بعد تزايد الهجرة غير الشرعية
يعنى إيه كلمة وطن ؟
كتبت :مروة لطفي
علي الحدود المصرية الليبية ضبطت القوات المصرية 107 شباب من محافظات الفيوم، المنيا، سوهاج، الدقهلية، الغربية، أثناء محاولتهم للهجرة غير الشرعية عبر المدقات والدروب الصحراوية..
وفي محافظة البحيرة أحبطت أجهزة الأمن محاولة 66 شاباً للهجرة غير الشرعية عن طريق البحر..
هذا خلال الشهر الماضي فقط.. الأمر الذى يكشف أن نزيف الهجرة غير الشرعية لايزال مستمراً.. وحوله كان التحقيق التالي..
رغم الموت والهلاك الذى يتعرض له الشباب بكافة الأشكال بدءاً من الضرب بالنار من قبل خفر السواحل والبوليس الدولى، وانتهاء بالغرق فى عرض البحر أو الحبس والترحيل، حيث تجرم القوانين الأوروبية الهجرة غير الشرعية ويعاقب المهاجرون وكل من يحاول إيواءهم بالحبس والغرامة المالية، ورغم تزايد الحوادث الناجمة عن تلك الهجرة من مصر إلى الدول الأورومتوسطية حتى أنه فى عام 2008 فقط تعرض 503 مواطنين للغرق، وفقد 527 وذلك فى 76 حادثاً، فضلاً عن تعرض ما يقرب من 3000شاب مصري للنصب من عصابات تهجير الشباب، إلا أن الإحصائيات تشير إلى تزايد أعداد المهاجرين المصريين غير الشرعين، فقد أشارت الإحصائيات الدولية إلى أن عدد الشباب المصرى الذى نجح فى دخول العديد من دول الاتحاد الأوروبى خلال السنوات العشر الماضية بلغ 460 ألف شاب.. كما أشارت دراسة أجرتها وزارة القوى العاملة المصرية عام 2007 عن وجود 90 ألف شاب مصرى فى إيطاليا يقيمون بطريقة غير شرعية، بينما تؤكد الإحصائيات أن شباب محافظات الغربية، المنوفية، الشرقية، الدقهلية، البحيرة، والفيوم الأكثر إقبالاً على هذه الهجرة حتى أن إيطاليا يوجد بها 6 آلاف شاب من قرية تطون بمحافظة الفيوم من بين 40 ألف نسمة هم إجمالى سكان القرية.. وأرجعت الإحصائيات الأسباب المؤدية لهجرة أبناء تلك المحافظات إلى ارتفاع نسب الفقر بها فضلاً عن طرد صغار المزارعين بها بعد تطبيق قانون المالك والمستأجر على الأراضى الزراعية كذلك أدى تآكل الرقعة الزراعية واقتصار الأراضى المستصلحة على أصحاب النفود من النظام السابق إلى تضاعف مشاكل هؤلاء الشباب.
تاريخ ظهورها
وإذا كانت الأرقام تشير إلى ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية فمتى بدأت وكيف تتم؟!
عن تاريخ ظهور الهجرة غير الشرعية فى مصر كشفت دراسة بحثية أجراها سامى محمود- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -أن الهجرة إلى حوض المتوسط مرت بثلاثة عقود متوالية بدأت قبل عام 1985 وقتها كانت الدول الأوروبية لاتزال بحاجة إلى العمالة القادمة من الجنوب ومن ثم تدفق إليها المهاجرين عبر قنوات التجمع العائلى، وحسب تقديرات البنك الدولى فإن عدد الشباب المصريين الذين هاجروا عام 1975 بلغ حوالى 354 ألف مهاج،ر أما الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عام 1987 قدر أعداد المهاجرين المصريين بنحو 10 ملايين 964 ألف مهاجر، ثم جاءت المرحلة الثانية من 1985 إلى 1995 والتى تميزت بظهور التناقضات المرتبطة بالمهاجرين الشرعيين ومزاحمتهم لأبناء البلد الأصيلين، وقد تزامن ذلك مع إغلاق مناجم الفحم فى كل من فرنسا وبلجيكا التى كانت تستوعب أكبر عدد من المهاجرين الشرعيين .. وفى يونيو 1995 مع دخول اتفاقية «سنجن» الموقعة بين كل من فرنسا، ألمانيا، لكسمبورج، هولندا حيز التنفيذ والتى تم السماح بموجبها بحرية التنقل بين الدول المنتميه إلى الفضاء الأوروبى ودخول كل من إسبانيا والبرتغال لهذا الفضاء اتخذت قضية الهجرة أبعاداًَ غير متوقعة حيث فرضت سلطات مدريد إجراءات قانونية احترازية أمام عملية الهجرة لتأتى المرحلة الثالثة من 1995 حتى الآن والتى اتخذت فيها الدول الأوروبية سياسات صارمة بخصوص مسألة التجمع العائلى، وإبرام اتفاقيات مع دول الجنوب حول ترحيل المهاجرين غير الشرعين.. وكرد فعل تجاه هذه السياسة بدأ ما يعرف الآن بالهجرة غير الشرعية..
سماسرة البشر
وعن هذه الهجرة التقينا بعدد من الشباب الذين أقدموا على محاولات الهجرة غير الشرعية، حيث أكد جميعهم على وجود طرق متعددة لذلك من بينها الطريقة التى تتم مباشرة بين مصر والشواطئ الإيطالية واليونانية.. كما توجد طريقة أخرى تتم عن طريق ليبيا، حيث يقوم الشباب باستقلال لنشات صغيرة أو قوارب مطاطية، ثم يتم إنزالهم قبل الشاطئ، ولتنفيذ أى من هذه الأساليب لابد من الاستعانة بسماسرة البشر والذين يقومون بتجميع ما بين10 إلي 15 شخصاً ليدفع كل منهم من 30 إلى 40 ألف جنيه مما أثار دهشتى، لذا سألتهم عن سر إقدامهم على الهلاك رغم أن قيمة المبلغ الذى نجحوا فى تجميعه كفيل بإنشاء مشروع صغير.. لتأتى إجابتهم أكثر غرابة حيث اجتمعوا على ضياعه الحتمى إذا استثمروه في بلدهم واحتمالية تضاعفه فى حالة نجاحهم بالخارج!!..
قنابل موقوته
ولأن هذا هو النهج الفكرى الذى يتبعونه كان من الضرورى معرفة آراء الخبراء فى الأسباب التى دفعتهم لهذه الأفكار وكيفية تغييرها علنا ننقذهم من الغرق فى بحر أوهام الهجرة غير الشرعية .
تقول د. ليلى الموصلى- أستاذة الطب النفسى بجامعة الأزهر-: لاشك أن هؤلاء الشباب يعانون أعلى درجات الإحباط والكآبة نتيجة شعورهم بالقهر والظلم من جراء الفشل فى تحقيق الحد الأدنى من متطلبات المعيشة لذا يلجأون للهجرة غير الشرعية كرد فعل طبيعى لمضاعفات الاكتئاب النفسى الذى يصيبهم ويدفعهم للانتحار عن طريق المخاطر التى يخوضونها، واعتقد أن هؤلاء الشباب ليسوا سوى قنابل موقوته فهم مصابون باضطرابات نفسية نتيجة فقدان القدرة على التكيف مع المظالم ومن ثم علينا البحث عن وسيلة لإصلاح أحوالهم حتى ننقذهم من الهلاك.
وتتفق د. سامية خضر أستاذة الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس- مع الرأى السابق، وتضيف: إن الأوضاع غير المستقرة التى نعانى منها حالياً تزيد من حدة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية ولأن الانفعالية والاندفاعية من سمات الشباب الأساسية اعتقد الكثيرون أن مشاكلهم فى طريقها للحل بعد نجاح الثورة فى اسقاط النظام، لكن ماطرأ على الساحة السياسية ونشهده حالياً جعل هؤلاء الشباب أكثر حيرة وقلقاً على مستقبلهم، وتضيف د. سامية خضر: إن تلك الظاهرة هى نتاج طبيعى لما صنعته السياسة السابقة عبر عهد طويل من القهر والفساد، فبدلاً من الاستفادة من طاقة الشباب دفعت ذوى الكفاءات العالية إلى الهجرة الشرعية، وذوى الكفاءات المحدودة للهجرة غير الشرعية ولكى نعيدهم علينا بإصلاح البيت من الداخل حتى يتمسك أصحابه بجدرانه.
غياب الرؤي
ويؤكد د. أسامة قناوى- خبير التدريب والتنمية البشرية- أن مسألة الهجرة غير الشرعية من الموضوعات الشائكة نتيجة تعدد أسبابها ، وأهمها غياب الرؤية بمعنى وجود إمكانيات لدى الشباب، وبدلاً من استغلالها بطريقة سليمة تعود عليهم بربح خلال عام أو أكثر يلقونها فى عرض البحر، ثم يأتى السبب الثانى الخارج عن إرادتهم ممثلاً فى البيروقراطية من جهات الدولة المختلفة التى يتعاملون معها من أجل إقامة مشاريع صغيرة، ثم نأتى للسبب الأخير والأخطر وهو عدم انتماء هؤلاء الشباب بالقدر الكافى الذى يجعلهم يتمسكون بالبقاء فى وطنهم مهما واجهوا من صعوبات وإحباطات.
حلول للمشكلة
ويشير د. أسامة إلى عدة حلول تنموية من خلالها يمكن الاستفادة بمهارات الشباب أهمها: إقامة مشروع متكامل فى القرى والأحياء يعتمد على فكرة التكافل أى تقسيم الصناعة إلى عدة مشاريع صغيرة مختلفة لضمان المكسب للجميع..
ولكى ينجح المشروع المتكامل لابد أن يصاحبه فكرة الشباك الواحد، أى أن صاحب المشروع يتعامل مع جهه واحدة فى الدولة عن طريقها تحصّل الضرائب ويحصل على التصاريح اللازمة لمشروعه الصغير.
وأهم من كل ماسبق تدعيم الانتماء من خلال التدريب على العمل التطوعى فى أثناء الدراسة المدرسية .
التوعية الإعلامية
وأخيراً تؤكد د. ليلى عبد المجيد - عميدة كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية -على إهمال وسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة لبعض القضايا الهامة منها الهجرة غير الشرعية نتيجة انشغاله بأحداث الثورة.
لذا علينا الاستمرارية فى التوعية بالمخاطر التى يتعرض لها المهاجرين غير الشرعيين فضلاً عن أهمية التركيز على النماذج الإيجابية الشبابية التى حققت بإمكانيات بسيطة مكاسب مهنية ومادية فى بلادها، مما يعطى للشباب قدوة وأمل فى المستقبل داخل بلده بدلاً من هلاكه خارجها.
ساحة النقاش