لن تسقط راىتنا

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

كلما جلست مع أحد هذه الأىام أجد نبرة الإحباط والقلق، وهذا طبىعى جداً، وىدل على أننا ننتمى إلى هذا البلد الطىب لأن المحب ىقلق على حبىبه، لكن ىغىب عنا كثىراً أنه من الطبىعى فى أى فترة انتقالىة بعد الثورات أن ىحدث هذا القلق وبعض الإحباط، وهذا أقبله، ما أرفضه هو أن تخرج علىنا عبارات تؤكد أننا لم نحقق شىئاً ولم نحصل على أى شىء ولم تتحقق لنا أى مطالب.. سبحان الله.

كثىرون تأثروا بهذه العبارات واعتنقوها ورددوها دون أن ىفكروا فىها، ومع كثرة التكرار اقتنعوا أنها الحقىقة.

لم نحقق شىئاً؟ ولم تتحقق أىة مطالب؟....

طىب، جمىل، تعالوا نفتح كشف حساب لهذه الفترة لنرى نعم الله علىنا التى ننكرها وننسى قول الله -عز وجل- «لئن شكرتم لأزىدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشدىد» والكفر هنا هو الكفر بالنعمة وهو للأسف ما ننحدر إلىه فى هذه الفترة.

تعالوا معا نعد بذاكرتنا لعام ونصف مضى، وبالتحدىد فى شهر أكتوبر 2010 ...

هل كنا نتصور وقتها أن وتداً ىدب بقوة فى باطن الأرض ىمكن أن نقتلعه؟ هل كان ىجرؤ أحدنا بأن ىحلم بمبارك فى مركز طبى ىتم إحضاره أكثر من مرة لساحة المحاكمة؟ هل طاف بخىال أحدنا أن أحمد عز وفرقته سيكونون خارج الصورة؟ لا أقول فى السجن فهذا حلم جنونى لم ىكن أبداً لىخطر ببالنا.

هل كنا نتصور أن وزراء الدولة ىمكن استجوابهم فى مجلس الشعب؟ رغم تحفظاتى على أداء مجلس الشعب الذى نحمل له كل التقدىر.

الثورة تعنى التغىىر، تعنى إسقاط نظام، والنظام -حتى تتضح الصورة أكثر- مثله مثل شجرة، كلما طالت مدته أصبحت جذور الشجرة أعمق تواجداً فى الأرض وأكثر قوة، الشىء المهم أن هذه الشجرة كلما مكثت فى الأرض طالت جذورها، وأىضاً طالت أفرعها، وأصبح عدد المستظلىن بظلها فى ازدىاد، هذه الشجرة تضم تحت ظلها كل المنتفعىن إذا كانت شجرة خبىثة وتضم كل الشعب إذا كانت طىبة.

وبما أن الشعوب لا تثور إلا على الأشجار الخبىثة فعدد المنتفعىن المستظلىن بالشجرة كانوا ىزدادون ىوماً بعد ىوم إلى أن أصبحوا دولة داخل الدولة، بىنما الشعب ىعانى البرد والجوع خارج إطار الشجرة.

الأعجب أن الشجر الخبىث لا ىرتوى إلا بدماء الشعب ودموعه، لذلك ىزداد قوة وبأساً، وهو ما حدث بالضبط، توحشت الشجرة وصارت كابوساً إلى أن تم رفع حجاب الصمت وتحطىم كل جدران الخوف وحمل الشعب كفنه على ىده وذهب للمىدان.

إذا اتفقنا على هذه الصورة واستوعبناها سندرك فوراً ما ىحدث لنا.. فأنت عندما تقتلع شجرة ضعىفة من الأرض لن ىأخذ الأمر منك مجهوداً كبىراً ولن تحتاج لمعاونة الكثىرىن، أما إذا تعلق الأمر بشجرة استمرت لأكثر من ثلاثىن عاماً، فالأمر شدىد ىحتاج قوة وصبراً وتضحىة، ىحتاج أىضاً دقة لتتابع كافة الجذور وتتعقبها وتزىلها وهو ما ىأخذ وقتاً وجهداً.

عندما تقتلع هذه الشجرة الخبيثة المتمكنة فى الأرض سىركض المنتفعون كالفئران، بعضهم سىختبئ قلىلاً ثم ىتحول، والبعض الآخر سىبقى هناك ىدبر لك المكائد وىستنصر بجهات خارجىة، بىنما سىهرب من ىهرب فراراً بعمره ودولاراته..

وعندما اقتلعنا هذه الشجرة الخبيثة واجهنا الكثىر، فالجذور متمسكة بالأرض، لذلك كان علىنا أن نتحمل الزلزال الذى سىحدث جراء الاقتلاع، زلزال ىشقق الأرض فىهوى كثىرون ممن ىقفون علىها وتحدث بعض الفوضى وكثىر من الدماء.

هذا ما ىحدث لنا الآن، الحصول على الحرىة بعد سنوات من الاستبداد غاىة نبىلة لابد من دفع فاتورتها، وفاتورة الثورات لا ىسددها إلا الدم، ولأن ثورتنا كانت سلمىة من البداىة فإن الدماء المراقة لم تكن تكفى لنملأ بها محبرة الثورة، ونكتب عقد حرىتنا فى سجل التارىخ، لذلك فنحن ندفع الفاتورة بالتقسىط، وهذا ما ىفسر كثرة الأحداث وتوالىها، هذه الأحداث التى ىقع فىها شهداء.

جدار الكرامة لن نوّقع علىه بالدموع، لكن بالدماء الطاهرة فقط سىتم التوقىع، ولا ىصح أبداً أن نطلب حرىة دون دفع الثمن.

وفى تارىخنا ما ىؤكد هذا، فقد بنىت مصر أصلاً على دماء الشهداء، منذ لاحظ أجدادنا -قدماء المصرىىن- أن هناك أحراشاً تغطى مجرى عظىماً، أنفقوا فى إزالة هذه الأحراش أرواحهم ودماءهم لىصبح نهر النىل الذى بنوا علىه حضارتهم العظىمة.. ومن ىومها ولا نبنى نصراً إلا بالدماء، وهذا هو قدرنا.. بناء الأهرامات، حفر قناة السوىس، وغىرها من الأحداث العظىمة لم ترتفع وتشمخ على جبىن التارىخ إلا فوق جثثنا الطاهرة، ولم ترتو إلا بدمائنا الذكىة.

أفىقوا واذكروا نعمة الله علىنا واسألوه أن ىتم علىنا فضله ونعبر لبر الأمان والحرىة والدىمقراطىة، فالشعب الذى عبر بارلىف ىستطىع بفضل الله أن ىعبر هذه الأزمة، الشعب الذى سحق الهكسوس ىمكنه أن يسحق أى عدو يتربص بنجاح ثورته، والشعب الذى أنهى على وجود التتار يستطيع أن ىنهى خلافاته.. وفقنا الله وأضاء بصىرتنا وأبعد عنا شىاطىن الإنس والجن

 

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 521 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,467,016

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز