إلهه هـواه

كتب :محمد الحمامصي



 إلهه هواه، لا يرى إلا بعينيه، ولا يمشي إلا متبعا ًخطاه، ينام ويصحو على خواطره وأحلامه وطموحاته ومؤامراته وتحالفاته، إذ كيف يتسنى له ألا يطيعه إلهه، وإني لأرى أن زمننا هذا زمن آلهة الأهواء، آلهة على كل شكل ولون وطعم، آلهة خبيثة وماكرة لا قيم لها ولا مبادئ، قواعد لعبها لا تعترف بالأخلاق ولا الشرف والكرامة، هوى إلهه المال، وهوى إلهه السلطة والنفوذ، وهوى إلهه المرأة والجنس، وهوى إلهه التآمر والدس، وهوى إلهه الكذب والنفاق والسرقة، وهوى إلهه القتل وهلم جرا.

 نقول إن إلهنا واحد "هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم" وندعي السير على هداه وهدى رسالاته ورسله في كل شئوننا، بل نعمد إلى القول إننا نطبق نهجه القويم، ونصرخ ليل نهار على هذا المنبر أو ذاك باسم الله، في الوقت الذي نتحالف ونتآمر ونقتل من أجل المال، ونهتك ونسحل وننافق ونكذب من أجل السلطة والاستحواذ عليها والاحتفاظ بها، يصوّر لنا إله الهوى أن كل ما نفعله ونرتكبه ونسلكه هو باسم الله وطريقه الحق.

 نقتل باسم الحق ونسرق باسم الحق ونهتك باسم الحق، لذا لا نرى قاتلا أو لصاً أو منتهكا أو منافقا أو كذاباً أو زانيا يستشعر حرجاً أو حراما أو خوفاً من الله عز وجل وعقابه، لأن إلهه "الهوى" يستحوذ عليه مؤكدا أنه لم يرتكب جرما وأنه في الطريق الصحيح دفاعا عن هواه.

 الأخطر أن الإله الهوى يصور لعبده أنه لن يموت، لن يلقى في قبر ـ متر في متر كما يقال ـ بل يصوّر له أنه مخلد إلى أبد الآبدين، ومن ثم يتصرف وفقاً لما يمليه عليه، وما أكثر الصور ،الشواهد على ما نقول، ولا رادع من رقيب أو قانون أو ضمير، الأمر الذي جعلنا أقرب للسقوط منا إلى النهوض.

 ما أسهل أن أشير بإصبعي لأقول إن هؤلاء أو هؤلاء وما أكثرهم عبدة أهوائهم ونزواتهم، وأن مصالح الخلق والعباد في الأرض لا تعنيهم من قريب أو بعيد، بل يسخرون ضعف وحاجة الخلق والعباد لما يقوّى نفوذهم ويعضدده ويرسخه.

 أمر كل يوم على هؤلاء الأمهات والآباء والأطفال الذين يقفون منذ الصباح الباكر في طوابير الخبز وأنبوبة البوتاجاز والسولار، أو هؤلاء الذين يتكدسون في المستشفيات بعد أن استشرت في أجسادهم الملوثات والأوبئة التي طالت كل نَفَس ولقمة وشربة ماء، وأتساءل أي مسئول هذا الذي يسمح لشعب كريم عزيز غني أن يتحول إلى شعب يتسول سبل ومقومات حياته منه، ولصالح من يفعل ذلك، صالح هواه أم صالح هوى من يرأسه.

 لقد تفشت الأهواء، وصار كل من ليس له هوى أو له لكن ضعيفاً يسعى لتسول هوى سيد من السادات المسئولين، يضمن له قرباً و مالاً أو نفوذاً أو سلطة، وفي المقابل يمنح الخضوع والذل والاستسلام، فآلهة الأهواء الكبار يقتاتون على آلهة أهواء الصغار، سلسلة بعضها من بعض، والنتيجة هو اغتراب الشرف وموت الصالح العام.

 إننا على خطر وينبغي أن نفيق من غيبوبة اللهاث وراء الهوى وإلهه الماكر الخبيث، قبل أن تزداد رقعة الانفلات وتنفجر الحمم البركانية حين تتعارض مصالح الأهواء والآلهة وتسقط الأوهام والأقنعة وينكشف كل أمر مستتر قبيح، ولنتق الله في أنفسنا وأهلينا، فلنتق الله في مصر وشعبها، وليتذكر الجميع قول الحق عز وجل الذي لا إله غيره:

 "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"

 وقوله "قل هل ننبِئكم بِالأخسرِين أَعمالا، الذِين ضل سعيهم في الْحياة الدنيا وهم يحسبون أَنهم يحسنونَ صنعا"

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 643 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,878,665

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز