«كف القمر» خالد ووفاء

كتبت :تهاني الصوابي

كف القمر لؤلؤة جديدة وجميلة ومتميزة فى سلسلة أفلام خالد يوسف التى تتحدث جميعها عن حال المواطن المصرى فى زمن نخر فيه القهر والفساد كالسوس فى جسد المجتمع المصرى محذرا من انفجار المواطن كالبركان الهادر ، وهو ما حدث فى ثورة يناير ، ولكن يختلف الحال فى كف القمر ، فقد انتصرت روح الثورة على اليأس والقهر والظلم والفقر، وكأنه يشير إلى ما حدث فى مصر منذ شهور ، حيث تعود روح الأمل فى غد أفضل ينتظره المواطن المصرى منذ سنوات طويلة.

استطاع ناصر عبد الرحمن أن يكتب ملحمة صعيدية بحنكتهودراية بخبايا النفس البشرية لأهل مصر الجوانى المصريين وجذورهم الممتدة فيه عبر التاريخ صورتها بتقنية وحرفية كاميرا رمسيس مرزوق على أنغام موسيقى وغناء أحمد سعد وأشعار جمال بخيت ، والتى أضافت بعداً جديداً وجميلاً لرؤية المخرج خالد يوسف الذى أصبح اسمه على أى فيلم ، وعلامة مميزة تعلن عن فيلم غير عادى تحمل أفكاراً ورؤية لمخرج كبير واع ومثقف يثبت يوماً بعد يوم أنه تلميذ نجيب للمخرج الكبير يوسف شاهين ، والحقيقة أن وجود خالد يوسف فى أى فيلم كافياً ليبعث حاله من التوهج والتألق على الممثلين الذين يختارهم بعناية ودقة فائقة وبعين ثاقبة تكشف عن قدراتهم التمثيلية الحقيقية وموهبتهم الدفينة حتى لو لم تكن اسماء كبيرة فى عالم الفن، فبمجرد اختيار خالد يوسف لهم يضعهم فى صفوف النجوم الكبار ، وهو ما حدث فى فيلم كف القمر مع جومانا مراد وحسن الرداد وهيثم أحمد زكى ، والممثل الأردنى ياسر المصرى الذى يقوم بدور الأب والابن معاً، حيث تعتبر أدوارهم بداية حقيقية لهم فى صفوف النجوم جنباً إلى جنب خالد صالح ، الذى يثبت يوماً بعد يوم أن لديه من الموهبة مخزوناً وفائضاً يكفى احتياجات السينما لسنوات وسنوات قادمة ، فهو يحمل بداخله كل متناقضات الانسان من البراءة والشر ، القوة والضعف ، الانتصار والانكسار ، وهو ما دفع خالد يوسف لاختياره ليكون الشخصية المحركة للأحداث فى الفيلم يبث من موهبته وقدرته على التقمس ومعايشة الشخصية على من حوله ، الذين ذابوا فى أدوارهم وكأنهم أتوا من هذا الصعيد الجوانى بكل جماله وقسوته.

الحقيقة أن المشاهد القليلة التى ظهرت فيها غادة عبد الرازق تكفى لتثبت لنا أنها ممثلة قديرة لديها من الموهبة والتمكن لأن تصبح فى مصاف النجوم الكبار بحق بعيداً عن «الباطنية» و «زهرة» و «سمارة» وغيرها من الأدوار التجارية المستهلكة التى تستنزف من رصيدها، ولا تضيف لها لدى المشاهد المصرى الذى لا يعنيه حجم الدور ، بقدر ما يحويه من قيمة ومعنى ، أما الفنانة القديرة وفاء عامر فهى البطلة الحقيقية لهذا الفيلم ، حيث قدمها المخرج خالد يوسف فى دور «قمر» الأم الصعيدية الآمرة الناهية التى تحرك أصابع يديها الخمسة أو بمعنى أدق ابناءها الخمسة فى القرب والبعد ، فيحسون بها ويعملون لها الف حساب فى فرحها وغضبها ، فهى العمود الأساسى للأسرة أن مالت أو مرضت مال حال المجتمع ومرض، وأن صلب عودها استقام العود ، وكانت تستحق وبحق أن تأخذ حقها من التصفيق والشو الأعلامى فى مهرجان الاسكندرية السينمائى فى حفل الافتتاح الذى شهد عرض الفيلم بدلاً من غادة عبد الرازق .

يعبر فيلم كف القمر عن روح الأمل والتفاؤل التى دبت فى ابناء مصر بعد الثورة ورغبتهم فى اعادة بناء ما تهدم ، وهو ما وضح جليا فى نهاية الفيلم ، وتدور احداث الفيلم خلال ثلاثين عاما تقريبا ، حيث تعانى العجوز وفاء عامر من غرغرينه فى كف يدها الذى يرمز إلى ابنائها الخمسة ، وتعيش بمفردها فى بيت متهالك ، شديد التواضع اعتاد لصوص القرية وابناؤها الصغار على سرقته بين الحين والآخر، ولم يتركوا لها شيئاً ، حتى جدرانه وابوابه ونوافذه ، لم تفلح محاولات العجوز التصدى لهم بمفردها بعد أن تركها الابناء بناء على رغبتها للسفر والحصول على المال لاعادة بناء البيت تحت مظلة اخيهم الأكبر «زكرى» خالد صالح ، محملة أياه مهمة الحفاظ على الكف باصابعه الخمسة مجتمعين لا ينقص منه أصبع واحد فى اشارة إلى اخواته الخمسة، «جودة» صبرى فواز، و «ضاحى» ياسر المصرى ، و «بكر» حسن الرداد، و «ياسين» هيثم أحمد زكى ، والذين بمجرد أن نزلوا إلى المدينة تاهوا وتفرقوا ، وعندما ينجح الأخ الأكبر فى تجميعهم بناء على رغبة قمر التى تريد أن تراهم مجتمعين معاً تموت قبل أن تراهم ويرونها ، فتدب فيهم الحياة ويبنون البيت الذى طالما تمنته وعاشت على حلمه سنوات وسنوات.

فيلم كف القمر هو المكسب الوحيد فى مهرجان الاسكندرية السينمائى فى دورته السابعة والعشرين عندما نجح القائمون عليه فى اقتناسه لعرضه فى حفل الافتتاح ، وهو ما يحسب للمخرج المبدع خالد يوسف الذى وافق بدافع من مصريته ووطنيته فى دعم أول مهرجان سينمائى يقام على أرض مصر بعد ثورة 25 يناير.