سنة أولى ديمقراطية
كتبت :تهاني الصوابي
أعترف أننى ولأول مرة فى حياتى أشارك بالادلاء بصوتى فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، لم أكن أمتلك بطاقة انتخابية مثلى مثل مئات الآلاف من المصريين الذين لم يبالوا أو يعيروا اهتماما لامتلاك ثقافة انتخابية للادلاء بأصواتهم فى أى انتخابات رئاسية أو برلمانية ايمانا منهم بعدم جدوى صوتهم، وأنه لن يذهب لمن يريدون، بل لمن كانوا يريدونه هم فى النظام السابق.
لأول مرة أشعر بأن صوتى ملكى ، فخرجت مثل الآلاف أقف فى الطوابير بالساعات، سعيدة بالتجربة رغم التعب والاجهاد حتى الوصول إلى صندوق الاستفتاء، والإدلاء بصوتى بلا خوف وفى حرية . كان الجميع من حولى يشعرون بنفس الاحساس، ويتمتعون بحس عال من الوطنية، والرقى فى التعامل، والقناعة بحق الآخر فى التعبير عن رأيه بحرية، وأخذ كل منا يدلى بصوته سواء بنعم أو لا ، وهو على يقين بأنه ليس مهما نتيجة الاستفتاء، المهم أننا خرجنا ووصلنا إلى صناديق الاستفتاء، وعبرنا عن رأينا بحرية وبلا ضغوط أو ارهاب وترهيب، أو يقين بأن أصواتنا سوف يشوبها التزوير .
نعم ذهبت وحسمت أمرى وأعلنت رأيى بـ «لا» على التعديلات الدستورية المطروحة، فقد سألت وتناقشت وعرفت من أهل الرأى والخبرة القانونية والدستورية عن حقيقة التعديلات، نصحونى بعدم الموافقة لأن «نعم» تعنى العودة إلى دستور 1971، الذى اسقطت شرعيته بثورة 25 يناير العظيمة، وأصبح لا يصلح للتأسيس لتحول ديمقراطى حقيقي، فهو يعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة قد تؤدى إلى تهميش البرلمان والسلطة القضائية، فى مقابل تقوية السلطة التنفيذية وهو ماعنينا منه لسنوات وسنوات، ليس هذا فقط، بل الخوف كل الخوف أن انتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان وفقا لدستور 1971، بغض النظر عن نواياه وتوجهاته والتزامه بالمبادىء الديمقراطية التى نادى بها الشباب، واستشهد فى سبيلها المئات منهم سوف يتمتع بصلاحيات واسعة قد تساعده التحايل إذا أراد المطالب الديمقراطية لثورة 25 يناير .
نعم أيضا تعنى أن البرلمان القادم والذى تجرى انتخاباته خلال الاشهر القليلة القادمة دون تأجيل سيأتى على الأرجح بنفس التركيبة البرلمانية السابقة، وسوف يكون معظمه إن لم يكن أغلبه من «بقايا الحزب الوطنى» وجماعة الاخوان المسلمين، باعتبارهما الوحيدين اللذين خاضا الانتخابات من قبل ولديهما خبرة مسبقة، وتنظيم وتربيطات تساعدهما على الفوز بمقاعد البرلمان فى مقابل بعض الأحزاب الأخرى القديمة، والتى همشت لسنوات طويلة وكانت بمثابة ديكور للحياة التى كانوا يسمونها ديمقراطية ، وسوف يكون الضحية أيضا الأحزاب الجديدة التى لم تأخذ فرصتها بعد فى التكون، ولم تقم بترتيب أوراقها والحصول على التراخيص وايجاد المقار الخاصة بها لاستقبال المواطنين للتعرف عليهم وعلى مبادىء أحزابهم، للانضمام إلى أى منهم، وهو ما يقضى على التجربة الديمقراطية التى أفرزتها ثورة 25 يناير، وهى مازالت فى المهد، خاصة وأن معظم هذه التيارات الحزبية تكونت ابان الثورة، ومن الممكن أن تكون لها شعبية كبيرة، ولكن الوقت لم يسعفها لتجميع كوادرها وتنظيمها، وتوصيل أفكارها إلى مناطق أبعد من أماكن نشأتها، وأيضا حرمان الشعب المصرى الفرصة لمناقشة كافة التيارات والأفكار وتحديد اختياراته ، وبالتالى سوف تكون الأغلبية لبقايا «الوطنى» و«الاخوان المسلمين»، وهما القوتان التى أثبتت الثورة ضعفهما وهشاشتهما وأنهما لايعبران عن تطلعات وآمال الشعب المصرى.
لقد سعدت لهذا الاقبال على الاستفتاء ولأوة مرة فى تاريخ مصر، حيث بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم 5،18 مليون مواطن، وهم رغم ما لم تشهده مصر من قبل، فقد خرج المواطن وهو يشعر أن صوته سوف يكون أمانة وله مكانته واحترامه، وهو ما يجيب على كافة الاطراف سواء من قالوا نعم أو من قالوا لا احترام ارادة الـ 2،77% الذين قالوا نعم حسبما جاء فى نتيجة الاستفتاء، وعلينا أن ندرك جميعا أن التجربة الديمقراطية مازالت فى المهد، وسوف تأخذ وقتا حتى نتعلم كيفية احترام الآخر دون ترهيب أو ارهاب أو ضغوط أو استخدام للقوة والعنف.. وليعلم الجميع أن حضارة الجميع تقاس بمدى احترام كل منـــــا للرأى الآخـــر .. دون المســاس برأيه وحقه فى التعبير عنه
ساحة النقاش