الهروب من الحزن والملل والرتابة ! «2»
كتبت :سكينة السادات
حكيت لك الأسبوع الماضى طرفا من حكاية قارئى الأستاذ سعيد (63سنة) الذى كان يعمل وكيلا لوزارة التموين وكانت حياته مليئة بالعمل 24ساعة فى اليوم من اللجان للمرور فى المحافظات للتفتيش لاتحاذ القرارات وكله يتواجد فى مكتبه كل يوم من الثامنة صباحا حتى منتصف الليل أحيانا أو بعد السادسة مساء عندما يكون العمل ضعيفا، والأستاذ سعيد تزوج زواجا تقليديا من ابنة خالته الجامعية التى آثرت عدم العمل وأنجبت له أربعة أولاد، ولدان وبنتان تخرجوا جميعاً من الجامعة وتزوجوا لكن الولدين سافرا للعمل فى الخارج بعد زواجهما وظلت البنتان فى القاهرة مع زوجيهما لكن حدث ما قلب حياته رأسا على عقب إذ أصيبت ابنته الصغرى بمرض السرطان وكانت أثيرة جدا عنده وعند أمها وكانت عروس جديدة تزوجت من حبيبها بعد قصة حب جميلة واستمر العلاج عاما كاملا كانت أمها تلازمها ليلا ونهارا حتى كان قضاء الله وماتت العروس الجميلة فى ريعان شبابها دون أن تتهنى ببيتها الجديد وعريسها الذى أحبته من كل قلبها ولم تترك لنا طفلا من ريحتها وتحولت حياة الأم مائة وثمانين درجة، فمن سيدة تهتم بجمالها وبيتها وزوجها وتطهى ألذ طعام وتلبس من صنع يديها أشيك الملابس إلى امرأة محطمة ترفض أن تصبغ شعرها أو تمشطه ولا تخرج من بيتها إلا لزيارة قبر ابنتها، وصارت لا تدخل المطبخ إلا مضطرة وفقدت الكثير من وزنها لعدم رغبتها فى الأكل، وكانت طوال الوقت تبكى وتقرأ القرآن وتحدث نفسها عن ابنتها الجميلة آخر العنقود التى اختطفها الموت غصبا عن الجميع !
وقال: كانت المأساة شديدة الوطأة على كل منا فقد واكب وفاة ابنتى العروس خروجى على المعاش وأنا رجل بلا أصحاب ولم أذهب إلى القهوة مرة واحدة فى حياتى فلم يكن هناك وقت لذلك فصرت أجلس فى البيت فى جو حزن خانق ثم قررت واتخذت القرار !!
قال قارئى سعيد:أحسست أننى سوف أختنق وأموت فى ذلك الجو الكئيب الذي لا مخرج منه ثم قررت أن أهرب بحياتى ولو مؤقتا إلى حيث التقط أنفاسى وأعيش فترة بدون اختناق ولا يعنى هذا أننى نسيت ابنتى التى توفيت منذ ثلاث سنوات ولن أنساها فهى الصغيرة الحلوة الأثيرة عند أمها وأبيها المظلومة واستغفر الله العظيم وأنا راض بقضائه!
قررت يا سيدتى أن أبتعد عن البيت ليس كرها فى زوجتى الحزينة ولكن منعا لإصابتى أيضا بالاكتئاب واستطرد.. وكان أن صحوت منذ شهر من نومى وارتديت ملابسى وأخذت حقيبة ملابس صغيرة فيها (غياران داخليان) وأخذت دوائى ولم تسألنى زوجتى منذ كانت تصلى فى الغرفة المجاورة وقلت لها بصوت مرتفع أننى سأتصل بها فلا تقلق وذهبت إلى محطة القطار واحترت أين أذهب ؟ إلى أختى فى شبين الكوم أم إلى شقيقى فى الاسكندرية أم إلى قريتنا فى الشهداء بالمنوفية وفعلا قطعت التذكرة إلى الاسكندرية ولكنى لم أذهب إلى شقيقى واتجهت إلى منزلى الصيفى بسيدى بشر وطلبت من البواب أن ينظفه حتى أتناول طعامى وحتى أتجنب التراب المتراكم طوال السنة وعدت إلى منزلى وجلست فى الشرفة أتأمل الرائح والغادى وأسأل نفسى.. لماذا تركت زوجتك وحدها فى هذا الموقف؟ ورددت على نفسى.. لأننى كنت سأمرض وأصاب بالاكتئاب ولم تكن لتجد أحدا يرعاها.. واستطرد... وجاء البواب صباحا بالفلافل السكندرية والفول والخبز الساخن وعملت لنفسى شايا باللبن وجلست فى الشرفة ثم نزلت إلى الشارع لأجرب لأول مرة أن أجلس فى مقهى مطل على البحر وقرأت الجرائد ثم ذهبت إلى مطعم وتغديت وعدت إلى شقتى لأستريح، ورن الهاتف المحمول وكان ابنى على الخط .
وقال : انت فين يا بابا ؟ معقول تترك أمى وحدها فى هذه الظروف أمى تعبانة جداً .. ارجع يا بابا .
ورجعت فوراً لأجد زوجتى فى حالة إعياء تام ونقلتها للمستشفى وهناك قرروا أن لديها هبوطاً ناتجاً عن عدم الأكل وجفاف لأنها لم تشرب ثلاثة أيام ووضعوها فى العناية المركزة حتى تحسنت وخرجت منذ أيام ! هل أنا مجرم يا سيدتى عندما فكرت فى إنقاذ نفسى ؟ وهل أنا السبب فى مرض زوجتى ؟ ضميرى يعذبنى !!
ما كان يجب أن تفكر فى نفسك وتحاول النجاة بها فقط وتترك رفيقة عمرك للوحدة والمرض والرغبة فى الموت ! عالج زوجتك أو ارسلها إلى ولديها فى الخارج ربما يحاولان علاجها لتستريح وتريح !
ساحة النقاش