الخادمات الصغيرات:

بين رفاهية العيش وإنتهاك الطفولة

كتبت نجلاء أبو زيد

بينما يلهو الصغار في الملاهي وتعلو ضحكاتهم وصرخاتهم كل الأصوات الموجودة لمحت عيني أكثر من خادمة صغيرة واحدة تتابع الصغار وهم يلعبون وأخري تمسك أشياءهم وثالثة تعطي الطعام لرضيع مازال جالساً في عربته الخاصة وقتها شعرت بأن هؤلاء الصغيرات يتابعن أمثالهن من الأطفال وفي أعينهن نظرات الحرمان من حق اللعب واستوقفني المشهد وقررت طرح السؤال هل خدمة الصغيرات في البيوت توفرلهن فرصة حياة كريمة أم انتهاك لطفولتهن؟!ll

البداية كانت مع بعض الخادمات حيث تحدثت فاطمة 14 سنة قائلة : حياتى الآن أفضل مما كنت عليه مع أهلى فى العياط فأنا والدى مزارع بسيط يوميته عشرة جنيهات ونحن ستة ولذلك عندما كبرت وبلغت 12 سنة طلب من سيدة لها معارف فى مصر أن تبحث لى عن بيت طيب أخدم فيه وبصراحة عملت مع أسرة طيبة جداً ومازالت عندهم وعندهم بنت عمرها 9 سنوات وطفل رضيع وبصراحة الهانم بتحبنى ولا تحرمنى من شىء وتدخل هى المطبخ وأنا أنظف الطعام فقط ومعهم سافرت لأماكن كثيرة صحيح أحمل حقائب وملابس أولادهم على الشاطئ لكن آكل كويس وأنام فى مكان نظيف وحالى أفضل من أخواتى لدرجة أننى عندما أسافر البلد لا أعرف أنام من البراغيث !!

تختلف معها منى 15 سنة قائلة : الحاجة مرة والفقر ذل هذا ما تعلمته طوال 5 سنوات تنلقت فيها بين أكثر من بيت صحيح لم يضربنى أحد أو يعذبنى لكن دائما أشعر أننى خادمة وأن أولادهم أحسن منى ولو حد أشتكى منهم منى فإنهم سيطردوننى لأعود لأمى الغلبانة التى تعتمد على مرتبى لتربية أخواتى وعلاجها . وتمنيت كثيراً لو كنت تعلمت وعملت فى أى محل فالخادمة غير البائعة والناس دائما بتيجى عليها ودائما تأكل مما تبقى وتنام فى أسوأ مكان لكن على كل الأحوال الحمد لله على اللقمة واللبس وحالى أحسن من غيرى فى الشارع .

نادية لها قصة أخرى ترويها قائلة : لقد تعلمت حتى الصف الرابع الابتدائى وكنت شاطرة فى المدرسة لكن والدى ترك أمى ونزلت تشتغل فى السوق ووقفت معها وبعد فترة خافت علىّ من المرمطة وطلبت من دكتورة طيبة فى الحى أن تأخذنى لأعمل عندها وبصراحة الدكتورة رفضت فى البداية لأننى صغيرة لكن بعد بكاء أمى وتأكيدها أننى سأضيع فى السوق لأننا غلابة وافقت وبصراحة أعمل عندهم منذ عامين وأشعر أننى فى نعمة لأن البيت نظيف والناس محترمة وأولادهم صغار يحبوننى وألعب معهم ولا تمنعنى الدكتورة بشرط أن أنهى عملى فى تنظيف البيت والخضار والأطباق . ولولا الدكتورة (ل) كنت فى الشارع!!

(ن) رفضت ذكر أسمها ورفضت أن تتحدث معى أساساً إلا بعد أن أقسمت أننى فرصتها لتقول كل ما فى نفسها وينشر ويقرأه الناس ولا يعرفون من هى حيث قالت : بعد أن وصل عمرى إلى 10 سنوات جاء دورى للعمل فى الخدمة كما فعل والدى مع شقيقاتى الكبار وذهب للرجل المعروف عنه التشغيل فى بيوت مستريحة فى مصر وفعلا عملت لدى سيدة شابة عندها طفل صغير وحامل وهى سيدة قوية وبتقرف منى رغم أننى نظيفة وتجعلنى أنظف البيت وأغير لابنها لكن لا أقترب من المطبخ إلا لغسل الأطباق ودائما تقول عنى البنت اللى عندى مش نظيفة ولكن أمينة ومش لاقيه غيرها . بصراحة قلبى بينكسر لأنى بنى أدمه لكنى لا أرفع صوتى خوفاً أن تعيدنى لأبى ليربينى وقد رأيته يضرب أختى الكبرى بقسوة عندما طردتها السيدة التى كانت تعمل عندها لسوء أدبها وردها عليها وكلما تذكرت ما حدث مع أختى أسكت وأعيش.. نفسى أموت وأهرب من البيت لكن خايفة يحصل لى حاجات وحشة زى اللى بسمع عنها لكن مش عارفة البلد سايبة الناس تتحكم فينا ليه علشان إحنا فقراء ولا أحنا مش ولاد ناس زى غيرنا .

وإذا كانت هذه تجارب بعض من يخدمن فى البيوت رغم صغر سنهن فإن لمن يستخدمهن فى الخدمة رأى أيضا وعن ذلك تحدثت السيدة رشا مهندسة قائلة : الاستعانة ببنات صغيرات فى الخدمة ليس أمرا جديدا لكنه منتشر منذ زمن وبصراحة هن الأفضل الآن لأن الخادمة الصغيرة سهلة الترويض والتطبع بطباع أهل البيت . وأعترف أن الأمر صعب لكنه عمل محترم وأفضل من أن تعيش مع أسرة لا تجد فيها طعام أو تخرج للشارع فتتعرض لأذى وأنا أستعين بفتاة عمرها الآن 16 سنة وأعاملها بكل احترام لأننى أعرف أمها وكانت عاملة عندى فى الهيئة التى أعمل بها وعندما مرضت وعملت أبنتها طلبت منى أن استخدمها فى بيتى ولم أندم وأولادى يعاملونها بأدب لكنها لا تنام عندى فهى تنهى عملها فى الثامنة مساء وتعود إلى أمها لأننى ضد مبيت الخادمة الصغيرة . وطبعاً الأمر يختلف حسب حظها فهناك ناس يراعون الله وآخرون لا لكن لا يوجد قانون يمنع الاستعانة بهن وأنا معظم صديقاتى يستخدمن خادمات صغيرات والحياة عادية بلا مشاكل .

تتفق معها د. عليه صادق مدرس بكلية الاداب قائلة : استعنت ببنت عمرها 12 سنة لتعاونى فى رعاية بناتى والبقاء معهن لحين عودتى من العمل وقد أخترتها من بين 7 فتيات عرضهن على البواب فهل الصغيرات الآن شىء عادى وفى البداية رفضت لأنها طفلة لكن عندما فكرت وجدت أن عملها عندى قد يحقق لنا مصلحة مشتركة أحميها من الشارع والاهانة وفى نفس الوقت أحظى بخادمة مطيعة تعاونى بدون خوف من سلوكيات غير مضمونة !!

لكن ما تعليق المتخصصين عما قيل؟.. عن ذلك تحدثت د.زينب شاهين أستاذ علم الاجتماع وخبيرة قضايا الأسرة والمرأة قائلة : كافة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل تعتبر أن عمالة الأطفال بشتى أنواعها انتهاك لحق الطفل وبوصف مصر واحدة من الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات فإن ما يحدث من تشغيل الخادمات الصغيرات هو انتهاك واضح للطفولة لأنه يحرم البنت من الحق فى التعليم ومن ثم لن يكن لديها فرصة لحياة أفضل أو عمل لائق يحقق لها استقلالا اقتصاديا.

ولن تكون صانعة قرار . وأضافت أن هذا الانتهاك لحق الطفل ثابت فى شتى الأعمال إلا أنه تزيد حدته وخطورته وفقاً لطبيعة العمل الذى يمارسه الطفل وساعات العمل ومدى تأثيره على صحته . لذا فيجب على الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى أن تتضافر جهودها من أجل أن تفعل اتفاقيات حقوق الإنسان وهذا من خلال دعم الأسر الفقيرة بمجموعة من الأنشطة التنموية التى تساهم فى تمكين الأسرة من خلال فرصة محو أمية وعلاج صحى ومشروع مدر لربح فالمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والتنموية ستجعل الأسرة بشكل تلقائى تتوقف عن إرسال ابنها أو ابنتها للعمل . لذا فالحد من الظاهرة لا يكون فقط بطلب من يشغلون الصغيرات أن يتوقفوا عن استخدامهن لكن بالعمل على إيقاف المشكلة من المنبع ولهذا فإن معظم المشروعات التنموية الآن تركز على تمكين ودعم الأسر الفقيرة والعشوائية لأن هذا هو الطريق الأساسى الذى سيتيح للدولة الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية . وإلى أن تتحسن الأحوال الاقتصادية لهذه الأسر الفقيرة ستظل الظاهرة وما يتبعها من أنتهاكات نفسية واضحة للخادمات الصغيرات لأن رفاهية العيش فى المنازل التى يخدمن بها لن تقضى على كون الفتاة خادمة حرمت من فرصة تعليم وفرصة حياة مستقرة مستقبلاً !!

المصدر: مجلة حواء- نجلاء ابوزيد

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,799,557

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز