صينية صيَّاديه إسكندرانى!

كتبت :سكينة السادات

الصيَّادية (بتشديد الياء الأولى) أكلة سمك إسكندرانية لذيذة جدا لا يجيدها إلا أهل الإسكندرية أنفسهم وعندما دعتنى إليها إحدى صديقاتى الإسكندرانيات حاولت عملها فى القاهرة لكن الطعم كان مختلفاً تماما ربما لنوع السمك نفسه أو التوابل المستخدمة أو سر الطهى لا أعلم... المهم.. ما هو السبب فى إثارة موضوع الصيَّادية هذا فى هذه الصفحة التى تتخصص فى حلّ مشاكل القراء والقارئات؟ السبب أن صينية صيَّادية إسكندرانى كانت السبب فى حكاية اليوم!!!

 

 

توالت مهاتفات قارئى مصطفى حسن من الإسكندرية عبر تليفون دار الهلال العمومى وكان طلبه أن يحدثنى ولما حادثته قال إنه يريد رأىى فى مشكلة تواجهه وأطراف المشكلة قالوا له إنهم سوف يحترمون النصيحة التى سوف أسديها لهم وسوف ينفذون ما أراه بالحرف الواحد! طلبت من قارئى مصطفى أن يحكى لى موضوعه تليفونيا لكنه رفض وأصرّ على أنه سيأتى من الإسكندرية ليقابلنى ويحكى لى براحته كل شىء وأعطيته الموعد وحضر إلى القاهرة خصيصاً.

 

 

قارئى مصطفى حسن صاحب محل أنتيكات معروف فى حى العطارين بالإسكندرية، سنه كما قال هو (55 سنة) أما وصفه كما رأيته فهو متوسط القامة ممتلئ بعض الشىء متدين (كما يبدو من زبيبة الصلاة فى وجهه) وقبل كل شىء هو إسكندرانى خفيف الدم ابن بلد أصيل!

قال: جئت إليك أنت بالذات لأن أطراف المشكلة قد ارتضوا ما سوف تقررينه فى هذا الأمر وسوف أحكى لك كل شىء حتى تكونى فى الصورة!

بدأت كاتب حسابات فى محل صغير للأنتيكات بعد أن حصلت على شهادة الثانوية العامة ولم أستطع الالتحاق بالجامعة لضيق ذات اليد كان والدى موظفا صغيرا بالجمارك وعندما مات فجأة كنت أنا فى الثانوية وأمى وثمانية إخوة وأخوات فى عنقى مسئوليتى أنا وحدى فقد كنت أنا الأخ الكبير وكان معاش والدى لا يكفى الطعام فقط ناهيك عن مصاريف المدارس وعلاج أمى التى مرضت حزنا على وفاة والدى الفجائية فاضطررت للعمل محاسبا فى محل صغير من المحلات المتخصصة فى بيع الموبيليا القديمة للأنتيكات فى حيناالشعبى المعروف! وكان راتبى ومعاش أبى (يادوب) يكفى للضروريات مع الضغط الشديد على أطفال لا يعرفون معنى ضيق ذات اليد وعدم توفر المال لكل مطالبهم (المهم... نجحت فى عملى بفضل كفاحى وإخلاصى، وبأمر وعلم الحاج صاحب العمل وليس من ورائه، كنت أحيانا أتصرف بالبيع فى بعض التحف للأجانب ويأخذ (معلمى) أى صاحب المحل نصيبه وآخذ أنا نصيبى حسب (شطارتى) وكانت هذه الصفقات الحلال (فالتجارة شطارة) ينتج عنها ما يزيد على راتبى كل شهر (وطلبت من معلمى أن يدخر لى الفلوس حتى لا تضيع فى المصروفات اليومية لكنه.. رحمة الله عليه... دلنى على البنك وقال إن الفلوس فى البنك آخذ عليها أرباح وتزيد كل شهر وقبلت يديه وصرت أضع مكسبى فى البنك بعد أن أفى بمطالب أمى وأخواتى وكان صاحب المحل يشجعنى لأننى أفيده وأستفيد ويقول لى دائما.. البضاعة بتتباع لأن وشك سمح وقلبك طيب يامصطفى!!

ومرت الأيام ياسيدتى وكنت قد أصررت على أن يتعلم كل أخواتى تعليما جامعيا فيما عدا اثنتين من البنات قالتا لى بصراحة إنهما لا تحبان التعليم وأنهما تتمنيان فى أن يكونا زوجتين سعيدتين وبالفعل تقدم لهما عريسان من المعارف من خيرة الشباب وقدرنى ربى على أن أجهزهما بما يسترنا أمام الناس وتزوجتا وأنجبتا صبيانا وبنات!

أما باقى الإخوة ومنهم أربعة صبيان وبنتان صغيرتان فقد التحقوا بالجامعات وتفوقوا فى التعليم بل وتخرجوا وتوظفوا أيضا ومنهم من تزوجوا!

أما أمى فقد أرهقها المرض وخدمة إخوتى رغم أننى وفرت لها سيدة قريبة لنا كانت تأتى يومين فى الأسبوع لمساعدتها فى شئون المنزل لكنها مرضت مرضاً طويلا بذات الرئه وأدخلها المستشفى عدة مرات لكنها لم تستطع مقاومة المرض وماتت وهى تدعو لى بالتوفيق والسعادة ودموعها تجرى وهى تقول لى إنها كانت تتمنى أن ترانى زوجا وترى أولادى ودعت لى بأن يجزينى الله خيرا لبرى بأمى وإخوتى لأننى ضحيت بنفسى ولم أتزوج من أجلهم حتى أطمئن عليهم جميعاً!!

وماتت الأم الطاهرة الجميلة ربة البيت القديرة التى كنت أرفض تناول الطعام إلا من يديها الماهرتين اللتين كانتا تبدعان فى الطهى والتى عودتنا على الطعام البيتى المحترم ولك وبالطبع تولت السيدة قريبتنا التى كانت تساعد أمى مسئولية البيت والطهى ولكن هيهات أن تبدع مثل أمى فى شئون الطهى والمنزل، وعن إخوتى توظف أخواى أما البنتين الصغيرتين فمازالتا تدرسان بالجامعة ومازالتا معى فى البيت تحت رعايتى!

وكان الحاج صاحب المحل قد توفى وعندما أراد أولاده بيع المحل لعدم التفرغ جئنا بأكثر من واحد لكى يثمنه - أى يقرر ثمنه وقدرنى الله سبحانه وتعالى وكان المبلغ الموجود فى البنك يكفى وزيادة - واشتريت المحل وطورته ثم حدث ما دمر حياتى وقلبها رأسا على عقب.. ما الذى جرى؟

الأسبوع القادم أحكى لك باقى الحكاية!.

المصدر: مجلة حواء -سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 571 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,465,312

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز