الصدمة الكبرى ..!
كتبت :نبيلة حافظ
صدمت كما صدم الملايين غيرى من دعوة الرئيس التونسى منصف المرزوقى - فى مؤتمر أصدقاء سوريا - إلى منح الرئيس السورى، السفاح قاتل شعبه حصانة قضائية هو وعائلته، وأركان نظامه، ومنحه مكاناً آمناً للجوء إلى روسيا المؤيدة له ولسياساته القمعية .
الصدمة لم تكن من الدعوة ذاتها ولكن ممن طلبها .. الرئيس التونسى، الذى يرأس المجلس الانتقالى لأول دولة عربية أشعلت فتيل الثورات على الحكام العرب الطغاة .. تونس التى ذاقت مرارة الظلم والقهر والاستبداد، وعانت من فساد نظام حاكم لسنوات طويلة، تونس التى لم يفعل بها الديكتاتور زين العابدين بن على أو بشعبه مثلما فعل الأسد، فهو لم يذبح شعبه، ولم يسلط جيشه على الأبرياء العزل، ولم يستشهد بها أكثر من 12 ألف شهيد، ولم يجرح منها أكثر من ثلاثين ألف جريح، ولم يعتقل من شبابها أكثر من خمسين ألف شاب.
تونس التى ثارت لأيام وأتت بثمار ثورتها الجميلة، أما سوريا، فهى على مدار عام كامل تناضل وتحارب من أجل حريتها، وهى تواجه الظلم والقهر والموت بالصياح والشعارات والهتافات .. لم ترعبها جيوش وشبيحة الأسد، لم ترهبها الدبابات التى تدك بيوت الأهالى وتقصف مساجدهم، لقد زادتها دماء الأبرياء إصرارا على النضال من أجل الحرية .. هذه هى سوريا .. التى يطالب المرزوقى شعبها بأن يمنحوا سفاحها حصانة قضائية، يا للعار .. أن تأتى هذه الدعوة من زعيم عربى يدرك جيدا معنى ثورة شعب، ويعلم علم اليقين أن دم أى عربى غال وثمين، وبالتالى لا يمكن أن يهدر هذا الدم بلا حساب أو عقاب.
ولم يكتف الرئيس التونسى منصف المرزوقى بهذه الدعوة الاستفزازية الكريهة، بل أعقبها تصريح أقل ما نطلق عليه أنه «تصريح مجنون» لا يمت للعقل بصلة .. ففى حوار له مع جريدة «لا بريس» اليومية التى تصدر من فرنسا أعلن استعداد بلاده لمنح اللجوء السياسى إلى الرئيس السورى بشار الأسد وأقاربه من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، والتى يرى الحل الوحيد من وجهة نظره أن يترك الأسد منصبه لنائبه ليقود المرحلة الانتقالية، على أن تشارك المعارضة فى هذه المرحلة وتتم انتخابات رئاسية وتشريعية تعيد إلى سوريا استقرارها.
هكذا يرى الرئيس التونسى الحل الوحيد، ولكنه نسى أن بعد كل هذا الدمار والقتل لا يمكن أن يترك الأسد بهذه الصورة ليعيش وينعم بما سرقه ونهبه من الشعب، والأكثر إيلاما أن يقدم دعوته لهذا السفاح لكى ينعم على أرض تونس الأبية، التى ثارت ودافعت عن الحرية والعدالة على أرضها. لم يدرك منصف المرزوقى أن فى دعوته هذه إخلالا جسيما بأهداف ثورة بلاده، وأنه بهذا ينسف كل الأعراف والتقاليد التى تجمع بين الشعوب الثائرة، وأهمها هو تحقيق مبدأ الحساب وعقاب كل متجبر ظالم تسبب فى إهدار نقطة دم واحدة على أرض بلاده.
إن دعوة الرئيس التونسى دعوة غريبة، وبكل تأكيد سوف يرفضها ويلفظها شعبه، لأن هذا الشعب الذى ثار يوما على حكم ظالم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينصر قاتل شعبه «بشار الأسد» على الشعب الذى ضحى بدماء آلاف من أجل حريته، لا يمكن أن يرضى شعب تونس بدعوة رئيسه، فلابد أن يرفضها ويثور على صاحبها من أجل نصرة الحق وتحقيق عدالة الله فى الأرض
ساحة النقاش