاملة. و تلزمها بعدم تشغيلهن فى الاعمال المرهقة أو الضارة صحيا أو أخلاقيا ولا تجيز تشغيلهن من الثامنة مساء الى السابعة صباحا. و تلزم بمنح الموظفة اجازة وضع لمدة شهر كامل بمرتب،و العاملة 50يوما نظير 70%من أجرها، فضلا عن فترتى راحة لمدة نصف ساعة لارضاع طفلها،و لكن الكثير من الشركات يتحايل للتخلص من هذه المسئوليات فيقف بعدد موظفاته عند الرقم 9!.

    و لقد عقد مؤتمر للمرأة العاملة فى نوفمبر الماضى،و أصدر 45توصية موضوعية تحقق للمرأة العاملة كل ما تتطلع اليه. و عملت بعض الوزارات على تنفيذ التوصيات،و لكن أكثر الوزارات كان سلبيا و لم ينفذ شيئا.

    لذلك تنوى النقابيات عقد مؤتمر لهن على مستوى الجمهورية، تمثل فيه جميع العاملات – صاحبات المشاكل – ليضمن توصيات جديدة يتأبعنها بعناية.

    و قد عقد مؤتمر الاسرة خلال الشهر الماضى،و أصدره 53توصية، أهمها انشاء مجلس أعلى لتنظيم الاسرة،و رفع سن الزواج: للفتى 21سنة و للفتاة18،و انشاء منظمة نسائية على مستوى الدول العربية،و ضرورة وضع خطة لميزانية الاسرة،و مساواة الرجل بالمرأة فى طلب الطلاق و حق التعويض،و رفع سن الحضانة: الاولاد12سنة و للبنات 14سنة.

    و قد انتهت لجنة الاحوال الشخصية فى الاسبوع الاخير من اكتوبر من مراجعة قوانين الزواج و الطلاق و حق التعويض،و بدأت فى بحث قانون الحضانة و الضم،و كان رأى اللجنة فى المسائل الرئيسية كمايلى:
•    الطلاق: لا يتم الا أمام القاضى،و بعد استنفاد جميع وسائل التوفيق بين الزوجين فاذا تم برغبة الزوج كان من حق الزوجة نفقة سنتين،و إذا تم برغبة الزوجة سقط حقها فى التعويض.
•    تعدد الزوجات: الغاء التعدد الصورى و تعدد المتعة،و قصره على الضرورة القصوى كما يراها القاضى.
•    بيت الطاعة: الغاء الطاعة بالجبر على أن تصبح الزوجة التى لا تطيع زوجها ناشزا و يسقط حقها فى النفقة و الحضانة.
•    كفالة حقوق المرأة: لا يتم الطلاق دون علم الزوجة،ولا يتزوج بغيرها دون موافقتها و تقصير مدة حكم النفقة

    و من المنتظر أن تنتهى اللجنة من عملها خلال هذا العام، فيعرض المشروع على مجلس الامة،و يضم الى القانون المدنى، ليصبح أحد أبوابه.

الرموز المتجمدة:
    و المشكلة الثانية، نبهت اليها السيدة أمينة السعيد قائلة: (هناك من يحول الحقوق الثورية التى حصلت عليها النساء الى مجرد مظهرية)، أو (فترينية) حلوة تعرض عينات قليلة جميلة... و لكنها عينات (يتيمية) لا تمثل قطاعا موجودا بالفعل. ولا تدل على معنى أعمق من السطحى)

     أن السيدة أمينة،و هى من رائدات النهضة النسائية فى بلدنا، تدق ناقوس الخطر.... ان معنى ذلك أن قضية المرأة لا تسير فى طريقها الطبيعى... أن محاولات خطيرة تبذل لتخريب مبدأ تكافؤ الفرص الذى أقره الميثاق و الدستور بتخدير المرأة بالفتوحات و الانتصارات.... فالرجعية تتظاهر بالاستسلام حين تسمح بظهور أول قاضية و أول دبلوماسية و أول واعظة، حتى تحول القضية الى مجرد فترينة تعرض عينات رمزية... و فى نفس الوقت تجمد أوضاع الباقيات!

    و رغم أن السيد على صبرى كان قد أصدر لديوان الموظفين أوامر بفتح كل المجالات أمام المرأة، ما دامت تتساوى فى الدرجة العلمية و الخبرة و المؤهل مع الرجل، الا أن الحقائق تقول:
•    فى الوظائف الحكومية لا تتمتع المرأة بنفس فرص الترقى أو  المزايا التى يتمتع بها الرجال،و يفرق فى المعاملة بين ذوى المؤهلات الواحدة و الاعمال الواحدة.
•    فى الؤسـسات و الشركات تعانى من تضييق الفرص،و قصر الاعمال الهامة على الرجال، مما ينتج عنه تباين واضح فى الاجور... و يجعل المسألة مجرد مظهريات لاستكمال الشكل مع التهرب من المسئوليات التى يرتبها القانون.

    و وتضح ان المرأة لم تمد فى حاجة الى (اثبات الوجود) بقدر حاجتها الى رواد مخلصين، يخوضون معركة تأكيد هذا الوجود. و الامل معقود على المنظمة النسائية للاتحاد الاشتراكى العربى، التى تتولى ديباجة مشروعها بالنص!

    (نحن نساء العرب، عن ايمان عميق بالله و بالانسانية و بالمثل العليا، قد عقدنا العزم على الانطلاق فى طريق العمل، من أجل المشاركة بعمق و إيجابية فى صنعى الحياة الحرة الكريمة،و من أجل اسقاط بقايا الاغلال التى تعوق حركة كل عربى و عربية من أجل رخاء البشرية).

المصدر: أمينة السعيد - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,783,363

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز