تحيا عام التحرير والحرية .. عام 2011

كتب :محمد الحمامصي

كبد عام 2011 مصر ثمنا باهظا من الأرواح والأموال والأمان والاستقرار والسلام الداخلي، لكنه منحها الأعز والأسمى والأبقى لها ولأبنائها، منحها الحرية من الاستبداد والدكتاتورية واللصوصية والتدمير المنظم لكيانها، فتحية لعام 2011 وليحيا التحرير والحرية.

الحرية، وما أدراك ما الحرية، ليست مأكلا أو ملبسا أو مسكنا أو وظيفة أو مالا أو أي من مطالب الحياة على الرغم من أهميتها وحق كل إنسان أن يتمتع بها، الحرية أبعد عمقا وأشمل جوهرا من كل ذلك، إنها من يوفر لنا كل ذلك تعانقه الكرامة والعزة والشموخ.

الحرية وتد الخيمة، قلب كل حي، هواء وماء ودم الحياة، فقدها يساوى موت المستقبل، لا مستقبل لمن لا حرية له، فالمستقبل لا ينمو ويترعرع ويؤتى ثمار التقدم والتطور والتجدد إلا في كنف الحرية.

لقد ضرب المصريون نساء ورجالا، صغارا وكبارا المثل الأعظم في تاريخ مصر الحديث كله يوم خرجوا في عام 2011 بدءا من 25 يناير وحتى 17 ديسمبر طلبا للحرية، مؤكدين أن أحدا لن يكبل أو ينهب أو يقتل مستقبل مصر أو مستقبل أحد من أبنائها مسلما أو قبطيا، وأنهم قادرون على تجاوز الآلام والمحن ليبدأوا في استعادة مكانتها ومكانتهم باعتبارها صاحبة أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية واعتبارهم أبناء صناع هذه الحضارة.

لتبدأ ثورة البناء ولتخرج الأحلام والطموحات إلى حيز التنفيذ، ليكن عام 2012 عام البناء والتغيير الحقيقي، لننظف مصر من الفساد والفاسدين ولنحاكم القتلة وسافكي الدماء، لنطلق شباب الثورة المعتقلين الذين لم يخرجوا ثائرين إلا من أجل مصر الحرية والكرامة والعدالة، ونتعهد بتحقيق طموحاتهم وأحلامهم، لنوقف العنف ونؤكد أننا جميعا مخلصون لمصر، لنغير منظومة التعليم الفاشلة التي اعتمدت التلقين والغش والدروس الخصوصية وأدت إلى عقم الفكر والإبداع وتخلف الحس الجمالي، لنعيد مصر بلدا صناعيا منتجا على الأقل للصناعات الحيوية، لنعيدها بلدا زراعيا تؤمن الغذاء لأبنائها، لنعيدها بلدا منتجا للثقافة والإبداع والفكر بتشجيع كتابها وتقديمهم كوجوه مضيئة، لنرد لها هيبتها عربيا وعالميا من خلال مواقف تؤكد انحيازها لأمن وسلامة أبنائها هنا وهناك على خريطة العالم، لنؤمن لسواعدها الشريفة تعمير الصحراء وبناء المصانع، لنقطع دابر الفسدة والمفسدين ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه مجرد التفكير في الاستيلاء بدون وجه حق على مقدرات أبنائها.

مصر تملك خيرة النخب العلمية والفكرية والإبداعية والفنية عربيا ودوليا، والتي من شأنها أن تفعل الكثير لها، لكن للأسف يحجم بعضهم ويعتم على بعضهم ويطعن في مصداقية بعضهم ويتجنب بعضهم، فيما "يتنطنط" و"يتحنجل" و"يتمهرج" من معدومي العلم والإبداع والفكر بحثا عن المناصب والمواقع القيادية، وللأسف يلقون الحظوة.

إن مصر دخلت إلى النفق المظلم الذي أنارته وفتحته ثورة 25 يناير يوم أقصت نخبها وتجاهلتها عمدا، فما نجح الرئيس جمال عبد الناصر ـ مع ما يمكن أن نأخذه عليه ـ إلا لكونه واعيا بقيمة وأهمية ودور ورأي ومشاركة هذه النخب، وما سقط الرئيس السادات والرئيس المخلوع مبارك إلا لكونهما أزهقا روح هذه النخب بالنفي والإقصاء والتعتيم والمطاردة والسجن. إننا بحاجة إلى لم شمل النخب واحتضان أفكارها ورؤاها فكرية وثقافية وعلمية إلى إطلاق مشروع قومي ليكن تحت مسمى "إعادة بناء مصر".

لنعيد بناء مصر، لا نريد ترميما أو ترقيعا أو تجميلا زائفا، نريد بناء يستهلهم روح أبنائها الثوار، ولنتكاتف جميعا دون مسميات، لا فرق بين مواطن عادي وقائد كبير، لنكن في هم البناء سواء، ونتخلص من وساوسنا وهواجسنا ومطامعنا التي تحول دون اتفاقنا، مصر بحاجة لنا جميعا وإن لم ندرك هذا ونسعى إلى تحقيقه بجلد وصبر ضعنا وضيعنا مصر.

كفانا من الفتنة ما رأينا من أهوالها وقاسينا مما بثته من عداء وكراهية وحقد بيننا، ومما أحدثته من وقيعة وأسالته من دماء ذكية طاهرة، كفانا سبا وطعنا وهتكا وسحلا، لقد أصبحنا فرجة لكل من هب ودب، ولنحافظ على جيشنا وشعبنا وأمننا وأماننا.

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 363 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,744,655

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز