تسلمت هذا الاسبوع رسالة من المواطن (عبد الفتاح محمد الرفاعى) عضو مجلس مدينة شبين القناطر،و قد كتبها ليشكو لى من النائبة (فاطمة دياب أو هذا ما فهمته من مضمون الكلام... اذ أنصب كلامه كله على وصف مناقشة قامت بينه و بين النائبة الفاضلة، ثم انتهت بما يعتبره صاحب الرسالة خروجا على تقاليد الجدل و أصوله...

    و نترك لعضو مجلس مدينة شبين القناطر أن يروى لنا قصة هذه المناقشة التى لابد أن تكون قد أغضبته الى حد كبير،و الا ما كتب الى...

    يقول فى رسالته: (لو أختلفت معك فى موضوع ما،و تعصب كل منا لرأيه) فهل أتهم بالخروج على الميثاق؟ و يدفعنى هذا السؤال الى سؤال آخر: ماذا يضر المرأة لو قنعت بما وصلت اليه،و اتجهت باخلاص و صدق الى مملكتها الحية التى حباها بها الرحمن الرحيم، بدلا من أن تقذف الاخرين بالحجارة و تستعدى عليها كل من حولها؟

    (و أيا كان جوابك،و حتى لا أخرج عن الموضوع اليكم القصة: جمعتنى جلسة خاصة كعضو مجلس مدينة شبين القناطر بالنائبة فاطمة دياب و بعض الشخصيات المسئولة،و تطرق بنا الحديث الى موضوع يشغل بال الرأى العام،و تشايعه قلة حبا للشهرة،و تعارضه أغلبية تحتكم الى الشرائع السماوية و العرف و الطبيعة.. ذلك مطالبة المرأة بالمساواة مع الرجل...و كنت من الرأى المعارض، فخالفت الاخت فاطمة البهى دياب فيما ذهبت اليه، فما كان منها الا أن أتهمتنى بالخروج على الميثاق.. هكذا و بكل بساطة... و كررت الاتهام خمس مرات... أما مادار بعد ذلك، فقد خرج بالموضوع عن جوهره،و أعجز المرأة العاملة عن بلوغ أهدافها بالمنطق.. المهم.. مامعنى هذا؟ و ما حكم الرأى العام فى نائبة تحاول فرض رأيها بتهديد معارضيها و الاساءة الى سمعتهم، متجاهلة بذلك حرية الرأى و العقيدة التى كفلها الميثاق؟
    أفيدونى أفادكم الله،و هدانا جميعا الى ما فيه رضاه)

    هذا هو النص الكامل لرسالة عضو مجلس مدينة شبين القناطر،و قد رأيت من واجبى أن أنشره حرفيا حفاضا على المعنى الذى يرمى الكاتب اليه.

افترض حسن النية
    و لكنى أحب قبل أن أدلى برأيى فى هذا الخلاف، أن أشير الى ما جال بذهنى على آثر قراءتى الرسالة التى قدمتها فى بداية هذا الكلام.. فقد وجدتنى أتساءل عن حقيقة الغرض الذى دفع السيد/ عبد الفتاح الرفاعى الى اختيارى.. أنا دون غيرى.. لاكون حكما بينه و بين النائبة (فاطمة دياب).. رغم معرافته بأننى أختلف معه تمام الاختلاف فى وجهة نظره،و وسائل الاعلام على أختلافها تشهد، كما يشهد الرأى العام العربى فى جميع البلاد بما قلته و اقوله..و ما كتبته و اكتبه...فى تأييد قضية المساواة بين الجنسين...

    و لقد وجدتنى فى حيرة شديدة ازاء ذلك...

    ترى هل لجأ الى عضو مجلس مدينة شبين القناطر فى قضية خلافه مع النائبة المذكورة بدافع من تقديره لعدالتى فى اصدار الاحكام،و نزاهتى فى الانتصار للحق حتى و لو كان فى جانب معارض لرأيى؟

    أو تراه فعل ذلك،و ما زالت فى ذهنه صورة لما كتبته ذات يوم فى نقد ملابس الانسة فاطمة دياب متصورا لا سمح الله أن المناقشة الحامية التى قامت بينى و بينها حول هذا الموضوع، قد أعمتنى عما تتحلى به هذه النائبة الفاضلة من أجزل الفضائل الذهبية و الخلقية،و  تركت فى نفسى من الرواسب ما يجعلنى أرحب بأى فرصة لنقدها؟

    و لم يكن هذا التفسير الاخير يشرف صاحب الرسالة أو يعطى فكرة طيبة عن رأيه فى...

    لذلك فضلت أن أحسن الظن به،و اتقبل رسالته مقتنعة تماما بأنه ما لجأ الى أنا بالذات... فى قضية خلافه مع (فاطمة دياب) بالذات.. الا لغرض أنبل كثيرا من الرغبة فى الاستعانة بى على الانتقام منها، جزاء أتهامها له بالخروج على مبادئ الميثاق...

   أنا واثقة بأنه لم يكتب الى الا لغرض كريم،و لو كان بنفسى ادنى شك فى ذلك ما اعرت رسالته أهمية،ولا أفردت هذا المكان الفسيح للرد عليها...

المساواة مبدأ الميثاق
    و أعود الى ما أثاره فى كلامه من نقط هامة، فأؤكد له أننى باعتبارى مواطنة أومن بحرية الرأى.. أتمسك بحرية الرأى.. و أمارس حرية الرأى فيما أقوله و اكتبه.. لا يمكن أن أقر مبدأ التجريح فى المناقشات العامة أو الخاصة بل و أعتقد أن تعدد وجهات النظر عامل هام فى عملية الوصول الى حلول صائبة لمشاكل الناس على أختلاف أنواعها.

    أنها الحقيقة التى لا يمكن أن نختلف فيها...

    و لكن دعونا نبحث فيما اذا كانت الانسة (فاطمة دياب) قد أهانته أو جرحته حين أعلنته بخروجه على الميثاق بعد مناقشة طويلة أكد فيها على رءوس الاشهاد معارضته لمبدأ المساواة؟

    أعتقد بمنتهى الصدق و الاخلاص،و بلا أدنى تحيز، أنها لم تجرحه أو تهنه مطلقا، أنما قررت الحقيقة الكاملة.. و تقرير الحقائق ليس من التجريح فى قليل أو كثير... فالميثاق الذى أقسم الشعب المصرى على احترامه فى مؤتمر ضخم.. كل عضو من أعضائه يحمل صفة التمثيل الكاملة.. قد نص على مبدأ  المساواة بين الجنسين،و أخرج قضية هذا المبدأ من فكرة تقبل المناقشة، الى واقع يتحتم على كواطن صالح أن يعمل على تدعيمه و تنفيذه..و أى محاولة ترمى الان الى تشكيك الرأى العام فى صواب هذا الواقع، لا يمكن أن تكون سوى مروق من مبادئ حياتنا الجديدة.. و تتجلى لنا خطورة هذا المروق اذا أتى من مواطن يقوم بدور قيادى..و يحتل مركزا لم يصل اليه الا بترشيح نفسه على مبادئ الميثاق،و لولا إيمان الناس باخلاصه لهذه المبادئ ما أعطوه صوتا من أصواتهم على الاطلاق.

    و أنا لا أذكر أن بعض الناس يرشح نفسه على مبادئ هو فى قراره نفسه يعاديها و يخاصمها،و هى وسيلة مألوفه فى بلادنا للوصول الى المراكز القيادية البراقة..و لكنه فى الحقيقة تضليل يعرض المصالح العامة لخطر وقوعها تحت سيطرة افراد يريدون لحياتنا صورة تختلف تماما عما اتفقت عليه سياسة الاصلاح،و أقرته نهائيا...

    أن المراكز القيادية على مختلف مستوياتها لا يصح أن تعطى لغير المؤمنين بحياتنا الجديدة..و من واجب المواطن الشجاع الجرئ، اذا كانت له وجهات نظر تتعارض مع السياسة العامة، ان يعلن عن ذلك بمنتهى الصراحة فى معاركه الانتخابية، حتى يبصر الناخبين بحقيقة اتجاهاته،و بذلك يعطيهم الفرصة لتحديد موقفهم منه.. أما أن يرشح الواحد منا نفسه على مبادئ الميثاق – و من أهم بنودها المساواة – ثم يهاجم المساواة فى المجامع العامة، ليشكك الناس فى صوابها.. فهذا خروج منه على الميثاق.. خروج صريح و فعلى و أكيد.. و ليس من العدل أن يعتبرها أهانه اذا واجهه غيره بهذه الحقيقة.

    ثم أننى لا أفهم مطلقا كيف نحرم على الآخرين أمرا، ثم نحله لانفسنا..و هذا ما فعله – مع الاسف – عضو مجلس مدينة شبين القناطر، فلقد أنكر على الانسة (فاطمة دياب) تجريحها له،و مع ذلك أباح لنفسه أن يجرح المعارضين لرأيه اشد التجريح، حين وصف فى رسالته انصار المساوة بالاقلية التى تجرى وراء الشهرة و تخالف مبادئ الدين، كأن صفة الاخلاص للمبدأ و الايمان بالدين لا يصح أن تعطى الا لمن يؤيدونه فى رأيه حتى و لوكان رأيه مخالفا للميثاق و معارضا للصالح العام....

الميثاق وحدة لا تتجزأ
    و لقد غاب عن ذهن السيد/ عبد الفتاح الرفاعى أمر غاية فى الاهمية،و هو أن الميثاق ليس العوبه نأخذ منها ما يعجبنا،و نترك منها مالا يعجبنا..

    أنما الميثاق وحدة مترابطة.. لا تقبل التجزئة.. كل بند منها لا يصح  بدون الاخر..و كل حق فيها يقابله واجب.. و ما دام عضو مجلس مدينة شبين القناطر يطالبنا اليوم فى رسالته بحقه فيما كفله له الميثاق  من حرية الرأى و العقيدة، فمقابل ذلك يتحتم عليه أن يطالب نفسه بواجبه فى تأييد المساواة التى كفلها الميثاق بين بنوده الرئيسية.

    أما لماذا تطالب المرأة بالمساواة – و هو السؤال الذى ورد ضمن رسالته – فجوابى عن ذلك أن سيادته فى احتياج لبعض التوضيح.. فالمرأة لا تطالب بالمساواة بسبب واحد بسيط و هو أنها نالت المساواة بقوة الميثاق و انتهى الامر فى هذه القضية دائما هى تطالب بتنفيذ ما تبقى من التفاصيل المتفرغة من المبدأ الرئيسى.. مثل تعديل قوانين الاحوال الشخصية.. ذلك أنها لا تستطيع أن تنصرف الى خدمة (مملكتها الحية التى حباها بها الرحمن الرحيم)،و تقوم بخدمتها على النحو الصحيح، مالم تكن متمتعة بأسباب الحماية فى بيتها.. مطمئنة الى مصير أبنائها.. واثقة بأنها لن تطرد فجأة الى الشارع بلا أدنى سبب، ارضاء لنزوة حمقاء عصفت يعقل زوجها فأودت بحكمته.

    و المبادئ الاشتراكية التى لا أشك فى أن سيادته رشح نفسه عليها يوم خاض المعركة التى انتهت به الى عضوية مجلس المدينة، تقوم أساسا على توفير أسباب الحماية لكل فرد – رجلا كان أو امرأة – و على منحه الفرص لكى يخدم بلاده بالجهد و الامكانيات مستمدا القوة على أداء ذلك من شعوره بالعزة و الكرامة و العدالة و الاستقرار.

    أما الظلم و الاذلال و القلق، هذه الظواهر التى يقوم عليها مبدأ سيادة جنس على آخر، فهى الخصائص الرئيسية للرجعية، التى مازال لها فى بلادنا جنود أوفياء يعملون بغاية جهدهم على عرقلة طريق الاشتراكية...

المصدر: أمينة السعيد - مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,209,948

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز