لا تهاون فى حقوق المواطنين على الحاكم

كتبت :أمل مبروك

إن المقصد الأعلى من التشريع الاسلامى هو حفظ نظام الأمة وحياتها، واستمرار صلاحها واستقامتها، ومن وسائل الشريعة في تحقيق ذلك أنها جعلت لحقوقَ العباد مكانتَها الأسمى من الاعتناء والاهتمام، و تأمين أصحاب الحقوق، وانتفاعهم بها على طريق فطري عادل.

فى ظل الأصوات التى تتعالى الآن للمطالبة بالتسامح والتصالح مع الرئيس السابق وعائلته والصفح عما ارتكبوه من جرائم وتهاون فى حقوقنا جعلنا نعانى من أمراض مزمنة وديون متراكمة وحياة غير كريمة .. ما هو موقف الشريعة من هذه الرؤية ؟

فادية طه سليم - محاسبة

- يؤكد فضيلة د. أحمد عمر هاشم _ عضو مجمع البحوث الإسلامية - أن تعاليم الإسلام وتوجيهاته السامية حرصت على حقوق العباد حفظاً وصيانةً وتقديراً واحترامًا، حتى قرر أهل العلم قاعدتهم المشهورة: "حقوق العباد مبنية على التضييق والمشاحنة، وحقوق الله مبنية على التيسير والمسامحة".

وينبّه المولى جل وعلا في موضعين من كتابه على ذلك، فيقول: يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَـاطِلِ. ويشير إلى ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه. ويقول عليه الصلاة والسلام في قاعدة التشريع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا ، ويؤكد أيضاً هذا المعنى بقوله الجامع: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك، وبطبيعة الحال فان الحاكم هو الأمين الأول على حقوق المواطنين الذين ائتمنوه على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ، فإذا استهان بها وتركها تضيع أو استباحها لنفسه أو غير ذلك من أمور التفريط فيها فان الإسلام قد حذر كل الحذر من التهاون في أدائها لأنها مثل الدين، لا يسمح فيه بالمماطلة أو التأخير في قضائه، أو التساهل وعدم الاكتراث في أدائه.

إن دَين الإنسان في نظر الإسلام أمانة عظمى، ومسئولية كبرى، يقول جل وعلا: إِنَّ _للَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ _لأمَـا_نَـا_تِ إِلَى أَهْلِهَا ، والله تعالى يقول آمراً عباده أمراً جازماً: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدّ _لَّذِى _ؤْتُمِنَ أَمَـا_نَتَهُ ، بل ويجيء التشديد من الشرع في آثار انتهاك تلك الحقوق أو الإخلال بها، يقول نبي الإسلام محمد فيما يرويه البخاري عنه: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلل منها، فإنه ليس ثَمَّ دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات أخيه، فطرحت عليه، فطرح في النار..إن نظرة الإسلام لدَيْن الإنسان عظيمة، ولآثاره كبيرة، حتى استثناه الله جل وعلا من قاعدة المكفرات، وأصول الماحيات، يقول صلى الله عليه وسلم : يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدَّين رواه مسلم. وفي رواية له: القتل في سبيل الله يكفِّر كل شيء إلا الدين.

هذا يعنى أن حقوق الناس بعضهم على بعض كحق الشعب على الحاكم أو حق الحاكم على المحكوم .. تستمد شرعيتها وقوتها من مصدر واحد وهو حق الله على عباده، فالذي يؤمن بحق الله على عباده لا بد أن يؤمن بهذه الحقوق وهذا المبدأ يعطيها الأهمية الكبرى، فلا يمكن أن يتعدى على هذه الحقوق أو يتساهل في أدائها أو يتحايل ويلتف عليها تحت أي ذريعة من الذرائع أو أي مبرر من المبررات، بل يجب على الجميع السعي في تطبيقها، إلا أن يتنازل صاحب الحق عنها مختاراً بدون إكراه ولا إجبار، وهذا التنازل إذا وافق عليه البعض ورفضه البعض يعنى عدم توافر شرط التنازل.

وإذا عدنا إلى الآية القرآنية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى_ أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً

نجد معنيين للأمانة في الآية المباركة:الأول معنى عام شامل لكل الأمانات المادية والمعنوية ومن كل الناس أيضا، الغني والفقير والرئيس والمرؤوس والرجل والمرأة وهكذا. والمعنى الآخر: أن الأمانة في الآية المراد بها أمانة خاصة وهي ما يحملها الحاكم لشعبه. والمعنى الأول لا يتنافى مع المعنى الثاني بل يؤكده.

هذا الدعاء

- من الناس من يقول اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه وهناك من يقول أنه دعاء غير شرعى فأى الرأيين صحيح؟

بهيرة محمود _ طبيبة أسنان

- يرى فضيلة د. نصر فريد واصل _ مفتى الجمهورية الأسبق - أن هذا دعاء بدعي باطل ، لأن معناه أن من يدعو يقول : افعل ما شئت ولكن خفف ، وهذا خطأ ، فالإنسان يجب أن يسأل الله عزّ وجل رفع البلاء نهائياً فيقول مثلاً : اللهم عافني ، اللهم ارزقني ، وما أشبه ذلك.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال:لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهَمَّ اِغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ .فقول: لا أسألك رد القضاء،ولكن أسألك اللّطف فيه أشد.

واعلم أن الدعاء قد يرد القضاء،كما جاء في الحديث: لاً يَرُدُّ القَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ . وكم من إنسانٍ افتقر غاية الافتقار حتى كاد يهلك ، فإذا دعا أجاب الله دعاءه ، وكم من إنسان مرض حتى يئس من الحياة ، فيدعو فيستجيب الله دعاءه..قال الله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فذكر حاله يريدُ من اللهَ أن يكشفُ عنهُ الضُّرَّ ، قال الله : فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ. 

 

المصدر: مجلة حواء- أمل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,931,837

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز