كتبت : سكينة السادات
لماذا يظن أولادنا أنه يمكن أن نرضى عن كل المتغيرات التى تحدث فى هذا العصر؟ ولماذا لا يتركوننا فى حالة مع رؤانا ومعتقداتنا وأصولنا وثوابتنا التى لا تتغير ونحن فى سن كبيرة، بعد أن عشناها واعتنقناها طوال حياتنا؟ جميل أن نرى الدنيا تتقدم فى أمور معينة، ولكن ليس جميلا أن يجبرونا على أن نعيش حياتهم الحديثة على كره منا !!
قارئتى الحاجة قدرية (63سنة) أقسمت لى أنها لا تستطيع أن (تفوِّت) (بالتشديد على الواو) أى تترك عددا واحدا من مجلة حواء دون أن تقرأه (من الجلدة للجلدة) وهذا منذ شبابها وأصبحت (حواء) عندها شيئاً مقدساً لا تستغنى عنه وبعد أن أثنت على التجديد الأخير فى المجلة قالت: إنها جاءت لى تشتكى من حياتها التى أصبحت بلا طعم بعد أن حاولوا اجبارها على ما لا تحب ولا ترتاح إليه !
قالت الحاجة قدرية.. سوف أحكى لك كل شىء حتى تكوني معى فى الصورة، وأبدأ منذ أن تزوجت من شاب محترم من أقاربنا كان ضابطا فى الجيش، كان إنساناً فاضلا بمعنى الكلمة، وكنت قد انتظمت فى الدراسة حتى حصلت على شهادة أجنبية متوسطة، لكننى بالطبع لم أفكر فى أن أعمل لأن ظروف زوجى المالية ميسورة، علاوة على راتبه الكبير (بمعيار مرتبات ذلك الزمان) كان يأتيه إيراد من أرض زراعية فى قريته، وكانت تأتينا من البلد كل طلباتنا من دواجن وأرز وخضراوات طازجة وقشدة ولبن وأرز معمر بالفرن وخبز قمح أبيض مثل الفل !
المهم .. عشت مع زوجى حضرة الضابط الذى ترقى حتى وصل إلى رتبة اللواء، كانت تلك الرتبة زمان يعنى (باشا) وأنجبت بنتين وولدا مثل القمر، فى غاية الأدب والذكاء والاحترام.
واستطردت الحاجة قدرية.. أريد أن أعرفك على الشقة التى تزوجت فيها إذ أنها طابق كامل من فيللا بحدائق القبة تحتوى على، خمس غرف واسعة وحمامين وغرفة صغيرة للدادة وغرفة غسيل فوق السطوح أما الشارع فهو جميل جدا تظلله الأشجار من الجانبين، ونتمتع بهدوء جميل والجيران كلهم يعرفون بعضهم بعضا، الحياة كانت جميلة وعادية طبعا بخلاف المشاكل اليومية، ومشاكل الأولاد والمدارس والغلاء والأهل وكلها مشاكل عادية !
تخرجت البنتان فى الجامعة وتزوجتا، من شابين فى غاية فى الذوق والكمال وعاشت واحدة منهما مع زوجها وأولادها فى مدينة نصر، أما الأخرى فقد تم تعيين زوجها مدرسا بالجامعة فى الاسكندرية، وعاشت معه هناك.
بقى ابنى الوحيد - شقيقهم الصغير- الذى درس التكنولوچيا وعلوم الحاسبات، وبعد تخرجه مباشرة توفى والده بعد مرض عضال استمر ثلاث سنوات كاملة أنفقنا خلالا كل مدخراتنا، وكنت مستعدة أن (أبيع هدومى) حتى آخر مليم فى جيبى لكى يشفى من مرضه لكن كانت إرادة الله ولا راد لقضائه، مات زوجى العزيز وكان قد اطمأن على ابنتيه وعلى تخرج ابنه فى الجامعة ومات قرير العين وهو يدعو لى بالصحة والصبر.
واستطردت الحاجة قدرية.. نسيت أن أقول لك يا سيدتى إننى أيضا (بنت ناس كويسين) فقد كان والدى موظفا كبيرا بالحكومة ووالدتى سيدة محترمة واذكر أن (جهازى) أى أثاثى الذى تزوجت به، كان يضرب به الأمثال فى الأسرة، ومثال ذلك، أن صالونى كان من الذهب الفرنساوى وكسوته أوبيسون شغل يدوى، وما أدراك ما الأوبيسون شغل اليد فى ذلك الزمان وحجرة السفرة كانت من خشب الزان بالأويما، والأويما أى الشغل على الخشب نفسه أما حجرة النوم فقد كانت من اللاكية الأبيض بالذهب ! كان الناس يضربون المثل باثاثى وكنت أعتز به إذ كلف والدى الكثير ولا عجب فأنا البنت الوحيدة على ثلاثة أشقاء!
المهم يا سيدتى... جهزت ابنتاى أحلى جهاز ولكن كما أرادتا.. كنت أختار قطع الأثاث الكبيرة الغالية الثقيلة فكانت الابنة تقبلنى وتطلب منى أن أستريح وأنها سوف تختار هى وعريسها ما يروق لهما وكنت أسكت (وأفوت) وأقول هم أحرار فيما يختارون فأنا مبسوطة بأثاثى وهم مبسوطون باختياراتهم !
وتستطرد الحاجة قدرية.. ومرت سنوات عديدة على وفاة زوجى وأنا وحيدة مريضة مكتئبة، فقد كان هو كل حياتى ومحور اهتماماتى وكان ابنى - أكرمه الله ورعاه - لا يتركنى بل كان يرعانى حسب وصية والده الذى ردد على مسامعه أكثر من مرة..
يا عادل اوعى تهمل أمك لأى سبب مالهاش حد يرعاها غيرك يا ابنى !!
ولكنى كأم كنت ألح على ابنى أن يتزوج، قد أصبح فى الثالثة والثلاثين من العمر.. فماذا حدث بعد أن خطب ابنى فتاة جميلة من أسرة عريقة ؟
الأسبوع القادم أكمل لك الحكاية .
ساحة النقاش