الأسر العربية: بين نار الثورة وجحيم الغربة
كتبت :سمر الدسوقي
هناك وعلي أطراف الحدود المتاخمة وداخل مخيمات أو في تجمعات غير شرعية، لا تلبث وأن تكتسب الشرعية غير مكتملة حقوق المواطنة، نستطيع وأن نلمس وجود هذه الأسر، إنها الأسر العربية التي حملت مالها وعتادها وتحملت مسئولية اصطحاب نسائها وأبنائها إلي حدود دولة أخري، متسللة فيما بعد داخل هذه الحدود، في نوع جديد من الهجرات غير الشرعية فراراً من جحيم الثورات العربية التي اندلعت بليبيا وتونس واليمن وسوريا وغيرها من البلدان.
ومع هذه الأسر ومع هجرتها حاولنا أن نعيش مشكلة هجرة من نوع آخر، فجاءت الأسطر التالية:
البداية تأتى من ليبيا، حيث فرت العديد من العائلات الليبية من جراء أحداث ثورة ليبيا وقمع النظام الليبى البائد للثورة فى بدايتها نحو صحراء الجهة الشرقية من الجزائر، دون وثائق واحتمت بزعماء هذه المنطقة والذىن أدروا مئات الأسر بالماء والطعام والمأوي، ولكن المشكلة الحقيقية والتى خلفتها الثورة الليبية لا تتوقف عند حد هؤلاء، فكما تقول نائبة نقيب الصحفيين الليبيين زينب شاهين: هناك عائلات ليبية قررت أن تغادر ليبيا وتستقر وتنقل كافة شئون حياتها واستثماراتها بالجزائر بعد فرارها فى بداية أحداث الثورة نحو الحدود الجزائرية واستقرارها هناك وشرائها منازل بالفعل، هذا بخلاف بعض الأسر التى فرت نحو الأراضى التونسية والتى كانت تعد الأقرب لموقعهم ومكان إقامتهم بليبيا، والمشكلة هنا كانت خلال أحداث الثورة وما تلاها بفترة بسيطة حيث أغلقت بعض الدول المجاورة لليبيا حدودها أمام هذه الأسر لدرجة أن عدداً الا يقل عن 500 أسرة ليبية كانت عالقة بالمركز الحدودى لدولة الجزائر وعاشت أياماً مريرة عرضة للأمراض، بل ولإمكانية خطر التعرض للموت، ولكن المشكلة الحقيقية فى نقل البعض لاستثماراته وأمواله إلى الجزائر وتونس والاستقرار بأى منهما، والمشكلة ليست فى أى من البلدين أو غيرهما ولكن فيما تحتاجه ليبيا الآن من تكاتف وتكتل كافة القوى الشعبية والأسر وأبنائها لبناء نفسها مرة أخري، وليس البعد عنها والاستقرار بمكان آخر قد يعتفر بالوجود الرسمى لهذه الأسر أولا يعترف. وتضيف: وفى المقابل فقد تسبب الوضع فى سوريا إلي رزخ وهجرة وفرار المئات من السوريين، حيث أعلنت السلطات الليبية عن فتح الأبواب أمام ما يقرب من 290 شخصاً ما بين رجال ونساء وأطفال كانوا عالقين عند الحدود وقد دخلت هذه العائلات بالفعل إلى مدينة بنغازى وخصص لها مجمع يؤويها وتتوفر فيه كافة الخدمات، وقد أعلن مؤخراً أن هذا العدد قد يصل إلى أكثر من 4 آلاف شخص خلال الشهر الجارى «أبريل»، وبالتالى فالقضية هنا مزدوجة ولا توجد الأسر الليبية فقط ولكن يعيش آثارها عدد ليس بالقليل من الأسر العربية التى اضطرتها الثورات العربية إلى الفرار فاضطررت إلى الهروب بأموالها وكياناتها لبلدان أخرى، بل وشكلت ضغطاً على هذه البلدان من ناحية، كما أنها من ناحية أخرى لم تستقر وتحصل على كافة حقوقها فيها، والأمر مازال بالنسبة لها عالقاً ولن يحسم بعد!
الرازحون السوريون
والأمر لا يتوقف عند حد الأسر الهاربة أو المهاجرة قهراً من ليبياً وإليها، فإذا انتقلنا للجحيم الذى تعيش فيه الأسر السورية، فسنجد أنه وفقاً لما أعلنته المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فى أواخر عام 2011م، فإن هناك أكثر من ألفي شخص فروا من سوريا للإقامة مع أقاربهم بالأردن فى المناطق الحدودية كالمفرق والرمثا وأن هناك مساعدات قدمت إليهم، كما أن هناك أكثر من 600 أسر رزحت إلى لبنان وتركيا حيث وهل العدد النازح لتركيا وعلى وجه الخصوص إلى 20 ألف سوري، ثم تضاعف العدد الإجمالى للرازحين السوريين من الأسر والمتوقع خلال العام الجارى إلى مائتي ألف لاجئ، وبالرغم من الدعم الذى تحصل عليه هذه الأسر إلا أنهم يعانون من أو أوضاعاً إنسانية متدهورة وكذلك نفسية خاصة وأن معظمهم يعيشون فى خيام وتستضيفهم عائلات أخرى ما يجعلهم يشكلون عبئاً عليها، أو يعيشون فى مناطق حدودية معزولة، وعن هذا تشير د.إقبال دوغان -رئيسة الاتحاد النسائى اللبنانى السابق وشبكة دعم الأسرة - المشاكل التى تواجه هذه الأسر لا تعد ولا تحصى، فهى بداية تنزع من جذورها وتعيش لفترة زمنية غير بسيطة فى ظل أوضاع إنسانية غير مستقرة وكثيراً ما تواجه النساء بها خاصة فى حالة اقامتهن على المناطق الحدودية بخطر التعرض للاغتصاب وهو نفس ما ينتظر بالنسبة للأطفال، وحتى فى حالة استقرارهم داخل أطر وحدود دولة مضيفة، فإن وضعهم يكون وضع مواطن من الدرجة الثانية مهما قدم لهم من مساعدات إنسانية وخدمات، وفى بعض الأحيان وبعد فترة زمنية ليست بالقصيرة كثيراً ما يتم عدم الاعتراف الرسمى أو الشرعى بوجودهم ويطالبون بالرحيل من الدولة المضيفة، لذا فأوضاع هذه الأسر خاصة التى هاجرت بنسائها وأطفالها فى أعقاب ما يعيشه العالم العربى ككل من ثورات تحتاج بالفعل إلى دراسة وإعادة نظر من المجتمع الدولى ككل ورؤية جديدة لكيفية تسوية أوضاعها خاصة إذا كانت أسر فقيرة أو معدمة وليست لديها ما تستثمره فى الدول الأخرى.
من اليمن.. للسعودية
وإبان ثورة اليمن وما تلاها حتى الآن من تطور فى الشأن اليمني، رزحت أكثر من 8 آلاف أسرة يمنية وفقاً للتقارير الدولية إلى المنطقة الحدودية السعودية، واستقر بعضها لدى بعض القبائل السعودية فى منطقة الجنوب، خاصة من تربطه بهم علاقة نسب أو مصاهرة، وعن هذه الأزمة يقول الكاتب اليمنى محمود خير الله: لاشك أن أزمة هروب أفراد وأسر من اليمن إلى المناطق الحدودية السعودية المتاخمة بل وتسللها عبر الحدود إلى داخل الأراضى السعودية هذا بجانب تهريب الأموال والأسلحة وغيرها من البضائع عبر نفس المناطق، كان أمرا موجوداً متعارفاً عليه قبل اندلاع الثورة اليمنية وإن كان قد تفاقم فيما بعد، وبصورة كبيرة خاصة خلال الفترات الأولى من اندلاع الثورة اليمنية، والمشكلة هنا سواء فى القضية اليمنية أو غيرها من القضايا النظيرة أن الكثير من الشباب المنتمين لهذه الأسر والذين يغادرون بهذه الطريقة يتم استغلالهم والتغرير بهم بل وتحويل انتمائهم للدول المستضيفة بأى صورة من الصور، حتى يفقدوا هويتهم الأصيلة، والبعض منهم للأسف يستغل فى أعمال تميل للعنف والتطرف نتيجة لصغر سنه بل ولسوء ظروفه، هذا بجانب أن البعض الآخر من ضعاف النفوس يتم شراؤهم لصالح الدول تفتح أبوابها أمامهم، وهذا الأمر ليس بقاعدة بالطبع، ولكن ما أراه أن أى دولة اندلعت بها ثورات الربيع العربى ثم نجحت هذه الثورة وبدأت الدولة تأخذ خطوات فعلية نحو الاستقرار فلابد وأن يعود شعبها المهاجر إليها ويشارك فى بناء وطنه قبل وأن يشارك فى بناء الأوطان الأخرى سواء بماله أو بانتمائه أو شبابه.
من العراق.. لمصر
والوضع لا يختلف كثيراً بمصر والتى كانت ومازالت مركز جذب للكثيرين من الفارين سواء من الشباب والأسر جراء الأوضاع غير المستقرة بأوطانهم، والبداية كانت ومازالت من خلال الشعب أوالأسر الفلسطينية، كما كان لمصر لتجربة أخرى مع العراق، وكما يقول الكاتب حسين عبدالرازق عضو اللجنة الرئاسية لحزب التجمع-: مصر عاشت هذه التجربة من قبل، وقبل اندلاع ثورة يناير وعلى مدى عام كامل من خلال العراقيين فقد كانت النتيجة المباشرة للغزو الأمريكي للعراق، هي هجرة العراقيين لمصر بشكل كبير، بل واستقرار بعضهم بأماكن بعينها وشرائهم للأراضى والمنازل واستقرارهم بصورة دائمة وبشكل رفع معه أسعار العقارات بل وتسبب بأزمة حقيقية وسكانية فى أماكن بعينها استقروا فيها، فصحيح أننا كنا ومازلنا نفتح أبوابنا أمام كافة الشعوب العربية التى تعانى من أزمات كالفلسطينيين والسودانيين وغيرهم، ولكن مشكلة الأسر المهجرة من جراء الثورات العربية الآن من مكان لآخر، ومن دولة لأخري للإقامة على الحدود، ثم التعرض لأخطار عدم وجود حماية وبالتالى وقوع حوادث للسرقة والاغتصاب والاختطاف، ثم التعرض لأمراض، إلى أن يتم الدخول لحدود دولة أخرى، فتعامل هذه الأسر على أنها أسر من الدرجة الثانية وهذا بالطبع لا ينطبق على استضافة مصر للأسر العربية كافة، ولكننا نلاحظه الآن فيما تتعرض له الأسر السورية وقبلها الليبية واليمنية وكذلك ممن فروا من تونس، فهذه الأسر وضعها غير مستقر أمنياً أو نفسياً وتعيش تحت ضغط كبير، إلا من يملك منها دخلاً مادياً يحمله إلى الدولة التى فر إليها ثم يستقر بها كأى مستثمر، فيسبب فى المقابل ليس أزمة له ولكن أزمة لمواطنى الدولة الأخرى المضيفة حيث يقتطع دون قصد جزء من حقوقهم، وبالتالى فالأمر يحتاج هنا إلى تدخل فورى وسريع من قبل المجتمع الدولى لمد يد العون إلى هذه الأسر المنكوبة ومساعدتها على الاستقرار بأوطانها بشكل أو بآخر وحمهايتها داخل اطر هذه الأوطان وتوفير سبل العيش الكريمة أمامهم، حتى لا تضطر إلى النوم فى العراء ثم الإقامة بدولة أخرى لا تعترف بشرعية وجودها.
وهو نفس ما تؤكد عليه بتحليل عام للوضع الراهن للأسر العربية المهاجرة من جراء الثورات العربية المحامية يمنى وهبة قائلة: لاشك أن الأسر المهجرة من جراء الثورات العربية فى بلدان الوطن العربي، تعد قنبلة موقوتة لابد للمجتمع الدولى التحرك سريعاً للتعامل معها، فمعظم هذه الأسر تفر دون شيء تمخلفه وراءها مالها وعتادها وما تملكه وتعيش أسوأ الظروف على الحدود الخاصة بأى دولة مجاورة من القهر للعنف فالتعرض للجريمة والمرض والجوع، وبعدها وحينما تدخل إلى هذه الدولة بأى صورة من الصور تشكل نوعاً من الضغط على المقيمين ومواطنى الدولة نفسها، وفى نفس الوقت لا تحصل على نصف ما يمنح للمواطن العادى أين الدولة المضيفة من مميزات أو حقوق، بلى وكثيرا ما تسبب مشكلات للمقيمين والمواطنين أنفسهم من خلال رفعها لأسعار الأراضى والممتلكات العامة التى تلجأ إلي امتلاكها أو شرائها وهكذا، وبالتالى فلابد وأن يكون هناك نوع من التحرك الدولى للتعامل مع مشكلات هذه الأسر، من خلال مدها بالدعم المادى والمعنوى والذى يساعدها على الإقامة ببلدانها مهما كانت الظروف والأوضاع فيها غير مستقرة، فهذا أفضل بكثير من وضعها فى أى مكان آخر .
ساحة النقاش