وسط استنكار المجتمع وحكم الشرع:
المتحول جنسياًراقــصعـلـى السلالم
كتب : رجب رزق
شريحة من المجتمع ليست بالقليلة لديها مشكلات جنسية جسدية تعاني مرض اضطراب الهوية الجنسية، يترتب عليه ضرورة إجراء عملية تحويل للشخص من ذكر إلي أنثي أو العكس، ويتم ذلك وفق مصادر طبية متخصصة، ولكنها تواجه صعوبة في الإجراءات، فضلا عن استنكار المجتمع لمثل هذه الحالات ووصفها بالشذوذ الجنسي، لكن القضية هنا تبدو مختلفة، ومن هنا نتناولها القضية لمساعدة المجتمع في التعرف علي الحقيقة ومساعدة هذه الشريحة المتضررة التي تعاني من هذه المشكلة وأن يتفهم كلاهما الآخر
البداية كانت مع سيد - أب لأحد الأبناء ممن يعانون من مرض اضطراب الهوية الجنسية - يحكى قصته: ابنى يبلغ من العمر 18 عاماً ومع بداية البلوغ أحسست أن لديه مشكلة وتظهر عليه علامات الأنوثة، فذهبت به إلى الطبيب، فأكد لى أنه أنثى ويحتاج إلى عملية تصحيح جنسى، ولكنى خفت وذهبت إلى أحد الشيوخ الذى أكد لى أنها عملية محرمة وفيها تغيير لخلق الله، وبعدها عدت ولا أدرى ماذا أفعل، فالولد يعانى من حالة نفسية سيئة ولايريد أن يقابل أحداً، وظل سجين المنزل وحاول الانتحار أكثر من مرة، وأصبحت حالتى النفسية أنا أيضاً سيئة جداً، ولكن هذا قدر الله ولا أستطيع تغييره.
أما حكاية «حاتم» فهي غريبة فقد تزوج من فتاة وفى ليلة العمر اكتشف أن زوجته كانت رجلاً على الرغم من أنها أنثى فى كل الأحوال عدا الأعضاء التناسلية لها، فصدم صدمة عنيفة وقرر أن يطلقها وكان هذا منذ أكثر من خمسة أعوام وتابعت حالتها عن بعد وعرفت أنها سافرت إلى الخارج لإجراء عملية التحويل إذ تصعب عليها إجراؤها فى مصر لدواعٍ كثيرة ما بين أنها حرام شرعاً وأنها غير معترف بها طبياً ومثل هذا إلخ.
ويتساءل طالما أن هناك علاجا أو تصحيحاً، لماذا لا يقبل ذلك حتى يتسنى للفرد أن يقيم حياة كريمة طالما أنها مشكلة ليس للفرد سبباً فيها.
خلل كروموسومي
ويؤكد د.خالد زكريا - أستاذ علم الذكورة والعقم طب القاهرة - أن اضطراب الهوية الجنسية هو خلل فى التركيبة الكروموسومية ينشأ على أثرها خلل فى التركيبة الجسدية والهرمونية للجسم، وهى حالات متعددة، ويتم اكتشاف كل منها على حدة وفقاً للظروف المتاحة.
وأضاف: لتأكيد الحالة وتحويلها من جنس لآخر يمر ذلك بعدة مراحل مختلفة وعرضها على أطباء كل حسب تخصصه، وما تحتاج إليه الحالة فترة تستغرق عامين أو أكثر حتى تمر بجميع مراحل إتمام العملية.
ويقول د. محمد ندا - استشارى الجراحة العامة طب عين شمس -: هى قضية غاية فى الأهمية تتضرر منها فئة ليست بالقليلة فى المجتمع.
ويرفض د.ندا كلمة «تحويل» لأنه ليس بحالة الشذوذ الجنسى، وإنما هى بمثابة تصحيح مسار للأعضاء التناسلية.
ويوضح أنها مشكلة تظهر منذ الصغر ويمكن اكتشافها مبكراً أثناء الختان، وذلك فى إشارة إلى حالة لديه لذكر كانت الأعضاء التناسلية لديه غير محددة، ولكن الطبيب أثناء الختان عامله على أنه أنثى وأبقى معالم الأنوثة، ومع الكبر عانى هذا الولد من الهرمونات التى يمتلكها الذكر مع أنه لديه أعضاء تناسلية لأنثى، ومع تفاقم المشكلة لديه أجرى عملية التصحيح وبدأ يمارس حياته كذكر لكن مع مشكلات نفسية قبل وبعد العملية.
ويشير د.ندا إلى ضرورة وعى الأسرة فى الوقت الراهن إزاء التعامل مع هذه الحالات، كذلك تقبلها عملية التصحيح فى الصغر بشكل أكبر من مرحلة الكبر، ويعلل ذلك أن هذه المرحلة تستلزم تأهيلاً نفسياً وإخبار المحيطين به بما حدث له.
التأهيل النفسي
ويشير د. أحمد البحيرى - استشارى الطب النفسى - إلى ضرورة التأهيل النفسى قبل وبعد عملية تصحيح الجنس، ويلفت إلى الاضطرابات النفسية التى يعانيها الشخص قبل تصحيح جنسه كالقلق والإحباط والاكتئاب، خاصة لمن يعجز على التكيف مع المجتمع.
ويقول: قد يعانى اضطرابات نفسية بعد عملية التصحيح، فمثلاً الأنثى التى تصحح لـذكر تتحرر من القيود الذكورية عقب عملية التصحيح، وهذا يخلق لديها شخصية تميل إلى التخريب ضد سلطة المجتمع.
بينما يعانى الذكر الذى به هرمونات أنثوية قبل عملية التصحيح من الانسحاب والعزلة عن المجتمع، خاصة فى مجتمعاتنا التى تفتخر بالذكورة.
وشدد د.البحيرى على ضرورة موافقة الشخص على إجراء عملية تصحيح جنسه لـ «أنثى» وأنها هى الأخطر فى نظر المجتمع الذى يقلل من شأنه لأنه سيصبح جنساً أقل فى المكانة الاجتماعية. وأوضح أن عدم التأهيل النفسى يجعله أكثر عرضة للانحرافات الجنسية فى مرحلة المراهقة، لأنه قد يتعرض لاضطهاد جنسى أو اغتصاب لرغبته الأنثوية.
وعن التأهيل النفسى بعد عملية التصحيح، قال البحيرى: أنه يعتمد على مدى التكيف الجديد للشخصية الجديدة، ودور المعالج النفسى فى إدماج الحالة إيجابياً فى المجتمع غاية فى الأهمية كى يتقبل ذاته فى المجتمع الجديد الذى ينتمى إليه، حتى يبث الثقة بهويته الجنسية الجديدة، فيندمج تدريجياً فيه كى لايشعر بالصدمة.
الاكتشاف المبكر
ورأى د. عمر عبد العزيز - استشارى جراحة الأطفال أهمية دور الأسرة فى الاكتشاف المبكر لمشكلات الطفل منذ ولادته، والمتابعة الجيدة للأطفال الذين ولدوا بخلل فى الأعضاء التناسلية وعرضها على الطبيب لمعالجة المشكلة من بدايتها كى لا يعلمها أحد. وشدد د.عمر على السرية التامة فى التعامل مع مشكلات الطفل التناسلية وعلى ضرورة دعم الأسرة لتقبل الجنس الحقيقى للطفل ومعاملته بناء على ذلك.
قبول المجتمع
وترى د. عزة كريم - أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث - أن التحول الجنسى حتى لو أقره الطبيب، فإن مجتمعنا المصرى لم يستسغ هذه الفكرة من تلك الشريحة من المجتمع، فالمجتمع يشعر أن هذا التحول غير مطابق لقيمنا وأفكارنا الشرقية وربما يرى المجتمع أيضاً أن هذا الشخص المتحول ربما يكون بإرادته وليس لظروف مرضية معينة أجبرته على خوض تلك العملية، وقد يتعامل المجتمع مع هذا الشخص على أساسه القديم قبل التحول واستغلاله من الآخرين وكمادة لـ «التريقة».
ومن هنا تكون قد تسببت للمتحول فى معوقات كثيرة تحول بينه وبين المجتمع الذى يعيش فيه، على العكس من المجتمع الأوروبى الذى يقبل ويبيح مثل تلك العمليات سواء أكانت تصحيحاً أم شذوذاً جنسياً، بينما نحن فى مجتمعاتنا العربية هذه الثقافة بعيدة تماماً عنا.
وتشير د.عزة إلى أهمية مراعاة الأطفال فى المراحل الأولى من النمو وتفهم الأسرة حقيقة تلك القضايا حتى تواجهها بحسم، فالمشكلة تبدأ فى الطفولة وتنمو فى فترة المراهقة، ففى البداية الطفل ملتحق بأهله وبدون إحراج غير سن المراهقة أو الشباب وهنا وجب على الأهل الإسراع فى إجراء العملية قبل أن ندخل فى متاهات الصدمات النفسية والعصبية مع طبيعة الفرد والمجتمع الذى يعايشه ومنها قد تصل إلى الانتحار.
وأشارت د.عزه إلى أهمية الوعى المجتمعى لطبيعة هذه الحالات، وأنه من الأفضل أن تترك العائلة أو الأسرة مكان السكن والمعيشة إلى منطقة أخرى وتتعامل مع الحياة الجديدة بمجتمع جديد، قد يبدو هذا أمر صعب لكنه أقرب إلى الصواب حفاظاً على الحالة النفسية للإبن أو الإبنة.
التحول النفسي
ويرى د. سعيد مرزوق - أستاذ علم النفس بعين شمس - أن التحول النفسى أصعب من التحول الجراحى، فالجراحة مراحلها محددة، بينما التحول النفسى يمر بمراحل طويلة ويرتبط بمدى استيعاب الحالة للوضع الجديد فى ظل الظروف المحيطة للفرد والمجتمع، مشيراً إلى أن انتقال الشخص من جنس النساء إلى جنس الرجال أسهل نسبياً من الناحية النفسية، مؤكداً على دور المجتمع وتقبله هذه الحالات فى إنجاح عملية التحول النفسى.
حلال بشروط
يذكر أن دار الإفتاء المصرية قد أشارت أنها ليست ضد المصلحة العامة للفرد والمجتمع وبما لا يتعارض مع شرع الله، وأن مثل هذه الحالات ممن يرون أنفسهم فى حاجة إلى تصحيح مسارهم الجنسى كما يدّعون، فإن دار الإفتاء تطلب كل الشهادات الموثقة لذلك من الطب العضوى والنفسى وأنها ليست بمشكلة نفسية، وبعدها يتم عرضها على لجنة بدار الإفتاء تشمل مجموعة من العلماء والأطباء المختصين ويتم الكشف عليها وفحص الحالة، لتقرر اللجنة ما تراه من تنفيذ لهذه الحالة سواء بالرفض أو القبول.
وتشترط وزارة الصحة لإجراء مثل هذه العمليات وجود خطاب من المستشفى المتابع للحالة وعمل تحاليل خاصة بالكروموسومات والدم ويتقدم صاحب الحالة، ويتم تشكيل لجنة خاصة لنظرها مكونة من أطباء متخصصين فى أمراض الذكورة وطب الجنين والوراثة، والأمراض النفسية والعصبية والتناسلية وأمراض النساء مع عالم مسلم أو ممثل للكنيسة، وأن اللجنة لا توافق على تحويل الجنس إلا فى حالة وجود تشوه خلقى بالأعضاء التناسلية
ساحة النقاش