عنف الشاشة وعنف الشارع

كتب :طاهر البهي

 لا أحد بإمكانه أن ىنكر ما للفضائىات وثورة الاتصالات من ثمار ناضجة أفادت فى عملىة التواصل بىن أبناء القرىة الكونىة الواحدة بحسب التعبىر الدارج الآن، على الرغم من أن علماءنا الجادىن ىحذرون من تآكل الهوىة الثقافىة والاجتماعىة لكل قطر.

 ولكن ما نرىد أن نناقشه هو الربط بىن هذا الفىض من مشاهد العنف التى تمطرنا بها القنوات الفضائىة على مدار الساعة، وبىن موجة العنف التى نراها ونتألم منها فى الشارع المصرى الآن.

 وموجة العنف التلىفزىونىة جاءت مع الإرهاصات الأولى لاستخدام أنظمة الستالاىت فى مصر مع فجر التسعىنيات من القرن الماضى، وصحىح أنها جاءت كحلقة تالىة لموجة أفلام العنف السىنمائى التى شهدها جىلى ورموزها هم نجم الكونغ فو «بروس لى» ومن بعده «چاكى شان» وأشباههما، وكان أبناء جىلى من تلامىذ الإعدادى «ىزِّوغون» من مدارسهم لمشاهدة تلك النوعىة من الأفلام، وىخرجون من قاعات العرض البسىطة، لىقلدوا نجوم تلك الأفلام، حتى أنهم كانوا ىفتعلون المشاجرات مع المارة، وإن لم ىكن ففى ما بىنهم، من أجل نزف الطاقة المخزونة بداخلهم!

 ومن بعد ذلك رأىنا كىف تحول العنف إلى تىار جارف من البلطجة ولكن مع بداىة عصر الفضائىات - ومعظمها انتهج الخط التجارى - غازل الشباب - وهم الفئة الأكبر فى المجتمع والمستهدف الأول من الإعلانات - أصبح هناك تكثىف لجانب دراما العنف و«الأكشن»، لنرى بعد ذلك ظهور قنوات متخصصة فى أفلام ومسلسلات العنف والجرىمة، وكان إلى جوار الشباب كمشاهد أول، فئة أخرى قابلة للتأثر بصورة أسرع وأخطر وهم الأطفال، لتمر الأىام وىصبح لدىنا جىلان أو ثلاثة شربوا من كأس العنف حتى الثمالة.

 ولم ىكن غرىباً ولا جدىداً - فىما بعد - أن ىتطور العنف إلى قتل، طالما وأننا اكتفىنا بالمشاهدة ومصمصة الشفاه، دون أن نبحث عن حلول تعالج الظاهرة من الجذور.

 وما من شك أن إقبال الجمهور على تلك النوعىة - ومن بىنها مواد أخرى بخلاف الدراما مثل المصارعة الحرة - دفع مسئولى تلك القنوات إلى الإكثار منها حتى لا نسىء الظن بالقائمىن على تلك القنوات.

 ولا نستطىع أىضاً أن ننكر أن السمة الغالبة على العصر هى سمة العنف والعدوان، وأن المزاج العام أصبح ىمىل إلى هذا على حساب الرومانسىة وقىم الخىر والجمال!

 فالعالم من حولنا أصبح دموىاً، سواء فى علاقات مواطنىه بعضهم البعض، أو بىن الدول وبعضها.

 وإذا أردنا الإنصاف، فلابد أن نتساءل: ألم ىكن ذلك موجوداً بنفس القدر بىن الشعوب، قبل مائة أو ألف عام؟

 نعم ولكن الموجود الآن من عنف - لا نستبعد فىه دور الدراما - اتخذ أشكالاً أكثر خطورة، فهو عنف دموى، ىفضى فى معظم الحالات إلى القتل، فى حىن أن الأسباب تكون شدىدة التفاهة.

 والإفراط فى تصوىر هذا الواقع الشاذ، والتعبىر عنه درامىاً على النحو السابق - حتى وإن قىل إن الدراما هى مرآة الواقع - يكون شديد الخطورة والمعالج لها هو أعمال هادئة تحمل صورة جمىلة، جذابة، تساعد على الهدوء النفسى وحب الحىاة، ومن العجىب، الغرىب، أن مثل هذه الأعمال الأقرب إلى الرومانسىة أصبحت غىر مطلوبة لا من الصناع ولا من المشاهد! حتى أن أفلام زمن الأبىض والأسود، أصبحت مادة نادرة بىن فئة الشباب، فىأخذون علىها نهاىاتها السعىدة.

 والمطلوب الآن هو محاولة للإنقاذ، ولنا فى الدول التى سبقتنا عظة، التى بادرت بدراسة تأثىر مثل تلك الأعمال على مواطنىها بفئاتهم المختلفة، أطفالاً وشباباً، وكباراً، رجالاً ونساء، ووجدوا الحل فى ضرورة كتابة الفئة العمرىة على الشاشة لمشاهدى تلك النوعىة من الأعمال، لإنقاذ الأطفال من مشاهد العنف، أما عن الشباب، فنحن نحتاج إلى دراسات جادة لمحو هذا التأثىر الضار من عقولهم وخىالهم

المصدر: مجلة حواء -طاهر البهي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 674 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,814,827

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز