يا معلمني الحب
كتبت :مروة لطفي
في عز النهار رأيتها.. فتاة لا تتجاوز الثامنة عشرة من العمر تتبادل القبلات مع شاب في سنها.. ولغرابة الموقف وجدتني دون أن أشعر أرمقها بنظرة اشمئزاز، فهل انتابها الحرج؟.. لقد باتت تعاتبني بكل وقاحة معلنة عن احتفالها بيوم «الفالنتين» مع حبيبها. وهنا تدخل أحد الشباب المارة قائلاً: الحب حرام بكل أنواعه وأشكاله وعيده أكثر حرمانية منه.. وبين هذا وذاك تساءلت.. ما هو الحب من وجهة نظر هذا الجيل الجديد؟. وكيف يعبر أبناؤه عن مشاعرهم العاطفية؟ والأهم إلي أين تأخذهم تلك المشاعر والعلاقات؟.. أسئلة كثيرة طرحتها علي الشباب، فكانت هذه السطورllبدايتى كانت مع مجموعة من بنات ثانوى حيث أكدن أن الحب انجذاب بين شخصين وليس له أسباب أو مبررات، ولا يعرف سنا، إلا أن حدود هذه المشاعر ومواصفات فارس الأحلام تختلف من واحدة لأخرى حيث عبرت نيهال سند «16 سنة» عنها قائلة: - البنت المحترمة تحافظ على نفسها ولا تعطى لمن تحب أكثر من كلمات تبوح من خلالها عن أحاسيسها.. لذا تبحث عن شاب ملتزم دون تزمت كى تمنحه قلبها.
بينما اختلفت دعاء عادل «17 سنة» مع الرأى السابق قائلة: حينما نحب لا نضع مواصفات لمن يختاره قلبنا، كما لا يوجد قوالب ثابتة تحدد المشاعر، لذا لا مانع من تبادل القبلات والأحضان فهى وسيلة تعبيرية عن الحب.. وقد رأيت ذلك فى المدرسة حين حدثت مشكلة لزميلة تقبل زميلها خلف باب الفصل، فضبطتهما المدرسة واستدعت ولى أمورها.. ولأن والد الفتاة متفتح.. اكتفى بلوم صديقها لعدم حفاظه على سمعة ابنته.. هكذا، انتهت القصة ببساطة لكنها ظلت حديث الزملاء، ولا أعرف سر تعجبهم!
أما رانيا أحمد «16 سنة» فلها مفهوم خاص للحب تقول عنه: الحب هو الشهرة والتميز لذا أحببت زميلى المشهور بشخصيته القيادية فى المدرسة، ونقضى سوياً معظم أوقاتنا وهو ما منحنى شهرة بالتبعية لم أكن أحلم بها.
قدر ونصيب
ومن المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية حيث التقيت بمجموعة من الطالبات منهن بسمة خالد، نيفين محمد، مى محمد «طالبات بكلية إدارة وتنظيم المعلومات جامعة حلوان» وقد اتفقن جميعاً أن الحب قدر ونصيب فهو يقتحم القلب دون استئذان ليحول الأحزان إلى أفراح وتمنت كل منهن الارتباط بشاب يتسم بشخصية متزنة وعقلية متفتحة تحترم الفتاة وتقدرها مع ضرورة أن يكون وسيماً.. أما عن حدود العلاقة العاطفية فأكدت بسمة خالد أن الحرية المسئولة مطلوبة فى العلاقة.. فلا مانع من تعبير كل طرف عن مشاعره للآخر دون الخروج عن الإطار المتعارف عليه..
وأعربت "نيفين محمد" عن أسفها على الفتاة التى تفرط فى نفسها مع من تحب لأنها ببساطة تدخل فى مصيدة الضياع.. فعادة ما يتهرب منها الحبيب فتحاول ملء فراغها العاطفى بالتعرف على من يستحق ومن لا يستحق مما يوقعها فى مشاكل لا حصر لها..
وتتفق "مى محمد" مع الرأيين السابقين وتضيف أن أفضل وسيلة لتجنب المشاكل العاطفية هو البحث عن رجل يراعى الله سبحانه وتعالى فى محبوبته..
مشاعر لا إرادية
أما "مارتينا وجيه" طالبة بجامعة حلوان فترى أن كل شخص له مطلق الحرية فى نظرته للحب طالما أنه لا يفرضها على الآخر.. لكنها تؤكد أن الحب عبارة عن مشاعر فياضة يحكمها القلب والعقل معاً.. بمعنى صعوبة أن ينبض قلبها لإنسان غير متكافئ معها مادياً أو اجتماعياً فضلاً عن ضرورة معرفة الأسرة بهذا الارتباط، لأن رفض الشاب لذلك يعنى نيته المبيتة فى التلاعب بمشاعرها..
بينما تؤكد "يمنى طارق" «طالبة بجامعة حلوان» أن الحب هو مشاعر لا إرادية لكن التعبير عنها بأى شكل حتى لو كان بالقول فهو حرام ومرفوض..
خبرات المحبوبة
وإذا كانت هذه هى آراء البنات فكيف يرى الشبان الحب؟!
يقول "مهاب جلال" «طالب جامعي» .. رغم كل ما يقال عن انتهاء زمن الحب إلا أنه سيظل باقياً على مر الأزمنة ليقتحم القلوب دون تخطيط، إنما حدوده تختلف من تجربة لأخرى بمعنى أن الفتاة البريئة والتى تمر بتجربة عاطفية لأول مرة تكون متوترة وقلقة من خفقان قلبها.. ومن ثم تصبح العلاقة بينهما مشوبة بالخوف حتى أنه يخشى لمس يدها.. على عكس صاحبة الخبرة العاطفية والتى تقل براءتها ومن ثم يعتمد التعامل معها على حدود تجربتها السابقة..
أما "محمد عبدالرحمن" طالب بالفرقة الرابعة بكلية إدارة ونظم معلومات: فيرى أنه لا يوجد حب حقيقى فى السن الصغيرة إنما تبدأ المشاعر الحقيقية تتبلور عند اقتراب الشاب من مرحلة الزواج، إلا أن ذلك لا يعنى عدم مروره بتجارب عاطفية عديدة حتى يجد الفتاة التى تتربع على قلبه فيتوج علاقتهما بالزواج.
ويستكمل حديثه قائلاً: الشاب هو الذى يضع حدود العلاقة العاطفية، ويرجع ذلك إلى ضعف الفتاة أمام من تحب، لكننى بالقطع أرفض الزواج من أى فتاة ضعفت أمامى مهما كانت درجة حبى لها.
ويختلف "محمد شعبان" طالب جامعي- مع الرأى السابق قائلاً: الرجل بطبيعته يمر بأكثر من تجربة عاطفية لذا يستطيع أن يفرق بين الفتاة التى تمنحه مشاعرها من قبلات وخلافه تعبيراً عن حبها له أو إشباع رغبة داخلها.. فإذا كان الأمر الأول فلا مانع من الزواج منها فقد تكون أفضل من غيرها من البارعات فى تمثيل الفضيلة من أجل جذب الطرف الآخر وليس إيماناً منهن بذلك.. أما إذا كان الأمر الثانى فالارتباط بتلك الفتاة مرفوض بالقطع.
حرام فى حرام
وما أن أنهيت لقائى مع الطلبة حتى توجهت لأحد المعيدين الشباب الملتحين فبدأت كلامى معه عن يوم «الفالنتين» وسألته عن آرائه فى الحب والعلاقات العاطفية بين الطلبة من خلال تعامله معهم فاندهش قائلاً: كل هذا حرام فى حرام لذا أعتذر عن الكلام معك..
مخرج النجاة
ونظراً للتناقضات الواضحة فى رؤية الشباب للحب كان من الضرورى التعرف على رأى الجيل الأكثر خبرة وفهماً بالحياة، لذا التقيت بالكاتبة الرومانسية "عائشة أبو النور" وعرضت عليها وجهات نظر الشباب السابقة فقالت: شباب اليوم يسبح فى بحر عميق من الأمواج المتلاطمة، ومن ثم تعتمد رؤيته للحب على طوق النجاة الذى ينقذه من الغرق، فإذا وجد الخلاص فى الثقافات الغربية الآتية له من النت وخلافه انجذب للحرية غير المسئولة. أما لو وجد ضالته فى الأفكار الدينية المتشددة، فاتجه للانغلاق وتحريم المشاعر، لذا أصبح الاعتدال عملة نادرة فى هذا الجيل، ومن ثم علينا إعادة ترتيب أوراقنا حتى نوجه الشباب للأفكار الوسطية من خلال مجتمع يسوده العدل والديمقراطية ليس بمعناهما السياسى بل الثقافى والاجتماعى، حتى يستطيع الشاب تكوين رؤية عاطفية تساعده على الاختيار السليم.
- وتتفق د. "فؤادة هدية" الأستاذة بمعهد الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس مع الرأى السابق وتضيف أن الشباب لديه طاقة كبرى يبحث عن توظيفها.. ومع الأفكار الثورية الشبابية لم تعد العواطف والمشاعر تأخذ نفس الحجم التى كانت عليه فى الماضي.. فنادراً ما نجد فتاة تتحطم من أجل حبيب هجرها أو شاب ينهار لعدم قدرته على الزواج من محبوبته، فقد طغت اهتمامات أخرى على أفكار الشباب ليسيطر التفكير العملى على مستقبلهم، وتلاشت العواطف والمشاعر القديمة لسهولة المسائل الرومانسية عندهم..
انعدام الثقافة
- وتـؤكد د. "سامية خضر" أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس أن الأفكار المتناقضة بين الشباب هى نتاج طبيعى لانعدام الثقافة الصحيحة على مدار 30 عاماً مما أتاح فرصة أمام الثقافات المتطرفة لاقتحام العقول.. وكل ما أخشاه أن تشهد المرحلة القادمة مزيداً من الأفكار المتطرفة نتيجة نغمة الأخذ السائدة بعد الثورة.. فالكل يريد بينما لا يفكر أحد فى العطاء.. فلا أحد يمنح الطمى الوقت الكافى للارتواء لينبت الزرع الذى ننتظر حصاده..
لذا أناشد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بإعادة الكلمات الشعرية والأغانى الحلوة إلى مسامعنا حتى نعيد للحب مشاعره البراقة، فينعكس ذلك على أفكار الشباب ورؤيتهم له بعد مرحلة تجريف المشاعر الطويلة التى مررنا بها
ساحة النقاش