آمنة بنت وهب

زهرة قريش

كتبت :امل مبروك

 اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا حى يا قيوم نسألك أن تبسط على أمى من بركاتك ورحمتك ورزقك، اللهم واجعل أوسع رزقها عند كبر سنها وانقطاع عمرها، اللهم أعنا علي خدمتها كما ينبغي لها علينا، واجعلنا بارين طائعين لها وارزقنا رضاها ونعوذ بك من عقوقها

 نشأت " آمنة بنت وهب " في بيئة راقية وكانت لها مكانة مرموقة من حيث أصالة النسب والحسب والمجد، وكانت تعرف " بزهرة قريش" بصفتها بنت بني زهرة نسبا وشرفا، وكانت مخبأة من عيون البشر، حتى أن الرواة كانوا لا يعرفون ملامحها. وقيل فيها إنها عندما خطبت لعبد الله بن عبد المطلب كانت حينها أفضل فتاة في قريش

 وقد عرفت " آمنة " في طفولتها وصباها ابن العم "عبد الله بن عبد المطلب" حيث إنه كان من أبناء أشرف أسر قريش، ولكنها حجبت عنه وعن كل العيون عندما ظهرت عليها ملامح النضج، وهذا ما جعل شبابا من أهل مكة يتسارعون إلى باب بني زهرة من أجل طلب الزواج منها. ولم يكن ' عبد الله' من بين هؤلاء الشباب بسبب نذر أبيه الذي انتهى بأن يفتديه بمائة من الإبل واستطاع بعدها أن يتقدم لوالد آمنة طالبا تزويجه منها فغمر الفرح نفسها.

 شعاع النور

 بعد الزواج مباشرة رأت السيدة آمنة في منامها كأن شعاعا من النور ينبثق من كيانها اللطيف فيضئ الدنيا من حولها وسمعت هاتفا يهتف بها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، وما هي إلا أيام معدودات لم يحددها الرواة ولكنها عند جمهرة المؤرخين لم تتجاوز عشرة أيام ورحل عبد الله تاركا عروسه ليلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى غزة والشام، ومضى شهر لا جديد فيه سوى أن آمنة شعرت بالبادرة الأولى للحمل وكان شعورها به رقيقا لطيفا وكأن المولود قد هون عليها مرارة فراق زوجها، ومضى الشهر الثاني ولم يعد عبد الله.. لقد توفي الزوج الحبيب بين أخواله من بني النجار ودفن هناك وترملت العروس الشابة وعاشت في وحدتها تجتر أحزانها حتى خاف عليها بنو هاشم وبنو زهرة أن تموت من فرط الحزن والألم إلى أن أنزل الله سكينته عليها فشغل تفكيرها بجنينها.. فعاودتها الرؤى في صدر ليلة مقمرة من ليالي ربيع الأول وسمعت من يهتف بها من جديد أنها توشك أن تلد سيد هذه الأمة ويأمرها أن تقول حين تضعه أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وما هي إلا أيام قليلة حتى ولدت آمنة في دار أبي طالب بشعب بني هاشم.

 الرضيع


 أقبلت الأم على صغيرها ترضعه، ولكن الأحزان لم تتركها فجف لبنها بعد أيام فدفعت به إلى "ثويبة" جارية عمه عبد العزى فأرضعته حتى وفدت المرضعات من البادية ولكنهن زهدن في الرضيع الذي مات أبوه قبل أن يحقق لنفسه مالا يذكر وثقل على الأم أن ترى مراضع البادية يعدن إلى ديارهن زاهدات في ولدها الشريف اليتيم مؤثرات عليه أطفال الأحياء ممن يرجى منهم الخير الوافر.. إلى أن جاءتها حليمة بنت أبي ذؤيب السعدي تلتمس محمدا وأخذته معها عامين ظلت خلالهما الأم الوحيدة تنتظر عودته حتى جاءت به السيدة حليمة وكأنه ابن أربع سنوات لما بدا عليه من علامات النمو والنضج والصحة.

 ثم عاد الرضيع إلى مراعي بني سعد مع السيدة حليمة.. ولم تمض إلا بضعة أشهر حتى عادت به وهي بادية القلق فسألتها السيدة آمنة بعدما علمت قصة الملكين الذين شقا صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أفتخوفت عليه من الشيطان؟ ردت السيدة حليمة : نعم، فقالت السيدة آمنة : كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لولدي لشأنا أفلا أخبرك خبره؟ فقالت السيدة حليمة : بلى فحدثتها بما رأت وسمعت حين حملت به ثم قالت :فوالله ما رأيت من حمل أخف من حمله ولا أيسر منه وقع حين ولدته وانه لواضع يديه على الأرض ورافع رأسه إلى السماء.. دعيه عنك وانطلقي راشدة، وعاد الوليد الطيب إلى أمه فبدد بنوره ظلال الكآبة التي كانت تغشي دنياها في وحدتها وترملها الباكر.

 ويعترف كتّاب السيرة بما كان لها من أثر جليل في هذه المرحلة من عمر نبي الإسلام فيقول شيخهم ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب في رعاية الله وحفظه ينبته الله نباتا حسنا وأثمرت عنايتها الفائقة فبدت على محمد صلى الله عليه وسلم بوادر النضج المبكر ورأت فيه وهو ابن السادسة مخايل الرجل العظيم الذي طالما تمثلته ووعدت به في رؤاها.

 رحلة النهاية


 حدثت الأم العظيمة ابنها الطاهر عن رحلة تقوم بها إلى يثرب كي يزور قبر أبيه عبد الله الحبيب وفرح الابن وسره أن تصحبه أمه في زيارة لمثوى فقيدهما وأن يتعرف على أخواله المقيمين بيثرب، ومكثا هناك شهرا ثم بدأت رحلت العودة التي مرضت الأم أثناءها وأحست أنه الأجل المحتوم وبكت حزنا على ابنها اليتيم فأخذ يجفف دمعها بيديه الصغيرتين إلى أن فاضت روحها وتركت في نفس وليدها ألما لم ينساه - صلى الله عليه وسلم - طوال حياته.

 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما وخرجنا معه حتى انتهينا إلى المقابر فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر فجلس إليه فناجاه طويلا ثم ارتفع صوته ينتحب باكيا فبكينا لبكاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : ما الذي أبكاك يا رسول الله ؟ فأخذ بيد عمر ثم أومأ إلينا فأتيناه فقال : أفزعكم بكائي ؟ فقلنا : نعم يا رسول الله.. فقال ذلك مرتين أو ثلاثا ثم قال : إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر أمي آمنة بنت وهب وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 464 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,744,219

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز