أمهات الشهداء:
القصاص العادل مطلبنا الوحيد
كتبت : ايمان عبد الرحمن
أحلام أغتيلت ودماء أسيلت، وأهالي لا يزالون يبكون فقد أعزائهم، ربما لا توجد ثورة بدون ضحايا ولكن أيضاً لابد من محاسبة المسئولين، القصاص هو مطلبهم الوحيد، وكما قالت أمهات الشهداء ربما لن يرجع ما كان ولكن علي الأقل «من قتل يقتل ولو بعد حين»، ولأن 8 أشهر فقط هي الفاصل ما بين مقتل ابنها «خالد سعيد» وما بين اندلاع ثورة الشباب كان لزاماً أن أتحدث معها لتحكي لي عن الثورة والشباب والشهيد.. وحكايات أخري عن أمهات الشهداء.
تقول الحاجة ليلى والدة «خالد سعيد» أنها تواجدت فى التحرير أول يوم لآخر يوم.. حتى التنحى، ولكنها لم تبيت فى الميدان سوى يوم عيد ميلاد خالد فى 27 يناير ويوم الأربعاء يوم معركة الجمل، وفى يوم التنحى كنت موجودة على المنصة أكلم الشباب وأقول لهم «اثبتوا وما تتحركوش خطوة واحدة من مكانكم وأن النصر آتى» وفعلاً بعد ساعة واحدة جاءنا خبر التنحى، وكنا منهارين من هول المفاجأة.
وسألتها: «هل غيرت لون الحداد إلى اللون الأبيض بعد التنحى» قالت لم أغيره بعد. لن ألبس الأبيض إلا بعد محاكمة من قتل خالد فى الشارع أمام أعين الناس وإعدام من سلطهم على قتله، وهم معروفون ولكن المحاكمة أجلت وقالوا لنا «لدواعى الأمن» وبعد أخذ حق ابنى ساعتها سألبس الأبيض.
وتضيف أن شباب الثوار كلهم «أبنائى» وكانوا واقفين بجانبى من أول يوم وأدعوهم إلى الحرص على صحتهم والثبات على مواقفهم، فالحرية التى حرم منها خالد متاحة لهم الأن. فى الماضى كان يعامل الشباب بكل قسوة وأرى أن الشاب الذى تهان كرامته ويضرب «نفسه تتكسر» وأنا حريصة على أن يظل شبابنا رؤوسهم مرفوعة بكرامتهم وكل الشباب أصبحوا هكذا الأن.
قصتي مع وائل غنيم
وعن قصتها مع وائل غنيم «آدمين» صفحة كلنا خالد سعيد تقول لمدة 8 أشهر كنت أتخيل أن وائل هو خالد. كنت أحس أن روح خالد فيه وعندما كنت أقرأ ما يكتبه على الصفحة كنت أحس أن خالد هو الذى يكتبها وكنت أقول لابنتى يكون خالد مماتش كانت تقول لى لا ياماما خالد مات ولكنى كنت أحس أنه عايش فى حضنى وأنه بيكتب كل حاجة وكأنه عايش معانا.
وعن مقابلتها لوائل غنيم فى التحرير قالت حتى هذه اللحظة كان إحساسى أن وائل هو خالد وكنت أبحث عنه فى التحرير حتى وصلت له ولم أنظر إلى وجهه «وحضنته وظللت أبكى وهو يبكى ويططب علىّ» وعندما هدأت اقتنعت إن ده وائل ومش خالد وإن خالد مات شهيداً.
وتنهى الحاجة ليلى الحديث قائلة «كتر خير وائل عمل مجهود مشكور هو ومساعديه فى الصفحة، ربنا يبارك فيهم يارب وفى كل الشباب، بصراحة لم أكن أتوقع أن الشباب اللى كان «مسقط بنطلونه» يقدر يعمل اللى عمله، كنا فى شقة فى التحرير كان كل 5 دقائق يأتى مصاب يداووه وبعد لحظات ينزل الميدان تانى، ويوم موقعة الجمل ربنا نزل جنود من عنده، شباب مصر بخير، ربنا يبارك فيهم يارب.
البحث عن شهيد
ضحى نور(21 سنة) ليسانس حقوق ابنة الشهيد نور على، تروى قصة استشهاد والدها فتقول والذى نزل فى جمعة الغضب ليخطب فى المسجد فهو خطيب بجانب عمله فى شركة العامرية لتكرير البترول ولكنه اختفى بعدها ولم نعرف مكانه، وقبل نزوله أخبرنا أنه بعد خطبة الجمعة سيذهب إلى مسجد القائد إبراهيم وكانت الاتصالات مقطوعة فى ذلك الوقت حتى الساعة الثامنة كان أخى وأصدقاء أبى يبحثون عنه، وتخيلنا أنه من الممكن أن يكون مصاباً وذهبوا للبحث عنه فى المستشفيات فلم نجده وطمأننا أصدقاء والدى بأن بعض المصابين فى المستشفيات كان يأخذهم ضباط أمن الدولة للتحقيق فقلنا ربما يكون مقبوضاً عليه، وفى ذلك الوقت كان كل أصدقاء والدى موجودين لم يختفى منهم أحد وبعدها فكرنا أن لوالدى أقرباء فى السويس ربما يكون ذهب إليهم فى المظاهرات التى كانت مشتعلة عندهم واتصلنا بهم لكنهم قالوا لنا أنهم لم يروه ولم يتصل بنا، حتى يوم السبت عند الظهيرة أتصل بنا أحد الأشخاص من موبايله قائلاً أن والدى مصاب إصابة بسيطة ويوجد فى المستشفى فى الاستقبال، ساعتها قلقت جداً إذا كانت إصابته طفيفة كما يقول لماذا لم يكلمنا هو بنفسه ويطمئننا عليه، والحقيقة أن هذا الشخص وجد والدى مقتولاً بإصابة فى وجهه يوم الجمعة وظل والدى فى المشرحة، وبعدها لم يترك أصدقاء والدى أخى يدخل المشرحة وتعرفوا عليه من ملابسه.
فرح بعد المأتم
وتضيف ضحى أنها تزوجت منذ أسبوعين وعقدت قرانها فى نفس المسجد الذى خرج منه جنازة والدها وتحكى قائلة: كنت أحضر لزفافى وقبل استشهاد والدى بحوالى أسبوعين توفى جدى ولكن والدى قال لى «لن نؤجل الفرح مهما حدث، إذا مرضت أو مت أو حدث أى مكروه، سيتم الفرح فى موعده بإذن الله وهذه كانت وصيته التى وصى بها أصدقاءه أيضاً»، لذلك لم أؤجل زفافى وتختم حديثها قائلة والدتى «هالة فتحى» وهى مدرسة ولى أخ محمد يدرس بكلية التجارة وشروق فى الصف الثانى الإعدادى، ونحن فخورون جداً بوالدى رحمه الله.
الشهيدة أميرة
فى السابعة عشر من عمرها، فى الصف الثانى الثانوى كانت تحلم بأحلام بريئة، تحب الحياة، هكذا وصفتها والدتها السيدة غادة على بصوت مكتوم، تتماسك أحياناً وأحياناً تغلبها الدموع، فيكمل الحديث والد أميرة ليحكوا ما حدث لأميرة يوم 28 يناير، كانت ذاهبة لتستذكر دروسها مع صديقتها التى تسكن بالقرب منا، فهى تدرس فى القسم العلمى علوم، ثم بدأ الضرب، فنحن قريبون من قسم شرطة رمل ثانى، فخرجت هى وصديقاتها لتصوير ما يحدث من ضرب، فى ذلك الوقت كان القناصة منتشرين على الأسطح يضربون المتظاهرون، وعندما رأوهم يصورون ما يحدث صوبوا ناحيتها الرصاص فأصابوها بطلقة فى القلب خرجت من الظهر فماتت أميرة فى الحال.
القصـاص
تقول الأم: «أميرة كانت كل حياتى، فكانت محبة للخير، تشترك فى رعاية أيتام فى ملجأ بجانبنا، وكانت متفائلة بأن يطرق بابها العرسان، فكانت تطلب منى ضاحكة وتقول «ياللا ياماما جهزينى بقى» كانت تحب الحياة، تحلم ككل البنات لكن منهم لله سرقوها منى وسرقوا كل أحلامها لا أطالب إلا بالقصاص العادل، من ضربها بالنار وقتلها وسط زميلاتها ومن أعطى الأوامر بالتسلسل بالضرب بالرصاص الحى، ربما ذلك سيريحنى ولكن أعلم أن فراقها صعب ولن أرتاح أبداً.
ويضيف الأب الذى يعمل فنى خرسانة، أميرة كانت كل دينتى وكذلك كانت بالنسبة لأخيها الوحيد فهى كانت ترعاه وتذاكر له كانت مثل الأم الثانية له ولظروف عمل والدتها كانت تهتم به، الأن ذهبت أميرة، وأطالب بالقصاص من «وائل الكومى» ضابط المباحث ومأمور قسم الرمل ثانى وكل رؤسائهم ومحاكمتهم على ما فعلوه، ففى قسم الرمل الثانى استشهد 23 شهيداً وأكثر من 50 مصاباً يوم جمعة الغضب فقط. لن نرتاح لا أنا ولا أهالى أحد من الشهداء إلا بمحاكمتهم، والآن القسم خال ولى رجاء لمدير الأمن ووزير الداخلية أن يظهروا لنا وائل الكومى لأنه مختفى من وقتها، لن يعوضنى أى شىء عن أميرة ولكن لا نريد إلا القصاص من هؤلاء القتلة المجرمين.
شهيد الصلاة
«حسن محمد حنفى» قصة أخرى لأحد الشهداء (31 سنة)، خرج ليصلى يوم جمعة الغضب ولكنه وصل منزله محمولاً على الأعناق، شهيداً، مضروباً بالرصاص الحى، يحكى أخوه «حنفى محمد حنفى». «حسن ضربت عليه الشرطة نار، ورأينا جسمه كله رصاص حتى سألنا وكيل النيابة «هل بينكم وبين أى أحد عداوة»؟! من كثرة الرصاص وكأن القاتل كان ينتقم، أخى الذى لم يؤذ أحداً فى حياته، خرج ليصلى الجمعة، ولكنه عاد شهيداً، والطب الشرعى أثبت أن الرصاص المضروب به ميرى وليس مدنى وأنه توفى أثناء المظاهرات، كان أخى الأصغر وكان يعيش مع والدتنا فى نفس المنزل مع زوجته، فنحن ثلاثة أولاد وبنت، أصبحنا اثنان ولا نريد سوى حقنا والتحقيق مع القتلة.
أما والدة الشهيد حسن «الحاجة عزيزة عبدالرحمن» لم نقل سوى «الحمد لله الحمد لله، لله ما أخذ ولله ما أعطى. الحمد لله على كل شىء» ربنا يصبر أهالى الشهداء.
ساحة النقاش