.. والمثقفون يؤكدون:

هجومكم على محفوظ نذير شؤم

كتب :محمد الحمامصي

ما أن اطمأنت القوي الإسلامية إلى فوزها بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية الجارية، حتى خرج النائب البرلماني علي مقعد الفردي فئات بالإسكندرية والمتحدث باسم الدعوة السلفية وحزب النور السلفي المهندس عبد المنعم الشحات، ليكشف ما تحمله تلك القوى من نوايا لمصر تهدف إلي هدم مركزها الحضاري والثقافي والإنساني، بادئا بهدم هرمها الرابع وأديبها العظيم نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب عام 1988، حيث رأي في رواياته وكتاباته خلال برنامج "«سياسة في دين"»، الذي يذاع على إحدى القنوات الفضائىة، أنها صورت مصر وكأنها " خمارة كبيرة"، وأضاف: " «من العار على أي مصري أن يقدم مصر من خلال روايات نجيب محفوظ"».

تصريحات الشحات شكل توقيتها صدمة للوسط الثقافي المصري بل والشعب المصرى كافة، على الرغم من أنها ليست جديدة، لكنها تأتي في توقيت اطمأنت فيه القوي التي يمثلها إلي قرب استيلائها علي السلطة، فكان أن كشرت أنيابها مهددة ومحذرة ومتوعدة لحرية الإبداع والفن والتعبير بآدائه بأبرز رموز مصر والعالمين العربي والغربي

بداية يؤكد القاص والروائي إبراهيم أصلان أن كلام الشحات "كلام بائس وهزلى ، إلا أنه نذير شؤم، كلام لا يجوز بأي معيار من المعايير بعدما تخلص العالم كله من مثل هذه الأفكار المعتمة، ثم نأتي نحن ونعمل على إحيائها ونفاجئ العالم كله بها بصورة مخجلة".

ويضيف أصلان "يؤسفني أن أقول إن هذا الكلام هزلي ولا يستدعي إلا الإحساس بالسخرية والمزيد من الحزن على ما يجري".

العصور الوسطى

ولا يأخذ الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد كلام الشحات مأخذ الجد، ويقول "كلامه مضحك، ليس لديه فكرة عما يتحدث، لذلك لا أهتم بما يقول، لكني أتساءل من أين آتى هذا الرجل؟ هل أتى من العصور الوسطى راكبا جملا؟ هل جاء من خارج الزمان والمكان؟ إنه يستحق الشفقة، ثم عندما ينجح أتباعه إذا نجحوا ليرينا ماذا سيفعل؟".

معارك تافهة

وسخرت الكاتبة الروائية د.سحر الموجي من كلام الشحات، وقالت إنه لا ينبغي أن يستهلكنا هؤلاء في جدل عقيم ويسوقوننا إلى معارك تافهة، وأعلنت أنه عندما يقول لها أحد منهم مثل ما قاله الشحات سترد "أنت خطتك إيه للتعليم والصحة والفقر"، "اللي يقولي مايوه سأقوله صحة، واللي يقولى خمارة أقوله خطتك إيه للبطالة والفقر والتعليم، لأنني أدرك أنهم سوف يجروننا إلى معارك تافهة حتى لا نسألهم ماذا ستفعلون في مجلس الشعب ما الذي ستقدمونه لأبناء مصر".

ويؤكد الروائي مكاوي سعيد أن مثل هذه الأقوال ليست بالجديدة ويقول : هي تدلل على حالة التسطيح الفكري التي يعيش فيها هؤلاء القوم، وغيبوبة فكرية وعودة للوراء وأمنيات بأن تعود أسواق بيع الجواري والإماء. هم لم يقرأوا نجيب محفوظ ولا أية أعمال أدبية أخرى، لذا لا يجب أخذ أقوالهم على محمل الجد ، ولندعهم يثبتون للعالم كله جهلهم وضحالتهم الفكرية.

إن ما يدهشني أن بعض السلفيين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين من غير المطلعين على الأدب العربي والغربي يحلو لهم دائما التصدي بالنقد المخل والمشوه لأعمال أدبية نالت قبولا وإجماعا إنسانيا وعالميا ومحليا، والأولى بهم طرح أفكارهم حول محاربة الفقر ودورهم في التنمية المجتمعية وحلولهم لمشاكل البطالة والأمية بدلا من التصدي لعلوم لا يعرفونها ويجهلونها تماما.

غير مؤتمنين

ويقول د.نبيل بهجت أستاذ المسرح بجامعة حلوان "لقد فهم الإخوان مؤخرا أن أدب نجيب محفوظ ضرورة قومية، وكتب أحدهم في عدد أخبار الأدب الذي احتفى فيه الإخوان بعيد ميلاد نجيب محفوظ التسعين مقالا بعنوان "أنت أقرب الى الله منا يا سيدي" وهو مقال منصف غير أنى يستحيل علي الآن أن أجده، أما السلف فهم متبعون لتعليمات، خارجية وهم يدمرون أنفسهم بأنفسهم ويتراجعون شعبيا، لأنهم لم يصدقوا مع الله، فكيف لهم إذا الآن أن يتكلموا عن تطهير الثقافة المصرية أليس من باب أولى أن يطهروا أنفسهم ؟! أليس هم المحرمون لعمل المرأة بالسياسة، ومع ذلك خرجت نساؤهم عن بكرة أبيهن ووقفن أمام اللجان وقبلن المتبرجات من أجل صوت انتخابي، فأى مأمن لأناس يبيعون دينهم بمقعد"؛

وتقول الكاتبة والباحثة د.عزة عزت: لم يبدأ بعد حكم الملالي السلفيين، والأخوان المسلمين، والخارجين من صوامع الصوفية.. لكن نواياهم التي كانت تكشف عنها بعض فلتات ألسنتهم، منذ ظهروا كالثقاليل على وجه مصر، بدأت تتكشف حتى قبل أن يبدأ عصرهم الذي نتوقع أن يُحرّم علينا الحياة.. والذي أتوقع أن تبدأ أولى حروبه مع الكتّاب والمثقفين، والفنانين ورجال السياحة، إلى أن ينتهي بهم الحال لإعلان الحرب على كل ما هو جميل ونبيل في الحياة المصرية.. بل ستكون حروبهم الأكثر شراسة مع القوى الناعمة التي شكلت وجه مصر ووضعتها في مكانتها بين محيطها العربي، وأطرت إبداع بعض أدبائها وفنانيها عالميا.

بدأوا قبل أن يركبوا.. كما كان أحد قياداتهم يقول: "انتظروا لما نركب ثم نطبق الحدود"، بدأوا باستعداء الناس على الكتاب والمبدعين، وبدأوا برأسهم نجيب محفوظ ـ رغم رحيله ـ كي يسهل بعد ذلك النيل من إبداع باقي الأدباء، وقد سبق أن تخيلت الحياة المصرية لو تولوا حكم مصر.. أو حتى تصدروا المشهد فيها، وأكاد أوقن أنهم سيحاولون مسخ وجه الحياة المصرية، كي تصبح حياة جافة لا ثقافة ولا فن ولا أدب ولا حرية على أي صعيد، وسيحاولون ترصد المبدعين في كل مجال، وتصيُّد الأخطاء لهم وتعقبهم، بدعوات متخلفة تعود بمصر مئات السنين إلى الخلف.. وسيحاولون استعداء البسطاء وانصاف المتعلمين ضدهم، وقد بدأوا بالكبير بين المبدعين ولا نستبعد أن يطالبوا قريبا بحرق إبداعه والإساءة إلى تاريخه والنيل منه، وستتوالى مواقفهم تباعا حيال باقي المبدعين.. الأمر الذي يتناقض مع الروح المصرية المحبة للحياة، وهو ما سيقود إلى مزيد من الصراعات والاحتقانات التي ستحول الحياة في مصر إلى جحيم خال من أى لمسة جمال.

انتقام ناخب

ويتساءل الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم إذا ما كان الشباب قام بالثورة وضحى من أجل أن يخرج الشحات وغيره، ويضيف : شيء يثير الجنون، أن يناضل شبابنا طيلة هذه الثورة، ولا يجنون إلا القليل، بينما يحرز السلفيون، وهو اختراع جديد، نسبة هائلة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، ولا مشكلة عندي في حدوث هذا، فالأيام بيننا، والجولات والصولات خاصة مع انتخابات قادمة ستبين الحق من الباطل، والحق في ظني للشعب المصري أنه لم يعرف التشدد طيلة تاريخه العريق، لكن طريقة الانتخابات والظروف التي جرت فيها، ربما كانت السبب.

في انتقام المصوتين من فلول الوطني وفضائحه السابقة، لكن المهم، ما داموا مصريين، مثلنا مثلهم، ولهم في الوطن ما لنا في الوطن، فيجب أن يقدموا لنا برنامجاً يفيد أنهم سيفيدون هذا الوطن، أما مسألة الأدب، ورأيهم في الكبير نجيب محفوظ، وهو رمز لنا جميعاً، فأظن عليه أن يهدأ قليلاً ويتكلّم فيما يفيد، يفيد الوطن أولاً في مثل هذه الظروف العصيبة، وفيما بعد سنردّ عليه، لا الآن حيث لن نتنازل يوماً عن الحرية، أقصى الحرية في عالم الأدب، ولن يثنينا أي كان عن هذا المطلب العزيز، وصراعنا قادم لا محالة.

الثقافة السلفية

وتشير الكاتبة والروائية انتصار عبد المنعم إلى أمرين أولهما أن الشحات يتبع أسلوب الفرقعة الإعلامية تأسيا بخصمه اللدود جماعة الإخوان المسلمين، التي صبت كل اهتمامها في البرلمان على الروايات التي تمس الفضيلة والذات الإلهية من وجهة نظرهم ، وإن كان سلك نفس سلوك الإخوان فذلك على أمل أن يجذب من تحت أرجلهم البساط، كونه أيضا يستطيع القراءة والحكم على الأعمال الأدبية، ثانيا : وبكل تأكيد هو لم يقرأ لمحفوظ ولا لغيره فأدبيات الثقافة السلفية تبتعد تماما عن كل شىء يخرج عن نطاق الكليات الخمس ،والأمر أن البعض شاهد أعمال محفوظ التي تحولت إلى أفلام سينمائية فكان الحكم القيمي على العمل الأدبي،وحتى لو صدق الشحات في أن محفوظ كتب أدبا فاسدا فهل نحن شعب قارئ؟ وكم تبلغ نسبة الأمية؟ نسبة الأمية المرتفعة تقف في صف أعمال محفوظ، فجهل الشعب يثبت أن الانحلال الأخلاقي تسبب فيه الشحات وأمثاله عندما تركوا المواطن البسيط لينقبوا عن حكم بول البعير والاستجمار وإرضاع الكبير .

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 472 مشاهدة
نشرت فى 15 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,469,413

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز