كراكيبى العزيزة « 2»

كتبت :سكينة السادات



 حكيت لك الأسبوع الماضى طرفا من حكاية قارئتى الحاجة قدرية (63سنة) وهى أرملة لواء قديم فى الجيش كانوا ينادونه فى ذلك الزمان (يا باشا) وعاشت معه فى الطابق العلوى لفيلا كبيرة فى حدائق القبة، تلك البيوت ذات الأسقف العالية والغرف المتسعة وكان لديها خمس غرف وحمامان وغرفة للدادة وغرفة للغسيل فوق السطوح وعندما عاين والد قدرية - العروسة- الفيلا قرر أن يجهزها بأجمل جهاز فى مصر فاشترى لها الصالون المذهب الفرنساوى ذا الأوبيسون (شغل اليد) والسفرة الزان بالأويما وغرفة النوم اللاكية الذهب وكانت هذه المنقولات أغلى شىء فى ذلك الزمان وقيمتها تتزايد مع مرور الأيام وأنجبت الحاجة قدرية بنتين وولدا البنتان تخرجتا فى الجامعة وتزوجتا من شابين محترمين وعاشت إحداها فى مدينة نصر والأخرى عين زوجها مدرساً بجامعة الإسكندرية فعاشت فى الثغر الحبيب وأنجبتا الصبيان والبنات. ومات الباشا بعد تخرج ابنه الوحيد عادل وأوصاه قبل أن يموت ألا يترك أمه وحيدة وأن يرعاها، وعاشت الحاجة قدرية بعد وفاة زوجها سنوات كئيبة وحزينة فقد كلفهم مرضه لمدة ثلاث سنوات كل مدخراتهم،لكنها كانت على استعداد لأن تبيع كل ما تمتلك من أجل أن تمتد حياته يوما زيادة، واستغفر الله فالموت والحياة بـيد الله عز وجل وحده !

 وقالت الحاجة قدرية إن ابنها وصل إلى سن الثالثة والثلاثين دون أن يفكر فى الزواج من أجلها لكنها ظلت تلح عليه أن يتزوج حتى أنها خاصمته وأضربت عن الطعام وتناول الدواء حتى يرضى بأن يتزوج !

 وأخيرا رضخ عادل- خريج جامعات التكنولوچيا والحاسوب، وبعد إلحاح طويل من والدته أن يخطب عن طريق أمه فتاة جميلة من أسرة كبيرة محترمة ذات حسب ونسب !!


وتسطرد الحاجة قدرية.. كنت فرحانة لأن ابنى وافق على الزواج وقبل كل شىء قال لأسرة عروسته: إنه سوف يعيش معى لكى يرعانى، ولأن الفيلا جميلة والشارع نظيف وهادئ وجميل، تزينه الأشجار على الجانبين حتى اليوم، قبلت أسرة العروس ذلك ، ويومها قالت أم هادية -عروس ابنى-..

 - اللى مالوش خير فى أمه يبقى مالوش خير فى مراته فى المستقبل.. ربنا يخليك لها يا عادل !

 وتستطرد .. جاءت هادية مع أسرتها وتفقدوا بيتى ويومها تفاخرت أمامهم بصالونى الذهبى الفرنساوى وغرفة سفرتى ذات الأويما التى أصبحت نادرة فى هذا الزمان، وساعتها نظرت هادية إلى عادل نظرات معينة لم أفهمها فى وقتها، وبعد أن خرجوا قال لى عادل وهو فى غاية الحرج.. معلش يا ماما.. كل الكراكيب الموجودة دى لازم تغيريها علشان أهل العروسة عاوزين يجيبو لها جهاز جديد !

 ذهلت وقلت له: كراكيب إيه يا ابنى ؟ الصالون الذهب كراكيب ؟ والسفرة كراكيب ؟ ماذا تقصد ؟

 قال لى وهو محرج منى.. هى عاوزة تعيش على عفش جديد يا ماما وطبعاً حجرة نومك إنت حرة فيها ولكن المطبخ لازم يتغير والكراكيب اللى فيه لازم تترمى بره والحلل القديمة والحاجات اللى مالهاش لزمة .

 قلت له.. لكن .. دى حاجاتى وذكرياتى ما اقدرش أبعد عنها يا ابنى.. أقولك اشترى أو أجر شقة على مزاجك إنت وهى وافرشوها على كيفكم وأنتم حرين فيها.. وسيبونى مع كراكيبى.. وبصراحة ما أقدرش استغنى عنها ولا أعيش من غيرها !

 واستطردت .. غضب ابنى منى وقال وهو يغادر المنزل منفعلا ..

 - ما أقدرش أسيبك يا ماما دى وصية والدى، زعقت قبل أن يخرج .. اشترى شقة قريبة وأنا سوف أساعدك بكل الذى أمتلكه !

 عاد وقال.. يا ماما مرض بابا أخذ كل مانمتلكه والشقة عاوزة مبالغ منقدرش عليها داخلة فى المليون ؟

 وانصرف ابنى بعد أن حيّانى وقبل يدى وطلب منى أن أفكر فى الموضوع وإلا فليس أمامه سوى أن يلغى مشروع زواجه !! ماذا أفعل يا سيدتى ؟ هل أحرم هكذا من أثاثى الثمين الذى لا يوجد مثله هذه الأيام وأحرم من ذكرياتى وذكريات زوجى وحياتى مع ما يسمونه كراكيب أم أترك ابنى محروما بدون زواج ؟


 قلت للحاجة قدرية قارئتى العزيزة «من أجل الورد ينسقى العليق» وهذا مثل فلاحى جميل، أى من أجل سعادة الابن نتنازل نحن وياما تنازلنا وياما غفرنا وياما بلعنا الاساءات والظلم من أجل أولادنا .

 لا تحزنى .. فهذا هو الجيل الجديد يا سيدتى يعتبرون الأثاث القديم الذى لا يصنع أبدا هذه الأيام -يعتبرونه- موضة قديمة وكتل كبيرة تبتلع البيت ويسعدون بالأثاث الخفيف الذى يسهل نقله وتنظيفه ومن أجله يرسمون الديكورات والألوان التى لا نحبها نحن ولا نبلعها بل أحيانا تزعجنا.. أقول لك يا صديقتى.. تحملى من أجل ابنك واحتفظى بألبومات الصور وماتحبينه فى غرفتك وربنا يوفق ابنك وعروسه

المصدر: مجلة حواء -سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 627 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,846,538

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز