السجن أو مزيد من الاستدانة

الشراء بالتقسيط.. »كمين« الغلابة

كتبت :ايمان الدربي

لا شيء أسوأ من استغلال الحاجة، وأن تتحول الأفراح إلي أحزان، وهذا ما يتعرض له محدودو الدخل الذين يلجأون إلي تدبير احتياجاتهم الأساسية عن طريق البيع بأجل أو ما يعرف بـ «الأقساط» التي تدخل صاحبها في دوامة لا تنتهي من الهم، وقد تزج به في النهاية إلي غياهب السجون.

ووسط غياب لدور الدولة لدعم البسطاء والفقراء الذين يحلمون بتجهيز بناتهم و تجاهل المجتمع المدني لمساعدة ودعم هؤلاء الغارمين، تسقط أسر ويتشرد أبناء لمجرد أنهم حلموا باستكمال أساسيات الحياة. «حواء» قررت اختراق الصمت أمام هذه المشكلة وتسليط الضوء علي عشرات التجارب مع الأقساط والفوائد

هل يمكن أن تكون الأحلام المتواضعة كشراء بوتاجاز سبباً فى تدمير حياة إنسان أو أسرة، حيث يلجأ أصحاب الدخل المحدود وما أكثرهم فى مجتمعنا إلى الأقساط التى تثقل كاهل صاحبها، وقد ينتهى الحال بهم خلف القضبان.

ولنبدأ مع سيدة عجوز.. لم تستطع حبس دموعها وهى تتحدث عن مشكلتها تقول: أسرتنا متوسطة الحال حلمى. كان ستر البنات، ولم أكن أتصور أن رغبتى فى شراء جهاز لجوازهن.. ستكون سبباً مباشراً لدخولى السجن، فقد عجزت عن سداد ديونى وهى مبالغ قليلة لينتهى بى المطاف فى سجن النساء بدون سابق إنذار لتضطر ابنتاى الصغيرتان إلى الاستدانة لمساعدتى والخروج من السجن ليلحقا بى بعد فترة داخل السجن.

حلم السفر

أما جمال عبدالرسول من أبشواى بمحافظة الفيوم متزوج ولديه ثلاثة أبناء بالإضافة لوالدته وزوجته يعمل فراناً باليومية ونتيجة ضيق العيش بحث عن فرص عمل بالخارج وفعلا حصل على عقد عمل بالخارج، فاستدان من أجل مصاريف السفر واستخراج الأوراق وترك مبلغاً لأسرته ووصلت ديونه لخمسة عشر ألف جنيه، وفعلا سافر على أمل فى سداد هذه الديون والعودة بمبلغ من المال يؤمن به مستقبل أسرته، ولكن بعد مدة من العمل وجد صاحب العمل يعطيه راتباً أقل بكثير من المتفق عليه.

وطبعاً لم يستطع سداد ديونه ولا دفع إيصالات الأمانة التى كتبها على نفسه ليصل عدد القضايا التى رفعت عليه 28 قضية وليدخل السجن.

عقوق الأبناء

«أقطع صباعى ولا أختم على أوراق مرة ثانية» بهذه الجملة بدأت فتحية عبدالتواب سيدة عجوز من الصعيد أم لأربعة أبناء ولديها ابن معاق حلمت أن يكون لديها بوتاجاز وجهاز راديو كاسيت، وبسبب هذا الحلم البسيط سجنت لمدة ست سنوات لم يزرها خلالها أكبر أبناءها ولو مرة واحدة، وكانت تبكى ليل نهار على ابنها المعاق الذى خرج للشارع ولا تعلم عنه شيئاً على الجانب الآخر وجدت سيدة أخرى تستعذب الديون والأقساط والتسول على دفعها.

تسول غير مباشر

تحدثت أم على عاملة بأحد المستشفيات بصراحة قائلة: فى جواز ابنتى الأولى كتبت ايصالات أمانة مع الأقساط وولاد الحلال جمعوا ودفعوا حتى لا أدخل السجن وهذا جعلنى أفكر فى شراء بوتاجاز وغسالة.

هاعمل إيه نفسى اطبخ أكلى على بوتاجاز زى جارتى أم محمود واغسل هدومى وهدوم عيالى فى غسالة زى الناس.

محمود عبدالتواب «عامل فى إحدى قرى الغردقة السياحية تحدث مهموماً بوجه شاحب ونظرات زائغة عن مشكلته مع الأقساط وايصالات الأمان «الله يلعن الأقساط وسنينها.. استدنت وكتبت ايصالات أمانة حتى أستطيع تدبير لوازم زواجى فكنت أعيش أوقات صعبة.

والسؤال الآن كيف كان يواجه المجتمع قديما حل مشاكل جهاز البنات وشراء لوازم البيت أو عمل أى خطوة إضافية بشكل عام.

الجمعيات والادخار

وتلفت أم عبده سيدة عجوز من المنيا إلى تغير نمط المجتمع تجاه تدبير الاحتياجات.

تقول «كنا نجهز البنات من صغرهن ونشترى لهن أشياء بسيطة كل شهر وعندما تأتى البنت للجواز نجد جهازها كله عندها بدون ضغط على الأم أو الأب و«الجمعيات» كانت حلاً اجتماعياً بين الأهالى والبيوت والجيران بدون فوائد أو إيصالات أمانة.

وكنا أيضاً ندخر جزءاً من دخلنا ولو بسيطاً.

المجتمع المدني

سهير عوض مديرة مشروع الغارمين بإحدى المؤسسات الخيرية أكدت أن أهم ما تسعى إليه المؤسسة هو القضاء على الفقر لمساعدة هؤلاء الغارمين وإطلاق سراحهم من داخل السجون المصرية وسداد ديونهم مع إعادة تأهيلهم نفسياً واقتصاديا للعودة للحياة داخل المجتمع من خلال مساعدتهم فى إنشاء مشاريع صغيرة خاصة بهم ليتمكنوا من مواصلة حياتهم بشكل طبيعى يحفظ حياتهم وكرامتهم واستطعنا خلال فترة قليلة الإفراج عن خمسة آلاف حالة من الغارمين وفى طريقنا لزيادة العدد.

وتحكى لنا السيدة سهير عن تجربتها مع أصحاب الشركات سيئة السمعة وتقول: إن المبدأ الذى يعمل وفقاً له هؤلاء الناس هو رزقنا على الغلابة هذه العبارة سمعتها من أحدهم الذى قام بسجنه عدد كبير من الغارمين وقال لى بالحرف الواحد أن الغارمين يقومون بسداد معظم المبلغ وفى كثير من الأحيان يقومون بسداد الديون كلها ولكنهم لا يحصلون على الايصالات التى قاموا بالتوقيع عليها وإنما تعطى لهم ورقة تفيد بقيامهم بدفع مبلغ معين وفى مرحلة تعثر الغارمين يبدأ أصحاب الشركات فى رفع القضايا عليهم قضية بكل إيصال أمانة على حده وبأسماء مختلفة حيث يلجأ أصحاب هذه الشركات إلى موظفيهم وأقاربهم ومعارفهم فى رفع قضايا بأسمائهم على الغارمين وفى مختلف المحافظات ولذلك يجد الغارم أحيانا أنه محكوم عليه فى قضية هو لم يعرف الدائن فيها!!!

ولم يقابله أبداً ولا يستطيع الغارم أمام ذلك إلا أن يحاول أن ينجو بنفسه ويقوم بجمع ما يستطيع جمعه من أموال من أقاربه وجيرانه وأهل الخير فى المنطقة التى يسكن فيها ويسدد الدين مرات ومرات ومع ذلك يجد نفسه فى النهاية داخل أسوار السجن.

قوانين لحماية الغلابة

وتطالب عرض ووضع القوانين التى تحول دون استمرار هذه المأساة وتوعية البسطاء بعدم التوقيع على إيصالات أو شيكات على بياض ولابد أن تكون جميع البيانات مثبتة قبل التوقيع مع التأكد من ذلك وعدم التوقيع على إيصالات أمانة أو شيكات غير التي تحمل الأقساط لأن معنى ذلك أنه وقع على ضعف الدين وهذا خطأ كبير يقع فيه الكثير من الناس.

ضمان الآخرين

المحامية والناشطة النسائية عايدة نور الدين تتحدث عن مشكلة الأقساط وتداعياتها تقول: هذه هى مشكلة المشاكل فكتابة الأقساط والتوقيع على إيصالات أمانة على بياض تعتبر خيانة أمانة، فالمادة «341» من قانون العقوبات والخاصة بتبديد وخيانة الأمانة لتعتبر جنحة مخلة بالشرف، والسيدة التى تضمن زوجها أو جارتها عندما يتم التعثر فى سداد الأقساط يأخذونها حكم غيابى سنة وأقل عقوبة 3 شهور إلى سنة ولو «شيك كبير» تعاقب بثلاث سنوات والكارثة الأكبر امضاء إيصال على بياض يجبرها صاحب الدين بعد كتابة مبلغ كبير عشرة آلاف أو غيره لتدفع كفالة كبيرة ويجبرها على الحضور من أول جلسة لتتصالح معه لتدفع مبلغ الدين وأتعاب المحامى الوكيل عن صاحب الدين وأذكر هناك سيدة رفعت عليها قضية بخمسة وثمانون جنيها وحكم عليها حكم غيابى دون أن تدرى علينا أن نقوم بتوعية الأفراد البسطاء لعدم التوقيع على إيصالات أمانة على بياض وعدم التوقيع إلا على أصل الدين وإذا تكاتفنا ولم نوقع إلا على ذلك سيضطر أصحاب الشركات والسلع للرضوخ للأغلبية.

السياسات الاقتصادية

وترى د. شهيرة الباز أنه نتيجة للتفاوت فى المستوى الاقتصادى والاجتماعى للطبقات المختلفة مع عدم عدالة التوزيع للدخل؛ يلجأ الكثير من البسطاء للأقساط. وقالت: نتيجة لسياسات اقتصادية على مدى 40 عاماً أفرزت فروقاً اجتماعية وطبقية لتكون هناك فجوة كبيرة بين أقلية متيسرة مادياً، وأغلبية لا يجدون قوت يومهم فيلجأون للأقساط، وكل مشكلاتهم الابتزاز، وهنا يجب أن يكون للدولة دور فى الرقابة على الشركات التى تقدم السلع وأيضاً أن يكون لها دور اجتماعى لحماية الأفراد.

وعلى الدولة أن يكون لها دور وليكن بإعادة الجدولة ومساندة الفقراء والبسطاء ضد بطش وظلم وسرقة الشركات المستغلة سيئة السمعة أحيانا

المصدر: مجلة حواء -ايمان الدربي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 895 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,764,773

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز