الهروب من الحزن والملل والرتابة ! «1»

كتبت :سكينة السادات


 هل يصح يا أحبائى، بعد العشرة الطويلة، وكثير من التضحيات وتحمل مشاق الحياة وعثراتها ومرارتها، هل يصح أن يفكر المرء فى نفسه فقط ولا يحسب حسابا لمن حوله بدعوى أنه يريد أن يعيش أيامه الباقية فى الحياة فى راحة بال ؟ هل يصح أن نتجاهل الماضى بحلوه ومره وننجو بأنفسنا من الحزن والكدر والرتابة والملل ولا نفكر فيمن حولنا ؟ ألم يشاركونا هم أنفسهم فى الحلوة والمرة؟ ألم يضحوا ويبذلوا من أجلنا ؟ وعندما تجئ ساعة الضيق نتركهم لشأنهم ونبتعد ولا نفكر فيهم ؟

 إنها حكاية قارئى الأستاذ سعيد (63سنة) الذى أصر على أن يحكى لى كل شىء حتى أحكم ضميرى فيما فعله ! هل هو صح أم خطأ ؟ وهل هو ظالم أم مظلوم ؟ وما هو وضع رفيقة العمر فى كل ذلك ؟ لنبدأ الحكاية منذ البداية على لسان قارئى الأستاذ المحترم سعيد (...) !

 قال: هل تصدقين أننى على المعاش منذ ثلاث سنوات ؟ الكل لا يصدق لأن مظهرى ينبئ بسنوات عمر لا تزيد عن الخامسة والأربعين كما يؤكد لى الجميع ! ما علينا .. كنت أعمل وكيلا لوزارة التموين وبدأت من القاع حتى وصلت إلى القمة فقد عينت موظفا بها قبل أن أحصل على مؤهلى الجامعى ثم تدرجت فى وظائفها حتى صرت وكيل أول الوزارة ومن هنا كانوا يطلقون على فى الوزارة المرجع العام لأمور الوزارة كلها.

 ما علينا.. واستطرد.. وأنا فى الثلاثين خطبت لى أمى ابنة أختها وكانت شابة جميلة مهذبة محترمة (بيتوتية) تماما فبرغم حصولها على ليسانس الاجتماع فى كلية الآداب لم تفكر فى العمل واكتفت ببيتها وأولادها وأنجبت لى أربعة أولاد، ولدان وابنتان وتخرجوا جميعا فى الجامعات وتزوجوا، وسافر ولداى للعمل فى الخارج وظلت ابنتاى فى القاهرة مع زوجهما وأولادهما حتى حدث ما حدث !

 واستطرد... كانت حياتى هادئة عادية.. لا ينقصها شىء، أصحوا فى السادسة صباحا أصلى الصبح وأجد مائدة الإفطار معدة وفيها كل ما أحب من طعام فأتناول إفطارى مع زوجتى وأبنائى قبل زواجهم وتركهم المنزل ثم أتوجه إلى عملى وأستمر هناك حتى قرابة السادسة مساء وأحيانا أكثر بكثير وأعود للصلاة والغذاء ثم التفرج على التليفزيون لبعض الوقت ثم النوم فى الحادية عشرة مساء تماما !

 وكانت زوجتى صفية متعلقة جدا بابنتها الصغيرة التى تخرجت فى الجامعة وتزوجت بشاب محترم كان يحبها وتحبه وكانت تختصها بزياراتها وحبها وحنانها ولكن لسوء الحظ مرضت الابنة العزيزة بالسرطان وبدأنا رحلة العلاج وكانت أمها فى حالة لوعة وحزن وألم، واستغرق علاجها فى مصر والخارج عاما كاملا لكن الله سبحانه وتعالى اختارها إلى جواره وماتت البنت الجميلة الشابة غصبا عن الجميع !

 واستطرد قارئى سعيد.. انقلبت حياتنا هما وحزنا وتغيرت معالم زوجتى تماما، صارت زاهدة فى كل شىء حتى الطعام الذى كانت تتفنن فى طهيه لى صارت تطبخ مرة أو مرتين فى الأسبوع بلا مزاج ولا شهية وصارت لا تخرج إلا لزيارة قبر ابنتها فقط ولا تزور ولا تزار وتجلس طوال اليوم تقرأ القرأن وتبكى واستمر هذا الحال حتى اليوم يا سيدتى رغم مرور ثلاثة سنوات على حادث وفاة ابنتى الشابة، وللأسف.. واكب الحادث خروجى على المعاش بعد حياة عملية حافلة بالانتاج وصرت لا أخرج إلا لحضور بعض اللجان التى كانوا فى الوزارة يستعينون بخبرتى فى تسييرها يعنى مرة واحدة فى الأسبوع على الأكثر ووجدتنى أجلس طوال النهار فى البيت احاول مواساة زوجتى بلا طائل فقد أهملت نفسها وفقدت الكثير من وزنها وصرت لا أراها تتحدث أو تحكى إلا عن ابنتها والموت الذى اختطفها منها قبل أن تنجب طفلا وقبل أن تفرح بحياتها الزوجية التى تمنتها كثيرا .


واستطرد: قال لى ابني الكبير عبر هاتفه من الخارج .. يا بابا روح القهوة.. شوف زملاءك القدام، اخرج واتفسح كده حرام.. حاول تأخد ماما فى أى مطعم أو كازينو .. (كدة حتموتوا انتو الاثنين) أعطيتها المسماع -لزوجتى- لتسمع كلام ابنها بكت وقالت له: أنا مش قادرة .. بابا يخرج على كيفه سيبونى فى حالى !

 واستطرد .. لم يكن لى أصحاب ولا قهوة معينة أذهب إليها فقد كان عملى هو كل حياتى وأحيانا كنت أظل من الصباح حتى منتصف الليل أيام الميزانية والوفود واللجان والمرور وغيره وكانت سفرياتى كلها للتفتيش على العمل فى المحافظات ومن هنا لم أجد وقتا للأصحاب أو المقهى !

 أما ابنتى التى فى القاهرة فقد «نشف ريقها» لكى تصبغ شعر أمها وهى ترفض أو تطعمها من طبق عاشوراء صنعته بنفسها.. ترفض أيضا والحال هو الحال حتى انها ثارت على عندما طلبت منها أن تذهب معى إلى طبيب نفسانى وقاطعتنى عدة أيام وليال !


 واستطرد قارئى سعيد.. ثم اتخذت القرار بعد تفكير طويل وهو الهروب من الحزن والملل والرتابة.. كيف حدث الهروب سوف أحكى لك تفصيلا وسوف أنقل لكم باقى الحكاية الأسبوع القادم بمشئية الله تعالى !

المصدر: مجلة حواء -سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1007 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,867,173

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز