من الكتاب والسنة الصحيحة
كتبت :أمل مبروك
اللهم هيئ لأمة النبي صلى الله عليه وسلم الرشد والصواب الذى يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ، اللهم ول علينا خيارنا واغفر لنا وارحمنا واهدنا وعافنا وارفع من شأننا
>> لأن منصب الرئيس هو أعلى وأخطر منصب في الدولة ، لذا كان حتماً على المصريين أن يدققوا ويمعنوا فيمن يتولاه ، وإلا كانوا مقصرين .. ويأتى قوله تعالى فى سورة القصص : "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " ليرشدنا إلى ضرورة وجود القوة على تحمل أعباء هذا المنصب ، والأمانة التي تجعله يؤدى إلى كل ذى حق حقه ، وما أعظم وما أخطر شأن هذه الأمانة .. حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة : "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قيل : يا رسول الله ما إضاعتها ؟ قال : " إذا وُسد الأمر ( أى إذا تولى المسئولية ) إلى غير أهله فانتظر الساعة "
يشير فضيلة د. محمد الراوى - عضو مجمع البحوث الإسلامية - إلى أن فقهاء المسلمين توسعوا في بحث الشروط الواجب توافرها فيمن يلى أمراً من أمور المسلمين بوجه عام، وفيمن يلى منصب الخلافة أو الزعامة بوجه خاص، حتى لا يتسلق طفيلى إلى هذه الذروة، ولا يعتليها من ليس أهلا لها فيكون ضرره على المسلمين عاماً، ومعظم هذه الشروط اجتهادية بمعنى أنها مستنبطة وغير منصوص عليها شرعاً.
وإذا لم تتوافـر جميع هذه الشروط في شخص واحد فينبغى مراعاة الأمثل فالأمثل بحسب حاجة الناس ومصلحتهم، لأن الله تعالى لا يكلفنـا إلا بما نطيق فقال عز وجل فى سورة التغابن : " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "، وفى سورة البقرة : " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ".
وإذا تواجدت هذه الشروط وتوازنت في أكثر من شخص وجب اختيار الأصلح والأنسب لظروف المواطنين وأحوالهم بحسب الوقت الذي يعيشون فيه.
العدالة
أما أول تلك الشروط فهو العدالة ويراد بها السلوك القويم إزاء الرعية والتحلّي بالأخلاق الفاضلة.. قال تعالى : " وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ". (وإذا كان الله تعالى قد اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً , فمن باب أولى أن يكون الحاكم كذلك، لقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ... (
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ و...ُ "
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المقسطين، عند الله، على منابر من نور. عن يمين الرحمن عز وجل. وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون فى حكمهم وأهليهم وما ولوا ".، وعَنْ أَبِى مُوسَى رَضِى اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِى ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "
الأمانة
ويستكمل فضيلة د. محمد الشحات الجندى - عضو مجمع البحوث الإسلامية - أنه بعد العدالة تأتى القوة والأمانة لقوله تعالى " وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ "، وقال تعالى " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ".
وحرم الله تعالى أن يستغِلَّ صاحبُ الولاية أيًّا كانَت مرتبتُه هذا المنصبَ لتحقِيقِ مصالحِه الشخصيّة ومنافعِه الذاتية.
عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِى اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ( أى يتصرفون فى مال المسلمين بالباطل) فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وفي ذلك ردع للولاة أن يأخذوا من المال شيئاً بغير حقه أو يمنعوه من أهله.. فمن أخَذ مالاً مِن الأموالِ العامّة مُستغلاً منصبَه مُتوصِّلاً بولايته إلى ما لا يحِلُّ له فليستَمِع إلى الزجر الشديدِ والوعيدِ الأكيدِ : عن عدى بن عميرة الكندى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من استَعمَلنَاه منكم على عَمَلٍ فكَتَمَنا مِخيَطًا فما فوقَه ( أى أخذ بغير حق إبرة أو ماهو أكثر منها )، كانَ غُلولاً يأتي بهِ يومَ القيامَةِ"..
ثم هناك سد حاجات :فيجب على الوالي أن يسمَعَ لحاجات الرعية، وأن يحرِصَ على البحثِ عن شئونهم، والتحرِّي عن كلِّ ما يُصلِحُ أوضاعَهم، وألا يجعلَ بينه وبينَهم ما يحجِبُه عن أحوالهم.
عن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه قال دخلت على معاوية رضي الله عنه فقال : ما أنعمنا بك أبا فلان. وهي كلمة تقولها العرب. فقلت : حديثاً سمعته أخبرك به. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره ". قال : فجعل رجلاً على حوائج الناس وعن عائشة رضى الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بيتى هذا : " اللهم! من ولى من أمر أمتى شيئاً فشق عليهم، فاشقق عليه. ومن ولى من أمر أمتى شيئاً فرفق بهم، فارفق به "
وفى العدد القادم نستكمل باقى الشروط الواجب توافرها فى رئيس الجمهورية القادم.. ربما نتذكرها ونحن على أعتاب اختياره
ساحة النقاش