لم ينجح أحد
كتب :محمد الحمامصي
إخوان، سلفيون، ليبراليون، وفديون، يساريون، اشتراكيون، ائتلافات ثورية وغيرها، فرق متنافسة على أرض الملعب الآن، بعضها قوي وبعضها ضعيف، والحكم الذي يدير المباراة بمهارة واقتدار المجلس العسكري، والمصريون منقسمون ما بين مشجع أصيل لهذا أو ذاك وما بين متفرج لا يعنيه الأمر، ففي النهاية جميعهم سوف يصفقون للفائز.
لكني لا أرى شباكاً ولا كرة في الملعب بل إن اللاعبين أنفسهم يبدون بلا ملامح، وكل ما يمكن رؤيته هرولة ولهاثا وضجيجا وتخبطا وغبارا يتصاعد، وبين الحين والآخر أسمع صفير الحكم، وأصوات حمم بركانية ـ مجهولة المصدر أو ربما تأتي من مقاعد المتفرجين ولكن موقعي لا يسمح لي بالرؤية الكاملة ـ تقذف من كل جانب على اللاعبين، أرى أن المباراة تنتهي ويصفر الحكم ولا أرى فائزاً.
يعود المتفرجون إلى بيوتهم وعلى مدار الأيام والليالي التالية يحاولون فك لغز المباراة: الصورة مشوشة وحركة اللاعبين مضطربة ومرتبكة، لكن كل هذا لا يهم أمام سؤال: من الفائز؟ وحين يحارون في الحصول على إجابة مقنعة يقررون : لم يفز أحد؟.
أعتقد أننا في ظل ما يجري على الساحة السياسية اليوم مؤهلون لنتيجة كهذه: لن ينجح أحد؟ والأسباب والمؤشرات كثيرة جداً، فالفرق أكثرها مستجدة لا خبرة لها ولا حنكة، والقلة صاحبة الخبرة والحنكة فقدت هويتها نتيجة طول التدجين.
مثلا عندما يظل المصريون "المتفرجون" بفئاتهم المختلفة يقرأون ويسمعون ويشاهدون ليل نهار وعلى مدار شهر كامل أن هؤلاء أصحاب قضية التمويل الأجنبي سواء مصريين أو أجانب خونة وعملاء وجواسيس، ثم فجأة يتنحى القاضي، وتهبط طائرة أمريكية دون إذن بمطار القاهرة وينقل المتهمون الأجانب في سيارات مصفحة لكي يستقلوا الطائرة، ثم يخرج بيان من عضو الكونجرس الأمريكي جون ماكلين يشكر فيه الأكثرية البرلمانية ـ أقصد الإخوان المسلمين ـ على مساعدتهم، ما الذي عسى المصريون أن يفهموه؟.
وليت إخواننا الإخوان سكتوا أو التزموا الصمت، بل خرج المتحدث باسمهم د. محمود غزلان ليؤكد تحالفهم مع العسكري "منذ 11 فبراير 2011 أعطينا ثقتنا المطلقة للمجلس العسكري"، ليس التحالف عاراً، ولكن العار أن نظل ننفي قيامه على مدار عام كامل وهو قائم بالفعل، وأن نلّمح ولا نصرح بالاتهام وهذا ما فهمته من هجوم غزلان على المجلس العسكري واصفاً الأمر بـ"التحول المفاجئ في المواقف العنترية للمجلس العسكري والحكومة".
فإذا ذهبنا إلى فريق الأغلبية التالي وجدنا أن البلكيمي أخونا السلفي صاحب تجميل الأنف والذي فصله حزب النور السلفي من عضويته، وأقاله من البرلمان، فقد ضربت خديعته أعضاء الفريق السلفي ومدربيه ضربة سيترتب عليها فقدان كامل للثقة، يضاف إليها دعوة الشيخ محمد حسان للتبرع والتي استقبلتها الأغلبية بالرفض، مطالبة الشيخ بالدعوة إلى استرداد أموال الشعب المنهوبة وكف أيدي الفاسدين عن سرقة غيرها.
أما أخواننا في حزب الوفد والتجمع والناصري وما شابه، فهم قد اعتادوا -أو بمعنى أدق تربوا- على سياسة "ابحث عن الرائجة وامض في ركابها"، يعيشون حالة "مكلمة" على الفضائيات ولا يكاد الشارع يحس لهم موقفا ولا يرى لهم مبادرة.
الأخوة الأقباط بعضهم يحلم بأيام الرئيس المخلوع خوفا وفزعا مما يراه من انفلات وما تعرض له هنا وهناك من حوادث، وبعضهم مع استكمال الثورة مهما كان الثمن ويأمل أن تصل بالمواطن المصري إلى الحرية والكرامة والعدالة.
الأمل في الشباب صانع الثورة، لكنهم بعد أن اعتلى ثورتهم كل من هب ودب، صاروا إما مطاردين أو مطرودين، يزج بهم إلى السجن ويتم تشويه اعتراضهم أو مطالبهم أو انتقاداتهم عمدا مع سبق الإصرار والترصد، لكن محاولاتهم لم تتوقف وإن كانت لن تؤتي ثمارها إلا بعد حين.
هكذا يبدو اللاعبون على الأرض يجولون ويصولون ويتقاتلون ويتقاذفون الكرة دون ملامح واضحة لأي منهم، الجهة الوحيدة التي أخمن أنها ترى لأطراف الملعب وشباكه وتحمل بين يديها مقدرات الأمور وبين قدميها تجري حركة الكرة، رغم أنها حريصة أن تبدو للمتفرج مجرد حكم حكيم سرعان ما سوف ينهي المباراة ويعلن النتيجة وينسحب، هي المجلس العسكري، فهو على الرغم من الاتهامات التي تتقاذفه ليل نهار من كل اللاعبين، والهجوم المتواصل عليه انتقادا لأدائه وانتقاصا ًمن قدره ومطالبة لإقصائه، يسير ويسيّر المباراة وفقا لرؤيته التي هي كالكرة لا نراها أو نرى لحركتها ولكننا سوف نفاجأ بإصابتها الهدف؟ هل يخلع المجلس العسكري زي الحكم ويصبح لاعبا ـ هذا إن لم يكن هو بالفعل لاعبا رئيسيا ـ ويحقق الفوز فنصفق له؟ ومتى سيسجل هدفه؟ وهل سوف يتيح لنا رؤيته؟ أم أن النتيجة سوف تخالف كل التوقعات، وتكون كما أشرنا سابقا: لم يفز أحد؟ ومن ثم نعود إلى حيث بدأنا، إلي يوم 25 يناير جديد
ساحة النقاش