قراءة في كف مصر ك
كتبت:ايمان حسن الحفناوي
بدأ العام الجديد وبدأت بورصة التوقعات، ومع بداية العام نجد أنفسنا وقد اقتربنا من 25 يناير، عيد الثورة، لكنه في نفس الوقت موعد لتصحيح مسار الثورة كما أطلق البعض.. وتصحيح المسار هذا ينظر إليه كثيرون بقلق لاسيما وأن مطالب كثيرة لم تتحقق للآن.. ماذا يقول كف مصر؟ إذا اعتبرت مصر فتاة جميلة تعيش فترة مرتبكة، واعتبرت نفسي قارئة كف فماذا سأرى في كف مصر؟ تعالوا معي نحاول فك شفرات الخطوط بكف بلدنا.
إذا قلبنا كف مصر سنجد الصورة مرتبكة، وسنلاحظ ثلاثة مخاوف رئيسية:
1- فالجيش والشعب لما يعودا "إيد واحدة".. و الجيش والإسلاميون لما يعودا أيضا بنفس نضارة علاقتهما، الإسلاميون أنفسهم منقسمون على بعضهم، الإخوان المسلمون والسلفيون لا تسير الأمور بينهما على ما يرام، وآخر مشكلاتهما المرشح القبطي الذي دعمه حزب الحرية والعدالة بالقليوبية ليشكل هذا الحدث فصلاً جديداً من الصراع مع السلفيين الذين اعتبروه "ضربة" لهم.
لذلك ففي هذه الجزئية يتساءل الناس: ماذا سيفعل بنا الجيش وماذا يجهز لنا الإسلاميون؟ وأي دستور هذا يمكن أن يضعوه على اعتبار أنهم هم الأغلبية النيابية؟ وماذا سيكون وضع الشعب في حالة اصطدام الجيش بالإسلاميين؟.
2- الارتباك يظهر أيضا في إحساس الناس ببطء العدالة، فالشهداء ذهبوا لربهم والمصابون يعانون جراء ما حدث لهم، الاقتصاد والوضع الأمني والارتباك بسبب أفراد يتواجدون الآن بسجن طرة أو بأحد المستشفيات أو حتى استطاعوا الفرار خارج البلاد.. والبطء في العدل يولد الحقد ويخلق الفوضى بلاشك لأنه يجعل الإنسان يفقد الثقة ويتعاظم لديه الإحساس بالظلم، فيحاول أخذ حقه بيده طالما عجز القانون عن إعطائه حقه.. الناس يتساءلون هل سيحصل مبارك ومعاونوه على براءة في الاتهام بقتل المتظاهرين إذا لم يتوافر الشهود؟.
3- أما الخوف الأعظم والذي بدأ يسود بشكل مضحك فهو : هل فعلا من حق الرئيس المخلوع أن يرشح نفسه للرئاسة؟ وهل فعلا كما يطلق كثيرون الآن من خلال مقالاتهم أو لقاءاتهم التليفزيونية أن من حق المخلوع قانونا الترشح للرئاسة لاسيما وأنه لايزال متهما ولم تثبت إدانته بعد؟.
هذا هو الارتباك الحادث بشكل مختصر وملخص في ثلاث نقاط تتفرع عنهم بقية المخاوف.. فماذا يقول كف مصر وكيف يدلنا على ما سيحدث بإذن الله؟
1- إن المصريين الآن خائفون من الجيش متوجسون من الإسلاميين، لكنهم في نفس الوقت يدركون أن الجيش يحد من خطر الإسلاميين، وأن الإسلاميين صمام أمان ضد الجيش.. إشكالية أن تخاف من هذا، وتتوخى ذاك، وفي نفس الوقت تريدهما معا لأن كل منهما في نظرك يحد من تأثير الأخر.
الصدام المتوقع، أن يصطدم الجيش بالإسلاميين في محاولة منه إما لحل البرلمان كما حدث في الجزائر أو لكبح سلطات العمل البرلماني بما يؤثر سلبا على أداء الأغلبية فيه.
هذا الصدام لا يمكن أن يحدث ، فالجيش مهما كانت تجاوزاته فهو أعقل بكثير من أن يفعل ذلك، خاصة وأنه يعلم جيدا أن شيئا كهذا لن يمر إلا على أشلاء مصر، هو أيضا سمع مثلنا ما قاله الإسلاميون قبل الجولة الأولى من الانتخابات عندما انتقدهم الشعب لاهتمامهم بالتحضير للانتخابات على حساب التضامن مع الشعب في الشارع أثناء أحداث محمد محمود، وقتها قالوا: اليوم انتخابات وغدا معركة.. كلمة واضحة جدا.. والجيش أخطأ التقدير ولا شك في أمور كثيرة مما جعل العلاقة الرومانسية التي جمعته بالشعب تصاب بتوتر واضح وتتكدر، إلا أنه في النهاية جيش مصر، وهو يدرك أن تصرفا كهذا سيجر الكوارث على البلد، وهو لأنه ليس خائنا ولا مجموعة من المرتزقة لن يُدخِل البلد في صدام دموي، فهو يعلم تماما أن أي صدام من هذا النوع لن يجلب إلا الخراب، وأن كثيرين جدا كما وشت لنا صناديق الانتخابات ستقف خلف الإسلاميين، بل إن كثيرين أيضا ممن يقفون الآن ضد الإسلاميين سيغيرون موقفهم ويدعمونهم ضد الجيش لأن المسألة في هذا الوقت ستكون دفاعا عن شرعية العمل النيابي ودفاعا عن حقوق الشعب في الديمقراطية، وقد تكون أيضا عند البعض" تخليص حق" من الجيش، حيث إن الجيش أصبح له رصيد من الأخطاء عند البعض.
السيناريو التالي مباشرة هو الرعب من الإسلاميين.. فبعدما حصدوا أغلبية مقاعد البرلمان أصبح التصور العام عند كثيرين أننا صرنا مسجونين في بلادنا وأن مصر سترى أسوأ أيام حياتها وأننا سنساق كالأغنام.. ولعمري إن هذا مضحك لدرجة البكاء، منذ متى يساق المصريون إلا إذا أرادوا ذلك؟ الإسلاميون جاءوا باختيار الشعب فهم نواب عنهم، الأصل هنا هو الشعب فلماذا نقلب الأوضاع؟ ثم هل سيكون الإسلاميون أو الجيش أو أي جهة أو مؤسسة أقوى وأكثر استقرارا من نظام بائد ثار عليه الشعب فخلعه في ثمانى عشرة يوما؟ لن يستطيع الإسلاميون تغيير معالم الوجه المصري، والذكي لا يصطدم بشعب مصر أبدا ولا يحاول كسر إرادة مصر، وليت المصريين جميعا يعلمون أنه لا توجد قوة في العالم يمكنها أن تغير معالم وجه مصر إلا إذا ذهبت مصر بنفسها وجلست على المقعد وطلبت تغيير ملامحها، وهذا لن يحدث.
2- الأمر الثاني وهو إحساس الناس ببطء العدالة، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يخيفني فعلا، لأن ثقة الشعب في قضاء مصر كانت عالية جدا في بداية الثورة، خاصة وأن القضاء ثار من قبل على تزوير الانتخابات وخرج في عدة وقفات ، مما يشكل سابقة عجيبة في تاريخ الدول، بل إن كثيرين قالوا إن موقف القضاء السابق هذا، ما كان إلا وقودا لثورة 25 يناير، لذلك استبشر الشعب خيرا عندما بدأت المحاكمات، لكن نبرة الأمل هذه تخفت يوما بعد يوم، وهذا ما يقلقني.. فعندما يرى والد الشهيد زملاء فلذته تتم محاكمتهم سريعا وبناء على محاكمات بعضها أمام القضاء العسكري، ولا يرى القانون متعجلا بنفس القدر لأخذ حق دم ابنه ، فهذا ما يعجز القلم عن وصفه.. عندما تطالعنا وسائل الإعلام بما تم نهبه من أموالنا وهو ما تسبب في فقرنا واحتياجنا ثم نرى من فعلوا ذلك بنا يرفعون علامة النصر من قفص الاتهام علنا جهارا نهارا فهذا لا يريحنا... والناس يتصورون أن يحصل مبارك على براءة في التهمة بقتل المتظاهرين.. لو حدث هذا لاشتعلت مصر، فمبارك مسئول إما بالتحريض أو إعطاء الأوامر، وإما بعدم اتخاذ الإجراءات الفورية مع من تم قتلهم وحقن دماء الباقين، فقد كان رئيسا يوم 25 يناير الماضي، وكان رئيسا يوم 28 يناير ويوم 4 فبراير.. المسئولية واضحة في الحالتين، والمصري يفهم ذلك وينتظر، وليتنا نقدر انتظار المصري لحقه لأن صبره عندما ينفد فلا شيء يقف أمامه.
3- أما الخوف الثالث وهو المضحك برأيي ، فهو ترشح مبارك لرئاسة الدولة.. طبعا لا يمكن أن يحدث هذا أبدا، فالثورة قامت لخلع هذا الرجل ومعاونيه ، لذلك لا يحق لأحدهم الوصول للسلطة مرة أخرى، لأن الخلع هذا إنما تم بناء على إرادة شعبية تحققت وانتهى الأمر، وإذا حدث ورشح مبارك نفسه فلابد أن ندرك فورا أننا في فيلم كارتون لا أكثر ولا أقل.. وأن شعب مصر لم يعد يستحق الحياة فعلا إذا ترك الأمر يمر هكذا.
كف مصر يقول إن كل شيء يمكن السيطرة عليه واستيعابه إلا شيئا واحدا لو تم فستحترق مصر لا قدر الله، هذا الشيء هو عدم معاقبة من أوصلونا إلى هذا الحال، هو ترك حق الشهيد وإهدار حق المصاب وتكريم من أخطأوا.
كف مصر يقول إن الأوضاع غائمة، لكن شمسا هناك تنتظر أن نعطيها موعدا لتسطع وتملأ الدنيا ضياء، فلن نهزم مخاوفنا إلا إذا شعرنا بقيمتنا وقوتنا، ولن نتقدم خطوة واحدة إلا بتوفيق الله ثم بإصرارنا، ولن ننهض إلا إذا عرفنا وتأكدنا أن طريق الحرية لا يعرف ورودا بلا أشواك وأن طريق الكرامة ممهور بالدم {
ساحة النقاش