كل عام وأنتم بخير فلم يبق سوى أيام لنبدأ سنة هجرية جديدة .. نتذكر معها رسولنا الكريم .. وصبره هو ومن معه على الشدائد من أجل الدعوة للتوحيد بالله لكل الدول إلاسلامية للتعريف بكل شرائعها ونشر صحيح الدين .. هذا الدين الذى يدعو إلى التسامح وحسن التعامل مع من حولنا فالدين عند الله المعاملة ليحفظ الحب والحقوق بين البشر وليكن فى رسولنا المصطفى أسوة حسنة فى إقرار حق المواطنة لا فرق بين المهاجرين والأنصار ولا بين عربى وأعجمى ولا بين أهل الديانات المختلفة فى حق المواطنة فكانت بعض القبائل من اليهود يعيشون بالمدينة المنورة .. وكانت هذه أهم أسس دولة الإسلام التى دعت إلى الدفع بالمعاملة الحسنة .. «لو كنت فظاً غليظ القلب لإنفضوا من حولك».
فأخذ بها رسولنا الكريم وأقرها مع بدء الدعوة الإسلامية إلى العلن بعد الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة حيث إستقبله الأنصار بكل الحفاوة والترحاب هو والمهاجرين .. وهناك إنطلق بشرائع الله تعالى ليساوى بين الناس بالتقوى والعمل الصالح لا فرق بين المرأة والرجل فالكل له نفس الحقوق وضرب لنا مثلا بالبعثة بين الرسول والمسلمين النساء والرجال على السواء فلم تكن النساء يحرم عليهن الإجتماع مع الرسول والإستماع إلى فتاواه الدينية بل أنه كان يسمح لهن بحق المناقشة والمجادلة للتبصير بأمور دينهن ودنياهن وكان رسولنا الكريم يوصى بالنساء وحقوقهن فى الحياة والزواج والميراث والتعليم وإكرامهن .. وهى تعاليم الله فى قرآنه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام .. وكانت المرأة لها دور أساسى وليست تابعاً كما يزعم البعض ممن لا يعلمون صحيح دينهم فكانت تتحمل التعذيب من آلكفار وكانت مع من هاجر وكانت تقف وقفة قوية سواء بتضميد الجرحى والسقاية بالماء وأيضا بالدفاع وحمل السيف وقد دافعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقال عنها خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء ويقصد بها السيدة عائشة رضى الله عنها فى معرفة أمور الدين والدنيا التى تعلمتها عنه وكان لها فى هجرة رسول الله دور هام وبطولى قامت به السيدة أسماء بنت أبى بكر أخت السيدة عائشة الكبرى خاطرت فيه بحياتها لتأمن حياة رسول الله وأبيها من الكفار وتحملت بطشهم بها وشج رأسها ولم تخبرهم شيئا .
كيف كانت الهجرة
لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار له أصحاب من داخل وخارج بلدهم .. وقد هاجر أصحابه إليهم فقرروا أن يتخلصوا منه قبل أن يكثر أعوانه ويقوى .. وإجتمعوا فى «دار الندوة» وقرروا فى نهاية أمرهم أن يأخذوا من كل قبيلة شابا قوياً .. وأن يعطوا له سيفاً صارماً ثم يعهدوا إليه فيضربونه ضربة رجل واحد .. فيتفرق دمه بين القبائل جميعاً فلا تقدر بنى مناف على حرب قومهم جميعاً .
ولكن حذر جبريل الرسول عليه الصلاة والسلام بالأ يبيت ليلته من فراشه .. فطلب الرسول الكريم من على ابن أبى طالب أن ينام فى فراشه .. ويضع عليه برده الأخضر .. الذى تعود عليه وطمأنه .. وخرج الرسول محمد عليه الصلاة والسلام .
وما كان من شباب قريش الذين إصطفوا فى ظلمة الليل خارج بيته أن يروه وهو خارج أمامهم وحفظه المولى .. وتوجه إلى دار أبى بكر فخرجا معاً وتوجها إلى جبل ثور جنوب مكة فدخلا إلى غاره يحتميان به فكان التخطيط للهجرة والترتيب لأخطر عملية فى التاريخ الإسلامى وذلك فى السنة الثالثة عشر من البعثة المحمدية وعمره ثلاث وخمسون عاماً .. وهى الهجرة من مكة والخروج منها .. بعد ان خرج أصحابه عنها بعد الإيذاء والتعذيب الذى تعرض له من أسلم إلى ربه .. وكانت الهجرة بترك وطنهم وأموالهم وبيوتهم وإمتعتهم .. وصبر على الشدائد وعزم لا يلين بأن الله معهم ورسوله .. فهى هجرة من الظلام إلى النور .. ترك فيها المسلمون كل ما يملكون يلوذون بدينهم إبتغاء مرضاة الله .. ولنشر الدعوة من الخفاء إلى العلن .
كما أمر الله رسوله المصطفي لنشر دعوة التوحيد بالله فى الأرض والجهر بها ..
وكانت معجزات الله لحماية رسوله ودعوته .. حين أغشى أبصارهم وهم يتربصون برسوله ليقتلوه فى فراشه فلم يجدوا سوى ابن عمه على .. والمعجزة الثانية عندما نسج العنكبوت خيوطه وعشش الحمام وباض حتى لا يعثروا على الرسول الكريم وصحبه بعد أن وقفا أمام الغار وكان يمكن أن يدركوهما بعد أن رصدت قريش مائة ناقة لمن يأتى به وأرسلت من يقتفى أثره .. فكان يطمئن أبى بكر كلما خاف أو حزن من أن يدركوهما ويقول له «لا تحزن إن الله معنا» .
وعندما أدركهما سراقة بن مالك الذى ذهب يبحث عنهما حتى وجدهما ولكن الله أنزل فى قلبه وفرسته الرعب فلم تخطو فذهب بعد أن أعطاه الرسول الأمان وكان من أوائل من أسلم فى مكة عند فتحها .
أسماء ودورها الهام في الهجرة
كان لأسماء بنت أبى بكر دور هام فى إتمام الهجرة فقد كانت تمد الرسول عليه الصلاة والسلام وأباها بالطعام فى لياليهما الثلاث التى قضياها بالغار غير آبهة بتعرض حياتها للخطر رغم صغر سنها .
كان أخوها عبدالله بن أبى بكر يأمر غلامه أن يرعى غنمه ليضلل الكفار من أهل قريش بطمس آثار أقدام رسول الله وصحبه أولا وآثار خطى أسماء وهى تحضر إليهما الطعام كل ليلة .. وسميت بذات النطاقين فقد جعلت من لباسها نطاقاً تضع به الطعام والثانى تضعه لرسول الله وأبيها فأطلق عليها رسول الله ذات النطاقين ووعدها أن يكونا لها فى الجنة وسميت بعدها «ذات النطاقين».
وقد كانت آخر المهاجرات تزوجت من الزبير ولم يكن يملك شيئاً سوى فرسه فكانت تتحمل وتطحن له النوى وتعلفه ولكنها دائما وفية محبة لزوجها هاجرت وهى حامل فى ابنها عبدالله وكان أول طفل مسلم من المهاجرين يولد فى المدينة وعاشت حتى كان ابنها خليفة وكانت تمرض المرضى ومن أجود النساء تكبر السيدة عائشة بعشر سنين وقد صبرت على عذابها كأم صلب ولدها وقتل على أيدى الحجاج الثقفى وكانت قد فقدت بصرها وأصابها العجز بعد أن عاشت حتى اقترب عمرها من المائة .
كان أول عمل قام به رسول الله أن أقام الأسس الهامة للمجتمع الجديد من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار خاصة والمسلمين عامة وكتابة وثيقة تنظم حياة المسلمين فيما بينهم وعلاقتهم بغيرهم مثل اليهود الذين كانوا يعيشون بينهم وجعل أول حق من حقوقهم المواطنة كان ذلك بعد أن بنى أول مسجد لهم لنشر الدعوة وأسس الدين، وسميت المدينة بدار الهجرة .. وصارت الهجرة إليها من سائر الدول التى بلغها الإسلام إلى أن فتح الله على النبى بمكة بدخول الدين الإسلامى إليها والانتصار على الكفار .. فأعلن رسول الله أن «لا هجرة بعد الفتح» وبقيت الهجرة بمعنى الهجرة من الباطل ومن الغى والطغيان إلي الخير ومن عصور الظلام والكفر إلى عصور النور والدعوة للتوحيد بالله ليكون التقويم الهجرى عند المسلمين والعرب من إنطلاق سنة هجرة الرسول الكريم من مكة إلى المدينة.
ساحة النقاش